تجليات في عمق الميثولوجيا كُردياً
وليد حاج عبدالقادر / دبي
في عودةٍ حميدة – أتمناه – إلى موضوع الكُرد والميثولوجيا ، وظاهرة الاستغراب المرافق لدهشة تنمّ فعلاً وفي مستوياتها الإثنتين خاصةً : الأقوام المناهضة لكلّ مايمتّ للكُرد تأريخاً وجغرافيا ، وبالتالي مفرداتها بتفاصيلها الوافية والمعبّر إن على أصالة هذا الشعب وجذوره الراسخة في عمق الحضارة الرافدية من جهة ، لابل والخزّان المعبّر حتى الآن وفي غالبية فولكلوره وتراثه عن سويات ومراحل التطور المجتمعي لهذه البيئة، وتحت عنوانٍ فضفاض عبّرت عن البقعة الجغرافية التي حوطت بين نهري دجلة والفرات وأطارفها ، هذين النهرين بالإضافة إلى السلسلة الجبلية المطوّقة كزنار حماية من جهة وكخزّان رافد لم تزل للمياه الجوفية والسواقي كما الينابيع.
وفي واقع وبيئة كهذه وعلى امتداد السهول وسفوح الجبال بتربتها الخصبة المنتجة ، وجدت حضارات وتأسّست ممالك ، لابل مهد لها حالات استقرار بدئية ، وفي اختزال ، يستوجب علينا وكبداهةٍ ألا نكون مجحفين في قولنا إن أكّدنا مقولة بأنه ما أجحف بالمطلق في ثقافة أية شعب بقدر ماتمّ الإجحاف بحقّ الثقافة الكُردية ، وبالأخص في الجانب الميثولوجي منه ، علماً بأنّ عمق هذه الثقافة والموسومة حتى لحظتنا هذه/ الثقافة الكُردية / بأنها من ثقافات الشعوب الشفاهية ، أي التي لم تدوّن أو تؤرشف وفق التعريف العلمي لهكذا أنماط .
ولعله من البداهة أيضاً ولكلّ متتبع أنّ هذه الثقافة تكاد أن تلخّص وتجذّر في عمق انتمائها وسياقات بداية الوعي الإنساني في ميزوبوتاميا / بلاد مابين النهرين / لابل أنّ الكثير من الأغاني والرقصات ، لابل وحتى الأمثال والحكايا الشعبية وبالرغم من تعاقب كثير من الأديان وكذا الآلهة الطقسية او الجنسية بطابعيها الذكوري أو الأنثوي ، ناهيك عن النمطية المجتمعية كانعكاسٍ للبيئة الزراعية أو الرعوية ومن ثم ظهور المهن العديدة كحرف برز لها آلهتها وحرفيوها مثل / زمبيل فروش ، هسنكر وجوتيار ، شفان _ كافان / وكان من الطبيعي وهذا السياق أن يلغي القادم الأقدم أو يهمشه إن لم ينهه على الإطلاق ، وفي تتبعٍ سريع للظاهرة الميثولوجية في الثقافة الكُردية نرى ذلك الصراع الأزلي بين النقيضين ووجودهما لابل وكلٌّ يرفد الآخر والتي عنونت بمسمّى الموت والحياة ومن ثم الحياة والموت ، وهكذا دواليك كانعكاس طبيعي لنمط الحياة المعيشية لمجتمع رعوي / زراعي وبالتالي في تماس مباشر مع أساسيات أسطورة إينانا ودوموزي ومن ثم الخريف والربيع أو الشتاء والصيف كتفسير طقسي ملازم لهذه الظاهرة فتجسّدت بعمقٍ في الوعي الميثولوجي الكُردي والذي قسّم بالتالي فولكلوره المرتكز أصلاً على الغناء ومتوالية / بيظوك ، الخريف / و / بوهاريان ، الربيع / وكتجسيدٍ من جديد لظاهرة الموت ، الخريف وبالتالي اللوعة والحسرة والحنين ، و نقيضها بوهاريان كطقاطيق الفرح والبهجة والسرور فكانت أو أضحت مراسيم حفلة الزواج الكُردية تجسيد ايمائي وصدى حركي لمجمل التراكم الميثولوجي الرافدي والذي يجسّد ظاهرة الخليقة منذ زمن العتمة الكبرى الى الهيولى ومن ثم انفصال السماء عن الأرض وبالتالي تلازمهما الأزلي كحالة تلاقح بين أبسو إله السماء وتامات / تعامات / الإلهة الأم أو الأرض.
وهنا سندخل وفق نسقيات الميثولوجيا اشتقاقات عهد سومر وبدايات الوعي البشري والتدوين فنلمح الإله آفدار / آبدلي _ آبدار / وممو وأيضاً هنا كإله مربوط بالسلاسل فوق الينابيع والمياه العذبة ولن يفوتنا هنا بالمطلق ذلك الاكتشاف المذهل وإن كانت عبارة عن قراءة جديدة لمعنى كلمة / ننتي / السومرية والتي فسّرها بعض قرّاء اللغة السومرية الكلاسيكيين على أنها تعني سيد العضو !! ليتبيّن بأنّ معناها الأكيد هو حواء بالعبرية وحياة بالعربية وأنا أضيف / jîn / چين بالكُردية وطبعاً وسط ذهول علماء السومريات واستغرابهم الشديد.
وباختصارٍ شديد : مَن منا لا يتذكّر / بوك باران / أو / دم و دم كيسكي قدم / وحالات أفراح العرس الكلاسيكية والأهم سلسبيل القصص والملاحم والحكايا الشعبية .. سيامند وخجي . وهيشمراري . مم وزين ، سينم ، زمبيل فروش ، لاوك و كه جك إضافةً إلى العشرات من قصص لاوك و گوري أو كجل ولعلّ المثل الكُردي وبقصته المشهورة تلخّص كلّ هذه الظواهر مضافاً لها تطور الوعي البشري وبالترافق أو كانعكاس لتغيّر نمط حياته ومدى الإرتباط مع البيئة وبالأخصّ الطقس لمجتمع رعوي / زراعي والمثل له أكثر من عنوان / تاڤك ژه تاڤي نيشاني هيچايي زير وزيڤي خوراساني / أو / طاڤك ژه طاڤين بوهاري هيچايه ملك و أملاكي خوراساني / فنرى ظاهرة / كجل ، كوري / وبالتالي تلازم حلمه وكذا الشمس والقمر وتلك العلاقة الجدلية بين اكتشاف المعدن وترويض الحصان وبالتالي ظاهرة الخصوبة والمرتبطة عضوياً ومن جديد بشكلها الإيحائي وعلاقة أبسو وتعامات وكيف أنّ غياب التلاقح / على سبيل المثال / يؤدّي ليس فقط الى إخلال التوازن العضوي فقط بقدر ما تنعكس على التوازن الفكري وبالتالي الوعي العقلي أيضاً وقد تجلّى ذلك في مرض والدة الملك التي انهارت بعيد موت زوجها، وكيف أنّ جميع الحكماء عجزوا عن ايجاد حل أو تبرير أو توصيف لحالتها سوى كجل وكان الحل من خلال التواصل أو التلاقح وبالتالي معاشرتها معاشرة الأزواج فتعود الى حالتها الطبيعية المرحة والمنشرحة وقد أسبقتها توصيف كجل لظاهرتين تنعكسان اقتصادياً في التطور المجتمعي وبآفاق وعيها أيضاً والقصة ككلٍّ ووفق تقاطعات سردها المتعددة يتبع في العدد القادم ..
المقالة منشورة في جريدة يكيتي العدد 301