بلد العميان
نرمين حاجو
هي قصة قصيرة ( The country of the blind ) قام بتأليفها الكاتب الإنكليزي هربرت جورج ويلز سنة 1904 ونشرها في مجلة ستراند.
تحكي القصة عن مجموعة مهاجرين من دولة البيرو، هربوا من طغيان الاستعمار الإسباني الظالم. ثم حدثت إنهيارات صخرية في جبال الأنديز، أدّت إلى عزل هؤلاء الناس في وادي منفصل عن بقية العالم .
ثم انتشر بينهم مرض مُعدي أدّى إلى أن يفقدوا جميعاً حاسة البصر !. لكنهم فسّروا ذلك بأنه عقابٌ من الله لانتشار الخطايا بينهم !.
وعبر عدة أجيال توارث أسلافهم مرض عمى العيون جيلاً بعد جيلٍ، حتى أنهم وبتقادم الزمن نسوا أنّ هناك شيء اسمه “البصر” !.
هنا يظهر بطل القصة (نيونز)، وهو أحد متسلّقي الجبال ، والذي انزلقت قدمه فهوى من شاهقٍٍ في وادي العميان وسقط فوق كتلةٍ هشة من الجليد ولم يُصبه أي أذى.
وفي الصباح شاهد أنّ كلّ بيوت هذا الوادي خالية من النوافذ، وأنها جميعاً تحمل ألواناً فاقعة وكأنّ من صبغها أعمى كالخفّاش.
وحين خرج الناس من بيوتهم لاحظ أنهم يمرّون به دون أن يُبصروه، وأنهم جميعاً لا عيون لهم !!، فتذكّر المقولة الشهيرة (( الأعور في مملكة العميان ملك ))، وتصوّر أنه سيكون ملكاً عليهم لأنه بصير !.
وراح يشرح لهم أنه جاء من عالمٍ، كلّ الناس فيه يُبصرون، وهنا لم يفهم الناس ما معنى “يُبصرون”، وعجزوا عن التقاط معناها !. وراحوا يتحسّسون بأصابعهم عينيه فوجدوا عضواً ناتئاً بارزاً وغريباً جداً واعتقدوا أنّ الرجل مشوّه وقبيح وربما خطاياه كثيرة ولهذا عاقبه الربّ بهذه الطريقة القاسية البشعة !.
كان هؤلاء الناس يعرفون أغلب ما حولهم بواسطة آذانهم وأنوفهم الشديدة الحساسية لأيّ صوتٍ أو رائحةٍ حولهم !، وحين راح يحكي لهم عن جمال الطبيعة والألوان وكل ما لا يستطيعون أن يروه، كانوا يبتسمون ،وهم يسخرون من عقله، وراحوا يعتبرونه مريضاً يهذي لأنّ عينيه تُسبّب له مشاكل وخلط فكري مضحك !. وحين أخبرهم أنه يرى منازلهم وراح يشرح لهم تفاصيلها طلبوا منه أن يشرح لهم ما في داخل تلك المنازل !!، لكنه طبعاً عجز عن ذلك فضحكوا منه واتهموه بالكذب والحيلة !.
وحين حاول الهرب منهم لاحقوه وأمسكوا به مستعينين بحاسة السمع والشم المتفوّقة عندهم بسب عماهم.
وكما فعل غاليلو مع الكنيسة الكاثوليكة فعل (نيونز) مع هؤلاء العميان حين اعتذر لهم وأنكر أنه مُبصر ووعدهم بأن لا يهذي أو يكذب معهم ابداً. ولأنهم كانوا طيبين فقد صفحوا عنه واكتفوا بجلده بضعة جلدات.
وأثناء كلّ ذلك وجد بينهم فتاة جميلة نوعاً ما قياساً ببشاعتهم ، لكنّ العميان لم يكونوا يحبّون هذه الفتاة لأنها برأيهم ليست جميلة !، أي أنها تُخالف فكرتهم عن ( الجمال )!، وحين حاول أن يخطبها من أهلها رفضه والدها لأنهم اعتبروا (نيونز) هذا متخلفاً وأقلّ مستوىً من البشر الأسوياء في وادي العميان، وأنّ عيونه ليست إلا عضو مريض وقبيح يُسبّب له الغباء والاضطراب في المخ !، وطلبوا منه أن يسملوا له عينيه كي يكون زوجاً صالحاً لتلك الفتاة التي أحبّها وأحبّته، والتي راحت تتوسّل له كي يقبل بشرط سمل عينيه من أجلها وأجل سعادتهما معاً !.
وهكذا أصبح العمى شرطاً لازماً ليرتفع المرء من مرتبة الانحطاط كي يصبح مواطناً كاملاً ومشابهاً لبقية القطيع الأعمى !.
راح (نيونز) ينظر في جمال الغابة والوادي والسماء وألوان قوس قزح ومئات الطيور حوله ورفض في عقله أن يحرم نفسه من كلّ جماليات الحياة ونعمها من أجل فتاةٍ أحبها !، وكما يقول السيد المسيح : ( ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان ) …..
في اليوم الثاني والكلّ نيام هرب (نيونز) من وادي العميان وتسلّق صخور الوادي إلى أن وصل إلى مدن السلام والخير والناس الذين يُبصرون.
بلد العميان هي قصة كلّ مجتمعٍ يسوده الجهل والتخلف والتعصب بسبب أفكار كونكريتية مغلوطة مهيمنة عليه، وحيث كلّ دعوةٍ تنويرية تواجَه بالرفض والعنف والتشكيك والإرهاب !.