تقريرُ مصيرِ دي ميستورا آخر الشهر… ودورٌ حاسمٌ للجنة الدستور ومنع «حمام دم» إدلب
Yekiti Media
تنتهي مهمة المبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا نهاية الشهر الحالي، وبات مصيره مرتبطاً بتقويم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش والقوى الكبرى لنتائج المشاورات الدولية – الإقليمية الخاصة بالدستور السوري ونتائج جلسة مجلس الأمن الدولي في 20 الشهر الحالي.
وقال دي ميستورا أمس، إن هذه المشاورات ستكون «لحظة حقيقة» لعملية سياسية ذات مصداقية ومدخلاً إلى إصلاحات تقود لانتخابات، ولن تسمح بـ«أي التفاف حول العملية». وحض على منع «حمام دم» في ادلب.
كان دي ميستورا طلب في يوليو (تموز) الماضي تمديد مهماته 3 أشهر بالتزامن مع عودة الحديث عن خليفته، حيث أعيد طرح اسمي المبعوث الدولي إلى العراق جون كوبش ومبعوث دولي إقليمي آخر، إضافة إلى اهتمام بدرجة أقل بالوزيرة الهولندية سيغريد كاغ التي كانت بين المرشحين خلال تسلمها منصب المبعوث الدولي إلى لبنان.
ستكون الأيام المقبلة حاسمة إذا كان دي ميستورا باقياً في منصبه أو سيعين غوتيريش خليفة له. وبحسب مصادر مطلعة، يجب ترقب نتائج ظهوره الإعلامي الأسبوع الماضي لدى الحديث عن إدلب. وإذا كان حديثه عن وجود 10 آلاف إرهابي في إدلب قوبل بمظاهرات وانتقادات من المعارضة السورية، فإن دولاً غربية كبرى لها رأي في تمديد ولايته لم تكن مرتاحة لحديثه عن السلاح الكيماوي وإمكانية استخدامه من الطرفين. وأوضحت المصادر لـ«الشرق الأوسط»: «بدا الأمر كأنه تبنٍ للخطاب الروسي الذي ركز في الأسبوعين الأخيرين على احتمال فبركة غربية لهجوم كيماوي على إدلب لتبرير ضربات غربية كما حصل في أبريل (نيسان) 2017 و2018».
وتابعت المصادر: «كما قوبل حديث دي ميستورا عن فتح ممرات إنسانية من إدلب بتحفظ غربي». بالتالي فإن انفجار إدلب سيكون بمثابة مسمار أخير في مهمة دي ميستورا الذي رافق المسار السياسي رغم انتقال سقفه من الحديث عن «انتقال سياسي» إلى تشكيل «لجنة دستورية».
لكن رهان دي ميستورا الحالي هو على إحداث اختراق في تشكيل اللجنة الدستورية، بناء على سلسلة تحركات دبلوماسية. أولها، القمة الروسية – التركية – الإيرانية في طهران الجمعة المقبل، حيث زار وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو الجمعة الماضي موسكو، التي زارها أيضاً وزير الخارجية السوري وليد المعلم، الذي بدوره التقى في دمشق أول من أمس وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف.
هذه التحركات المعلنة المتزامنة مع اتصالات بين أجهزة الاستخبارات الروسية – التركية – الإيرانية، ترمي إلى أن تصل بالقمة الثلاثية إلى ترتيبات عسكرية – إدارية لإدلب ضمن معادلة محاربة الإرهاب وتنفيذ القرار 2254 الخاص بـ«السيادة السورية على كامل الأراضي»، إضافة إلى توافقات ثلاثية حول تشكيل اللجنة الدستورية السورية.
الرهان أن يأتي ممثلو الدول «الضامنة» الثلاث لعملية آستانة إلى جنيف في 10 الشهر الحالي، حاملين موافقة سياسية على تشكيل اللجنة الدستورية. وأجرى أمس، السفير رمزي عز الدين رمزي نائب المبعوث الدولي محادثات في موسكو للغرض نفسه.
وكانت دمشق بعثت إلى موسكو وطهران ودي ميستورا قائمة من 50 اسماً لمرشحيها للجنة الدستورية بعدما تدخل الرئيس فلاديمير بوتين لدى رئيس النظام السوري بشار الأسد في سوتشي لإقناعه بإرسال القائمة. كما أرسلت «هيئة التفاوض السورية» قائمة الخمسين إلى أنقرة وإلى دي ميستورا. وبات مقبولاً أن «هيئة التفاوض» تمثل المعارضة. كما أن دي ميستورا أرسل إلى «الضامنين» الثلاثة 50 اسماً من مرشحي المجتمع المدني والمستقلين.
وكان دي ميستورا أبلغ ممثلي «الضامنين» الثلاثة بمعايير وآلية تشكيل اللجنة وعملها، لكن الرهان على السير خطوة نحو تشكيلها ودفع الثلاثة إلى الاهتمام بهذا الملف بدل التركيز الكامل على أولوية مختلفة؛ هي العمليات العسكرية في إدلب. لكن دي ميستورا «مستعد أن تعمل اللجنة خلال 72 ساعة وجاهزون لتسهيل عملها في أقرب فرصة».
«الضامنون» الثلاثة مهتمون باللعبة الأكبر. الرئيس فلاديمير بوتين يريد طرح ملف إعادة اللاجئين وعقد قمة مع نظرائه التركي والفرنسي والألمانية ويريد مقايضة عودة اللاجئين بإعادة الإعمار. الدول الأوروبية تربط مساهمتها بالإعمار بـ«بدء عملية سياسية». باريس وبرلين تربطان المشاركة في القمة الرباعية بوضع بند الحل السياسي وضمانات عودة اللاجئين على جدول الأعمال. كما أن مسؤولة الشؤون الأمنية والخارجية في الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني تنوي طرح بعض من هذا خلال لقاء وزاري على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في 27 الشهر الحالي.
في حال لم يجرِ التوافق الرباعي على جدول الأعمال، قد يعقد مؤتمر لوزراء الخارجية للتمهيد للقمة. لكن أنقرة وطهران نجحتا في خطف الاهتمام الروسي إلى القمة الثلاثية في طهران لإعطاء زخم إضافي لعملية آستانة، المنافسة لعملية جنيف التي يسعى دي ميستورا إلى إبقائها على قيد الحياة. وهو يسعى إلى التوفيق بين الجانب الروسي وحلفائه الدافعين نحو ترتيبات إدلب وعودة اللاجئين وإعادة الإعمار ضمن منظور مسار آستانة وبين الدول الأوروبية التي تربط ذلك بالعملية السياسية، في حين أن واشنطن تربط المساهمة بالإعمار بخروج إيران والحل السياسي في سوريا.
بعد تلمسه رياح «الضامنين الثلاثة» في 10 و11 الشهر الحالي، سيجتمع دي ميستورا مع «مجموعة السبع» التي تضم أميركا وبريطانيا وفرنسا والسعودية والأردن ومصر وألمانيا لتلمس مزاج الكتلة الأخرى الوازنة قبل الذهاب لإيجاز مجلس الأمن في 20 الشهر الحالي.
الإصلاح الدستوري بالنسبة إلى ستيفان دي ميستورا هو «حصان طراودة» الذي يمكن عبره الولوج إلى الحل السياسي الذي يكون غطاء للانتقال السياسي. مدخل كل ذلك هو تشكيل لجنة دستورية تضم 45 أو 51 عضواً مثالثة بين الحكومة والمعارضة والمجتمع المدني برئاسة شخصية مستقلة، بهدف إجراء «إصلاح دستوري» يمهد لانتخابات رئاسية وبرلمانية برقابة من الأمم المتحدة يشارك فيها السوريون المخولون في الشتات بموجب القرار 2254.
كان الخلاف بين «تعديل الدستور الحالي لعام 2012» بحسب دمشق، و«دستور جديد» بحسب المعارضة، لكن وزير الخارجية السوري وليد المعلم خرج من موسكو بمصطلح جديد، وهو هدف اللجنة الوصول إلى «الدستور المقبل». والخلاف الجوهري سيكون حول حدود التعديلات خصوصاً ما يتعلق بـ«صلاحيات الرئيس» التي تشمل 23 صلاحية في الدستور الحالي، وتتسع لتتناول التشريع والجيش والسلطة التنفيذية والقضائية والتشريعية التي يمكن وضعها تحت بند «توزيع الصلاحيات». النقطة الثانية موضع الجدل المستقبلي الدستور، هي شكل النظام السوري المقبل بين خيار الإدارات المحلية وفق القانون 107 أو اللامركزية الموسعة أو الإدارات الذاتية التي يريدها «مجلس سوريا الديمقراطي» الذي تدعمه واشنطن وحلفاؤها. وتتعلق النقطة الثالثة بدور الجيش وأجهزة الأمن، إذ يجري البحث عن «حل خلاق لإعادة تعريف علاقة المواطن بأجهزة الأمن»، إضافة إلى ضرورة أن يكون الدستور مؤقتاً، مع أن كثيراً من الدساتير المؤقتة في المنطقة العربية بقيت سنوات وعقوداً، لأنه «ليس هناك شيء دائم أكثر من المؤقت».