تجربتي مع مجموعة عمل قرطبة
جمال قارصلي
إن مجموعة عمل قرطبة, ومنذ نشأتها, تعمل تحت السقف الوطني على جمع كل القوى الديمقراطية السورية من أجل أن توحدها في تحالف سياسي معارض “للنظام” وهي تضع كل إمكانياتها لدعم الثورة السورية من إجل إزالة الطاغية وأعوانه والوصول إلى مجتمع ديمقراطي تعددي.
هذه المجموعة لم تهاجم أحدا من أعضاء المجموعات الأخرى التي تشكلت في السنين الماضية مثل الإئتلاف أو المجلس الوطني أو هيئة التنسيق أو تدعي بأنها هي بديل لأنها هي بحد ذاتها مكونة من معظم أطياف ومكونات المجتمع السوري ويشارك فيها أعضاء من الإئتلاف ومن المجلس الوطني ومن هيئة التنسيق وكذلك من أعضاء إتحاد الديمقراطيين ومجموعات أخرى, إضافة إلى أعضاء من معظم مكونات المجتمع السوري من تركمان وأكراد وعلويين ومسيحيين وأزيديين وسريان وآشوريين و …و …
كنائب ألماني سابق وكمتحدث رسمي لشؤون اللاجئين والمغتربين في حزب الخضر في ألمانيا عملت ولا زلت أعمل كل ما بوسعي على تحقيق المساواة بين المغتربين الذين يعيشون في ألمانيا وأكثرية المجتمع الألماني, لأن المجتمعات الديمقراطية لا يناسبها أن يكون فيها إنسان من الدرجة الأولى وآخر من الدرجة الثانية أو الثالثة وهي تصر على أن يكون كل أفراد مجتمعها متساوين أمام القانون وكذلك في الحقوق والواجبات. المادة الأولى في الدستور الألماني هي أحدى أهم دعائم نشاطي السياسي والتي تنص على: إن كرامة الإنسان لا تُمس.
أما النضوج الديمقراطي لأي مجتمع كان, يمكننا أن نقيسه على الطريقة التي تتعامل بها أكثرية هذا المجتمع مع أقلياته. بسبب خبرتي الطويلة في شؤون المغتربين ومعرفتي بكل الحساسيات والمخاوف التي يعاني منها المجتمع الألماني بأكثريته وأقلياته وبناء على تجربتي السياسية في المانيا فإنني أجد ما تقوم به مجموعة عمل قرطبة هو الطريق الصحيح لبناء وطن ديمقراطي تسوده العدالة والمساواة ويطمئن له كل سوري ويجد نفسه متساوي مع أخيه السوري الآخر. طريقة العمل هذه لها إيجابية إضافية أخرى وهي تطمين المجتمع الدولي بأن الشعب السوري واحد وأن المخاوف التي زرعها “النظام” في عقول الكثير من السياسيين في العالم, بأن الأكثرية السورية ستقضي على الأقلية إذا ما إنتصرت الثورة السورية, لا أساس لها ولا تمت للواقع بصلة.
قبل كل إجتماع لمجموعة قرطبة, إن كان لقاءا عاما أو لقاءا لإحدى مكونات المجتمع السوري, يتصل بي كثير من “الأصدقاء” و”الناصحين” و”المحبين” ويحاولون إقناعي بأن لا أشارك بهكذا لقاء, وتبدأ بعدها سلسلة من الإتهامات والإفتراءات والإشاعات على المجموعة وبعض شخصياتها. هكذا تتعرض هذه المجموعة إلى حملة شرسة قبل كل لقاء تنظمه. ربما بعض أسباب هذه الحملة تكمن في الخوف من هذه المجموعة من أن تصبح منافسا قويا على الساحة السورية أو أن بعض المجموعات السياسية أو الشخصيات الناشطة السورية تحاول أن تسقط خلافاتها المستعصية في داخل مكوناتها على مجموعة عمل قرطبة, وتحاول أن تنال من عمل هذه المجموعة, بالرغم من أن مجموعة عمل قرطبة عملت ولا زالت تعمل على إعطاء الفرصة والإمكانية لكل مكون من مكونات المجتمع السوري أن يضع رؤيته وإستراتيجيته المستقبلية من أجل سوريا ما بعد الديكتاتورية. البيانات الختامية التي تصدرها المكونات هي توافقية وتتضمن تطلعات ورؤية وآمال ومخاوف ودور ومسؤولية كل مكون في سوريا المستقبل. أهم شيء والذي يجب أن يأخذه كل مكون في بيانه في عين الإعتبار هو وحدة سوريا ارضا وشعبا ورفض المحاصصة الطائفية وإسقاط النظام الديكتاتوري وإقامة مجتمع تعددي مدني ديمقراطي, وكذلك أن هنالك مكوّنات أخرى وأغلبية عربية ومسلمة وشركاء آخرون في الوطن, على مبدأ, تنتهي حريتك عندما تبدأ حرية الآخرين.
لقد شاركت تقريبا في كل اللقاءات التي نظمتها مجموعة عمل قرطبة وكنت بعد كل لقاء أشعر بشيء من الطمئنينة والراحة والتفاؤل وتكاد كل مخاوفي من التقسيم والمحاصصة تتبخر. في هذه اللقاءات كنت دائما سعيدا لأنني ألتقي مع أخوة لي في الوطن وأشعر بأن حرصهم وغيرتهم وحبهم لسوريا أكثر مما كنت أتصور وأنهم حريصون على وحدة سوريا أكثر مني شخصيا. هكذا لقاءات مفيدة جدا لإزالة الكثير من الأحكام المسبقة بيننا نحن السوريون والدعايات والأقاويل التي لا أساس لها ولا الصحة. إن الذين إلتقيتهم في إطار لقاءات مجموعة عمل قرطبة يفكرون في الدرجة الأولى بأنهم سوريون وبعد ذلك وبمسافة طويلة تأتي إلتزاماتهم القومية أو الدينية أو الطائفية.
مثل هكذا لقاءات توضح الرؤية وتزيل الكثير من المخاوف التي زرعها “النظام” في عقولنا. في كل لقاء أحضره تنتابني سعادة عارمة عندما أرى كيف يدافع الكردي عن التركماني والمسلم عن المسيحي والآشوري عن العربي وكل سوري يدافع عن أخيه السوري ومهما كانت قوميته ودينه وطائفته … هذه هي مجموعة عمل قرطبة.
جمال قارصلي