آراء

ترامب : إختيار الديمقراطية

قهرمان مرعان آغا
في نظرة ملفتة إلى قيم الديمقراطية المتأسسة لبنيان الدول وأنظمة الحكم الليبرالي و المتجِّذرة في سلوك المجتمعات والموقف من مجمل العملية كممارسة , من خلال إختلاف الثقافات , يتبدى لنا مدى التباين بين قناعات الأفراد في المجتمعات الحرة وتلك المتخلفة والمكتوية بنيران الحروب والصراعات .
أبدت معلمتنا الرقيقة والمهذبة قبل بدء (كورس اللغة الألمانية) السيدة آنيتا تسيتيرا أسفها على خسارة الديمقراطية هيلاري كلينتون وفوز دونالد ترامب الجمهوري , ذو الأصول الألمانية , وأوضحت أن تصريحات الرئيس الفائز حول التعاون مع بوتين وايران ونظام الأسد , لا تبشر بعهد يسوده السلام والأمن و أبدينا تعاطفنا معها في حين لم يكن في بالي في ذاك الصباح بعد يوم 8/11/2016 أي إهتمام بنتيجة الإنتخابات بالرغم متابعتي لوقائها حتى منتصف الليلة الفائتة , و السؤال هنا لماذا أبدى غالبية الأوربيين حكومات وأفراد عدم إرتياحهم بفوز ترامب .
قد تكون رغبة معلمتنا , نوع من التضامن مع جنسها (النساء) والسيدة كلينتون في حال فوزها تكون أول إمرأة تتقلد الرئاسة في تاريخ أمريكا , تتخطى ب كعبها العالي عتبات البيت الأبيض أو لأنها تنتمي للحزب الديمقراطي بتاريخه العريق المناهض للعنف والمساند للسلم العالمي والعدالة الإجتماعية والتعاون الدولي وبخاصة الأوروبي أو لأن لها تجربة في البيت الأبيض خلال حكم زوجها وعملها لاحقاً وزيرةً للخارجية في فترة أوباما الأولى … و الملاحظ إن معلمتنا لم تهتم بأصوله ولم تتضامن مع الرئيس الفائز كونه من عرقها بالرغم من تأكيدها بان أصوله يعود إلى هذه الولاية التي تسكنها و تنتمي لها ( راين لاند – بفالس) .
يتعدى إهتمامات الأفراد في العالم الحر المشاعر الشخصية إلى السياسات العليا والمصالح الإقتصادية والسلم العالمي و التوافق على إدارة الأزمات و التعاون الدولي و البحث عن حلول لمشكلات الكون … بالرغم إن مصانعهم تنتج أفتك الأسلحة ومخازنهم تضم الأسلحة النووية و أساطيلهم الحربية تجوب العالم … هل لأنهم خاضوا حربين عالميتين أم يبحثون عن حروب جديدة , ربما الأمرين معاً . وهل الصراع الدائر في منطقتنا جزء من صراعهم الثقافي مع الآخر , أو ما يسمى بصراع الحضارات بمفهومه الديني .؟
الحفاظ على قيم الديمقراطية , الجملة التي يرددها الطرف الخاسر كل أربع سنوات من تاريخ أمريكا بإعتبارها رائدة العالم في الديمقراطية وتداول السلطة وقد رددتها كلينتون على الرغم من مرارة الهزيمة , قبل أن تفارق جمهورها المصدوم بالنتيجة و المتأثر بالإخفاق , بعد أن قدمت في وقت سابق , التهنئة بالفوز لمنافسها المتعجرف, وما خلا رحلة السباق إلى البيت الأبيض من صراع وتنافس في إطار القيم المترسخة في وجدان المجتمع الأمريكي المتعدد والمتلون ,لم لا فالعالم بأسره يسكن أمريكا , دولة المواطنة والحقوق .
في مقابل ذلك الإهتمام , هناك لا مبالة من جانبنا معظم المنتمين إلى الشرق سواء كان الأوسط منه أم الأدني من كورد وعرب وفرس وترك . بمقدار إنعكاس الظروف والأوضاع التي تعيشها مجتمعاتنا على إهتماماتنا ومشاعرنا وبالتالي مصالحنا التي لم نعد قادرين على التمييز بينها وبين وما يشوبها من مؤثرات وغموض وتناثر , معظم السوريين الأحرار وما يمثلهم من قوى عسكرية وسياسية لم يعد يشدهم أي رغبة في التفاضل بين المرشحين قياساً لفترتي عهد الديمقراطي اوباما وخليفته المفترضة هيلاري كلينتون ومنافسها غريب الأطوار والتصريحات رونالد ترامب بقدر ما يحدثه فوز الجمهوريين من تغيير في الموقف من حرية الشعب السوري و بقاء النظام المجرم من عدمه , وإستمرار الحرب المدمرة وويلاتها الكارثية إلى لا نهاية , وبالتالي إيجاد حل سياسي للقضية برمتها .
كورستانياً , الذاكرة المثقلة بالألم لم تلتفت إلى إنتماء هنري كيسنجر وزير خارجية حكومة الرئيس ريتشارد نيكسون ومن بعده جيرالد فورد , إلى أي من الحزبين , عندما أخْلفَ الامريكيون بوعودهم ودعمهم للسروك الملا مصطفى البارزاني وإنتكاسة ثورة أيلول في ( آذار/1975 ) ولا لحكومة جورج بوش الأب عندما سمح لنظام المجرم صدام حسين المهزوم في حرب غزو الكويت بإستخدام الطيران لقمع إنتفاضة شعب كوردستان العراق وما أعقبه من هجرة مليونية في ( آذار/1991) , فيما أختلف نظرة الكورد في عهد جورج بوش الإبن , وإسقاطه للدكتاتورية في العراق ومن قبله عهد كلينتون ووزيرة خارجيته السيدة أولبرايت حيث بدأت مرحلة بناء الثقة و التعاون عندما تيقن الامريكيون بأن الكورد هم الحلفاء الحقيقون في المنطقة من الممكن الإعتماد عليهم في تبادل المصالح كقوة أساسية ضاربة في مواجهة الإرهاب كما يحصل الآن من تعاون لهزيمة (داعش) و يبقى المحك في العلاقة من حيث المبدأ , بناء القوة الذاتية وتوفير أرضية تبادل المصالح ونسج العلاقة العامة في مختلف الإتجاهات , بحيث لا يتأثر الكيان الكوردستاني الفيدرالي بتبدل السياسات ولا بتغيير المواقف و مؤثرات هيمنة دول الإقليم المغتصبة لحقوق الكورد ونحن نعيش إنتصارات البيشمركة الأبطال وهم ربما يعودون أدراجهم من رحلة المسيرة الكبرى التي قاربت قرن من الزمان , لإعلان الدولة المستقلة , نواة كوردستان الكبرى .
دويتش لاند 11/09/ 2016

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى