برهم صالح رئيساً للعراق: الخوف على الأكراد من الأكراد
Yekiti Media
برهم صالح رئيساً للعراق، وانتخابه مثل لحظة توافق نادرة واستثنائية بين عدوي هذا الزمن، واشنطن وطهران! وعلى الرغم مما للرجل من صفات قد تكون غير متوفرة بمعظم الطبقة السياسية العراقية، لجهة سعة علاقاته وشمولها أطرافا قليلة الانسجام عراقيا وإقليميا ودوليا. وعلى الرغم من عدم ارتباط اسم الرجل بمفاسد السياسيين العراقيين وبسقطاتهم، إلا أن ثمة صدعا كبيرا أحدثه هذا الانتخاب. ذاك أن اختيار صالح مثل صفعة كبرى للكردي الأبرز رئيس الحزب الديموقراطي الكردستاني مسعود بارزاني، الذي بقي متمسكا إلى آخر لحظة بمرشحه فؤاد حسين. وتأتي هذه الصفعة لتضاف إلى صفعتي فشل الاستفتاء وانتزاع حكومة بغداد كركوك من الإقليم.
يمكن للمرء أن لا يحسد “صديقه” برهم على هذا المأزق، ويمكن لمن انحاز إلى تجربة الإقليم الكردي في شمال العراق أن يخاف عليه اليوم، ذاك أن احتمالات الصدام الأهلي بين أربيل والسليمانية عادت لتظهر بقوة، مشحونة هذه المرة بمشاعر الفشل والتحدي، والاتهامات المتبادلة والتخوين الذي كانت الأطراف الكردية قد بدأت بتبادله عندما شعر الحزب الديموقراطي (البارتي) أن الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة ابني الراحل جلال طالباني قوباد وبافيل قد تواطأ مع الحكومة المركزية وسلمها “قدس الأكراد”. وكان الاتحاد في المقابل اتهم البارزاني بـ”التفرد باتخاذ قرار الاستفتاء في خطوة غير محسوبة النتائج وجرت كوارث على الأكراد”.
اليوم، وبعد انتخاب صالح رئيسا، أضيف إلى ضائقة الأكراد في العراق مأزق جديد، ذاك أن الانتخاب مثل عملية كسر لإرادة أكبر زعيم كردي في العراق. والرجل استبق الانتخاب بتصريح غير ديبلوماسي ألمح فيه إلى امكان مقاطعة الرئيس المنتخب، فقال: “يجري الآن اختيار رئيس جمهورية العراق مخالف للأعراف المتبعة في انتخاب رئيس الجمهورية في الدورات السابقة. فكان ينبغي أن يتم اختيار مرشح كردي من أكبر كتلة أو أن تحسم الكتل الكردية الأمر. الآلية المتبعة حاليا ليست مقبولة على الإطلاق، وسيكون لنا موقفنا منه قريبا”.
انتخب برهم صالح رئيساً للعراق بأصوات الكتل الشيعية والسنية العربية. نال أقل من نصف أصوات الأكراد. قبل الاستفتاء وخلاله وبعده خفنا على الأكراد من تركيا ومن ايران. وخلال محنة كركوك خفنا على الأكراد من الحشد الشيعي. اليوم علينا أن نخاف على الأكراد من الأكراد.
ويبدو أن الأكراد بعاصمتيهم أربيل والسليمانية يتحملون بالتساوي المسؤولية عما جرى. فمسعود لم يقرأ مرة أخرى دلالة أن تتوافق واشنطن وطهران على شخصية صالح، لا سيما وأن العاصمتين وفي ظل المواجهة المفتوحة بينهما تحتاجان إلى قنوات تصريف تتبادلان من خلالها الرسائل، وموقع رئيس الجمهورية في العراق قد يمثل إحدى هذه القنوات، ويبدو أن لبرهم علاقات متساوية مع كل الأميركيين والإيرانيين. مسعود في رفضه ترشيح برهم صالح يرفض أيضاً رغبة الأميركيين والإيرانيين في فتح هذه القناة. وهنا سقط البارزاني مرة ثانية في فخ شبيه لفخي الاستفتاء وكركوك، وهو اذا ما رفض الاعتراف في أن حساباته كانت خاطئة هذه المرة أيضا، فعليه أن يعترف أنه ذاهب بالتجربة الكردية العراقية نحو مواجهات سيخسرها حتما، ذاك أننا نتحدث عن صدام يمتد من واشنطن ولا ينتهي بطهران.
لكن في المقابل يجمع مراقبون أكراد محايدون على أن قيادة الاتحاد الوطني بزعامة آل طالباني لم تستشر مسعود بعد أخذها القرار بترشيح برهم صالح لرئاسة الجمهورية. القرار اتخذ في السليمانية واستدعي صالح وطلب منه التراجع عن مواقف كان اتخذها من قيادة الاتحاد وحل الحزب الذي كان أسسه، فاستجاب الرجل وأعلن ترشيحه. هذه الخطوة تنطوي على نزق لا يقل عن نزق البارزاني عندما تفرد بقرار الاستفتاء. فمسعود هو الزعيم الكردي الأكثر تمثيلاً، وأربيل عاصمة الإقليم، وتجاوزها سيكون له ارتدادات كبرى لا يستبعد أن تصل إلى مواجهات. وصحيح أن سقف هذه المواجهات سيبقى محدودا ولن تتكرر حرب العام ١٩٩٦ بين أربيل والسليمانية، لأسباب عراقية ودولية هذه المرة، إلا أن حدة الانقسام سترسم شكلا من أشكال الحرب الباردة والضمنية والمنطوية على مشاعر لا يصلح أصحابها لمهمة الاشتراك في تجربة واحدة.
من يعرف كردستان العراق جيدا يعرف أن الإقليم لم يكن يوما إقليما واحدا، وأن الإدارة السياسية والأمنية والعسكرية في كل من أربيل والسليمانية لم تلتئم يوماً في إدارة واحدة. المشهد اليوم صار أصعب وخطوط الانقسام صارت أشد وضوحاً. انتخب برهم صالح رئيساً للعراق بأصوات الكتل الشيعية والسنية العربية. نال أقل من نصف أصوات الأكراد.
قبل الاستفتاء وخلاله وبعده خفنا على الأكراد من تركيا ومن ايران. وخلال محنة كركوك خفنا على الأكراد من الحشد الشيعي. اليوم علينا أن نخاف على الأكراد من الأكراد.