تجاذب الأطراف الخارجية في سوريا.. وزيارة الأسد إلى موسكو
عبد الله كدو
بعد توقف التهديدات التركية بالدخول البري إلى المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، كشفت الحكومة التركية عن مبادرة للتقارب مع النظام السوري بوساطة روسية.
بدأت أولى الخطوات مع اللقاء الذي جمع مسؤولين عسكريين وأمنيين عن الطرفين، في موسكو أواخر العام المنصرم.
لا غرو أنّ ملف قسد، وحزب الاتحاد الديمقراطي pyd الذي تعتبره تركيا الفرع السوري لحزب العمال الكُردستاني pkk، تراه تركيا مرتبطاً بالأمن القومي التركي، حيث أنّ مسلحي الحزب الذين يشكّلون العنصر الاساسي في قسد ، يسيطرون على طول مناطق محاذية للحدود المشتركة بين تركيا وسوريا، وتتفق المعارضة مع الحزب الحاكم التركيَيْن حول هذا الملف.
وأنقرة التي تدرك تأثير واشنطن على “قسد” تسعى لاستثمار ما لديها من أوراقٍ للضغط على واشنطن، لإضعاف دعمها ل قسد، وانتزاع تأييدها للمطالب التركية.
تبيّن ذلك الضغط ( التركي) في الناتو، عندما رفضت تركيا انضمام السويد وفنلندا إليه. ولجأت أنقرة للتقارب مع موسكو بينما كانت الولايات المتحدة منهمكة في مواجهةٍ حادة مع موسكو في أوكرانيا.
من الجدير بالذكر، أنّ ميزان المصالح يقول إنّ واشنطن تفضّل أنقرة على قسد، ولواشنطن، بدورها، الكثير من أوراق الضغط على أنقرة، منها،صفقة طائرات F16 وكذلك ضغوط اقتصادية وسياسية تتعلّق بالشأن الداخلي، قد تؤثّر على نتائج الانتخابات التركية القادمة.
علماً أنّ الاعتقاد السائد هو أنّ العلاقات التركية الأمريكية سوف تشهد تطوراً إيجابياً، سواءً فاز حزب العدالة أم خسر، إذ أنّ مرحلة ما بعد الانتخابات لن تكون كما ما قبلها.
بالمقابل، فإنّ موسكو، هي الأخرى، تمتلك أوراقاً ضاغطة على تركيا، فهي تستطيع أن تهدّد مناطق النفوذ التركي في الشمال الغربي السوري، حيث تواجد المعارضة السورية، الأمر الذي يُذكّر تركيا بموجات لجوء جديدة، حيث أنّ اللاجئين السوريين في تركيا قد أصبحوا مادةً للاستثمار الانتخابي .
إلا أنّ موسكو تحرص على عدم انزياح تركيا، بشكلٍ كامل، إلى معسكر الغرب، في حربها على أوكرانيا، لذا تدفع لتحقيق التقارب بين دمشق وأنقرة.
أما إيران، التي تفاجأت بالتقارب المذكور، هي غير راضية عنه، وبدت ملامح استيائها من التقارب في وقف تزويد النظام بالنفط إلا بالدفع نقداً و بأسعار أعلى، وكذلك في تأجيل زيارة الرئيس الإيراني إلى سوريا إلى أجلٍ غير مسمّى.
فهي ترى بأنّ حصول التقارب التركي مع النظام سيؤدّي إلى نتائج لغير صالحها، منها: انسحاب قسد من الحدود نحو الداخل السوري، و تحرك دوريات من قوة عسكرية برية سيأتي على حساب الميليشيات التابعة لإيران في بعض المناطق السورية.
و منها كذلك، استهداف حزب العمال الكُردستاني ذي العلاقات الجيدة مع طهران.
وكما هو معلوم، فإنّ لإيران تواجد عسكري كبير في سوريا، وهي لن تتخلّى عن “مكتسباتها” هناك بسهولة، حيث عملت، طويلاً، على إحداث تغييرات ديمغرافية بما تخدم ديمومة نفوذها.
ومع ذلك، فهي، أي إيران، تسعى لأن تكون حاضرة في أية تسوية يتمّ التوصل إليها بين أنقرة وموسكو ودمشق، في الوقت الذي تقف إسرائيل ضد الوجود الإيراني على الأرض السورية بالمرصاد .
هنا لا بدّ من القول إنّ البحث في التوقّعات، يتطلّب العودة إلى يوم 17 أكتوبر 2019 الذي توصّلت فيه الولايات المتحدة وتركيا إلى اتفاقٍ لوقف العملية العسكرية التركية، مقابل انسحاب “قسد” بعمق 30 كيلو متر من حدودها مع سوريا.
وفي 22 أكتوبر عام 2019، توصّلت روسيا وتركيا إلى اتفاق تنسحب “قسد” بموجبه مسافة 30 كيلومتراً بعيداً عن الحدود المشتركة.
الجدير بالذكر أنّ الخطاب الرسمي التركي الراهن يتناول ملف اللاجئين السوريين، سواءً عبر التلويح بالعمليات العسكرية أو عبر الحديث عن التقارب مع النظام، إلا أنّ النظام، بوضعه الحالي، لا يمكنه استيعاب عودة اللاجئين؛ ذلك لأسباب كثيرة، منها الاقتصادية، فعودة ملايين اللاجئين إلى مناطقهم الأصلية تعني ضرب كلّ مخططات النظام لإحداث التغيير الديمغرافي في المنطقة بإشراف إيراني، ومن جانب آخر فإنّ القسم الأكبر من اللاجئين يرفض العودة للعيش تحت سيطرة النظام، حيث اثبتت التجربة اللبنانية فشل هكذا عودة.
وسط كلّ هذه الصعوبات، جاءت زيارة( استدعاء) الأسد المفاجئة إلى موسكو، لحصول موسكو على التفويض السياسي من رأس النظام بعد أن حصلت، سابقاً، على التفويض العسكري منه، و الزيارة الاستثناء التي كانت واسعة المهام شكلاً، بمضمون أساسي وهو دعم التقارب التركي مع النظام، رغم أنّ مقولة النظام بالصدد هي :”إنهاء الاحتلال التركي شرط تحسين العلاقات مع تركيا” رغم أنّ النظام يدرك تماماً أنّ أنقرة التي تلوّح بعملية عسكرية برية، لن تنهي تواجدها العسكري على الأراضي السورية في المدى المنظور، حيث أنّ الاحتمال الأكبر هو أن تعمل واشنطن على استيعاب تركيا بإشراكها في مقاربتها للقضية السورية، بما يخدم مصالح أميركا وحلفائها.
ولا يبدو أنّ واشنطن تفكّر، على المدى المنظور، في التخلي عن “قسد “، أي أنّ واشنطن في وارد البحث عن توافقات مع أنقرة، دون أن تخسر “قسد”، الأمر الذي تظهرها محاولات واشنطن في سعيها لاستقطاب العشائر العربية في مناطق سيطرة قسد، ذات الأغلبية العربية.
حيث ترى واشنطن بأنّ دعم وتفعيل المكون العربي قد يسمح بعودة قسم من اللاجئين إلى تلك المناطق، ويُعتقد بأنّ أحد أسباب ذلك هو حرص واشنطن على عدم إفساح المجال لبوتين لتسجيل نقطة لصالح الأسد، حيث أقرت واشنطن، مؤخراً، قانون “الكبتاغون” الذي يستهدف عائلة الأسد بشكلٌ مباشر.
من الملفت أنّ زيارة الأسد تأتي في وقتٍ يشتد فيه الصراع بين روسيا والغرب، بناءً على اعتقاد من موسكو، بأنه يجب أن يتمّ كسر العقوبات على دمشق، والقيام بالإعلان عن اتفاقيات تبادل تجاري كبير بينهما، حيث أنّ روسيا هي الأخرى تخضع للعقوبات، و كأنها تقول: “لا ذنب بعد الكفر”.
الزيارة حملت في طياتها طروحات حل للوضع السوري، ومناقشة “المبادرة العربية”، لكنّ الأسد ليس بوارد قبول أية مبادرة تؤدّي إلى الحد من صلاحياته لدرجات معينة.
والزيارة تختلف، هذه المرة، عن سابقاتها من حيث علنيتها وشكل الاستقبال، يبدو أنّ موسكو أرادت أن تكون الزيارة منسجمة مع ما هو سائد، وأخذت الوقائع في الاعتبار، فهناك نوعاً من الإجماع، في المنطقة، يسمح للأسد بالتحرك، حيث كانت زيارات الأسد للإمارات وسلطنة عمان علنية، وقد يكون عدم استقبال موسكو الأسد، سابقاً، استقبالاً رسمياً، نوع من رد فعلها على اتصالات الأسد مع الدول الأخرى.
وما ليس بخافٍ على أحد ، هو أنّ الوضع الاقتصادي في سوريا يحتّم على الأسد أن يقدّم بعض التنازلات، علماً أنّ اتصالاته المتزايدة مع الإمارات وعمان قد تعطيه هامشاً من المراوغة .
و لإتمام الصورة، لا بدّ من التذكير بأنّ روسيا تحرص على إتمام التقارب التركي مع النظام، نتيحة التفاهمات التركية الروسية المسبقة. وهذا هو الغرض الأساسي من استدعاء رأس النظام، من أجل فرض المزيد من الضغوط عليه، ليبدي المرونة اللازمة، حيث هناك إصرار من دول مجموعة أستانة لاتخاذ خطوات ملموسة لوقف تدهور الحالة السورية الذاهبة إلى مزيدٍ من التفاقم .
وعليه بالنسبة لدول أستانا ،يجب الانتقال، بعد لقاء موسكو، إلى تنفيذ جدول الأعمال الذي وضعته تلك الدول، ذلك في مدى ما لا يتجاوز منتصف هذا العام، وإلا ستقع المسؤولية على من يعرقل.
حيث تشعر روسيا، العنصر الأكثر فاعليةً على الساحة السورية، بأنّ لا بدّ من التجاوب مع مقررات مؤتمر سوتشي للحوار السوري السوري عام 2018 وقرار مجلس الأمن 2254 ، قبل أن تخرج الأمور في سوريا عن السيطرة بما لا تترك أي طرفٍ رابح في جبهة النظام و لا في جبهة المعارضة.