ترمب يريدها مواجهة محدودة مع إيران
روبرت فورد
بينما يشاهد العالم المواجهة بين إدارة الرئيس دونالد ترمب والحكومة الإيرانية، فإن الحكومة والشعب في أميركا يبدوان منقسمين بشدة: انتقد كل من رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي، وكذلك زعيم الديمقراطيين بمجلس الشيوخ تشارلز شومر، ترمب لمغامرته بالدخول في حرب مع إيران. وعلى نفس المنوال، انتقد مرشحو الحزب الديمقراطي – الذين يأملون في منافسة ترمب في الانتخابات الرئاسية في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل – موقف الرئيس الأميركي لعدم تشاوره مع الكونغرس قبل تنفيذ الغارة الجوية التي أدت إلى مقتل قاسم سليماني.
جميعهم، انتقد الرئيس باتخاذ قرار متسرع دون التفكير في تداعياته المستقبلية، حيث يسعى الحزب الديمقراطي لأن يمارس الكونغرس سلطاته على قرار الرئيس شن أي حرب رسمية ضد إيران. ويخطط الديمقراطيون في مجلس النواب الأسبوع الجاري لإجراء تعديل يحد من سلطة الرئيس على القيام بعمليات عسكرية ضد إيران.
لذلك، فإن الحزب الديمقراطي أمام تحدٍ كبير: يدرك الحزب أنه ما من أميركي واحد يدافع عن قاسم سليماني أو عن الحكومة الإيرانية، وأن الغالبية العظمى من الأميركيين لا يعرفون شيئاً عن إيران سوى أنها خصم الولايات المتحدة. وفي الوقت نفسه، يهدف الديمقراطيون إلى انتقاد الرئيس دون الدفاع عن إيران. ويريد الديمقراطيون، شأن الغالبية العظمى من الأميركيين، ضمان سلامة الجنود الأميركيين في ميدان المعركة. لذلك يتعين على الحزب الديمقراطي توخي الحذر حتى لا يعطي ترمب الفرصة لإلقاء اللوم عليه لتكبيل يديه، وعدم إنقاذ أرواح جنوده.
الحزب الجمهوري حتى الآن ليس لديه هذه المشكلة، إذ إنه وفق استطلاع للرأي نُشر في 8 يناير (كانون الثاني) الجاري في صحيفة «بوليتيكو» الإخبارية، فإن 85 في المائة من الناخبين الجمهوريين يؤيدون قرار الرئيس قتل قاسم سليماني. ويدافع قادة الحزب الجمهوري في واشنطن عن ترمب، ويؤكدون أن إيران قتلت 600 جندي أميركي خلال حرب العراق، وأن سليماني كان سيقتل المزيد من الأميركيين عاجلاً أم آجلاً. ويرفض معظم أعضاء الحزب الجمهوري في الكونغرس فرض أي قيود على سلطات ترمب في الشؤون العسكرية.
على امتداد التاريخ الأميركي، لطالما كان هناك تنافس على السلطة بين الرئاسة والكونغرس. لكنّ ثمة مسألتين تجعلان الجدل السياسي أكثر جدية في الوقت الحالي، وستؤثران على استجابة الحكومة الأميركية للتحديات التي تواجهها في هذا الصدد:
أولاً، لا يريد معظم الأميركيين الدخول في حرب كبيرة أخرى في الشرق الأوسط. فبعد أن قال مايك بومبيو، وزير الخارجية الأميركي، إن قتل سليماني جعل الأميركيين أكثر أماناً، أظهر استطلاع للرأي أعدته «بوليتيكو» أن 32 في المائة فقط من الأميركيين يتفقون مع القرار، في حين يعتقد نصف الأميركيين في الاستطلاع ذاته أن قتل سليماني جعل الأميركيين أقل أماناً، في حين عبر 69 في المائة عن قلقهم من احتمال نشوب حرب مع إيران.
عادة ما يدعم توكر كارلسون، الإعلامي في شبكة «فوكس» الإخبارية، وهو شخصية تلفزيونية مشهورة، الرئيس ترمب في قضايا مثل الهجرة والاقتصاد. ومع ذلك، فقد ذكر أمام جمهوره التلفزيوني الكبير أنه يخشى أن تنزلق أميركا ببطء إلى حرب جديدة في الشرق الأوسط. كذلك أعرب السيناتور الجمهوري راند بول عن أسفه لأن قتل سليماني كان عملاً أنهى إمكانية التوصل إلى حل دبلوماسي للمواجهة مع إيران. وتشكل قاعدة ترمب السياسية أقلية في الولايات المتحدة، وفي حال فقد جزءاً من قاعدته بسبب القتال المطول في الشرق الأوسط، فإن فرصه في انتخابات نوفمبر ستتراجع. لذلك، لن يكون هناك غزو بري كبير آخر مثلما حدث عام 2003، وهو ما يتسق مع تصريح ترمب الذي أدلى به في 8 يناير أنه لا يريد حرباً مع إيران.
يفكر ترمب في حرب أخرى: الحرب في واشنطن. فقد وافق مجلس النواب الشهر الماضي على توجيه اتهامات لترمب تتعلق بإساءة استخدام السلطة، وستبدأ المحاكمة في مجلس الشيوخ قريباً. وكي تتسنى إقالة الرئيس، وفقا للدستور الأميركي، يجب أن يصوت ثلثا أعضاء مجلس الشيوخ المائة لصالح قرار استبعاد ترمب من منصبه. للديمقراطيين 48 عضواً فقط، وبالتالي سيحتاجون إلى 19 من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين للوصول إلى الثلثين المطلوبين، وهو أمر من المستحيل تحقيقه، وبالتالي سيستمر ترمب في منصبه. ومع ذلك، سيركز التلفزيون ووسائل الإعلام الاجتماعية على محاكمة مجلس الشيوخ، ولن يكون تركيز الجمهور في صالح ترمب مع اقتراب انتخابات نوفمبر. كيف سيكون رد فعل ترمب إذن؟
تظهر استطلاعات الرأي أن المرشحين الديمقراطيين يتمتعون بدعم أكبر مما يحظى به ترمب حتى الآن. ويعتقد ترمب أن مصلحته السياسية تتمثل في الظهور بقوة في مواجهة إيران والإرهاب، وإلقاء اللوم على الحزب الديمقراطي باعتباره حزباً ضعيفاً. فهل سيتخذ ترمب خطوات عسكرية إضافية لردع إيران في محاولة لتحسين موقفه السياسي قبل نوفمبر القادم؟ لم يذكر ترمب تقديم أي تنازلات لإيران في تعليقاته التي سمعناها في 8 يناير. إذا نحن في نفس المكان في المواجهة مع إيران بالضبط كما كان الحال في 26 ديسمبر (كانون الأول).
الشرق الأوسط