توصيات بخصوص استقلالية مصرف سوريا المركزي في سوريا المستقبل
خورشيد عليكا
عضو جمعية الاقتصاديين الكرد- سوريا
يُعَدُّ المصرف المركزي من أهم المؤسسات النقدية في الاقتصاد، ويأتي على رأس النظام المصرفي، وتُعتَبر نشاطاته غايةً في الأهمية، كما أنَّ وجوده ضروري لتـنفيذ السياسة النقدية للحكومة، بل يؤدي دوراً مهماً في تنفيذ السياسة الاقتصادية في الدولة، فضلاً عن تمتُّعه بالسيادة والاستقلال، من مبدأ تحقيقِ سلامة واستقرار النظام النقدي والمصرفي في الدولة، وتطبيق السياسات النقدية والمصرفية التي تدعم نمو النَّاتج القومي والعمالة، والحد من التضخُّم، ومن ثم تحقيق التقدم الاقتصادي والاجتماعي في المجتمع، لا تحقيقِ الربح الخاص كما هو في المصارف التجارية.
تُعتبر استقلالية المصارف المركزية من أهم الموضوعات التي تشغل بال الحكومات في الساحة الاقتصادية، وذلك نتيجة التطورات الاقتصادية والنقدية الدولية والمحلية المتلاحقة التي شهدتها معظم دول العالم.
تعريف استقلالية المصرف المركزي:
يُعرّف هيكس (HICKS) استقلالية المصرف المركزي بأنَّه “يُشير إلى مصرف مركزي خال نسبياً من أي تدخل سياسي”. بينما يُشير كل من إليسنا وستيلا(Alesina and Stella) إلى استقلالية المصرف المركزي بأنَّه “لا يمكن استخدام السياسة النقدية (على الأقل بشكل مباشر) من قِبل صناع السياسة، لتوليد الدورات الاقتصادية السياسية، لا من نوع الانتهازية ولا من نوع الحزبية”. تعني الاستقلالية السيطرة على الأدوات التي تؤثر في عملية التضخُّم، بما في ذلك على وجه الخصوص منع أي تمويل مباشر من العجز للحكومة.
أهميّة استقلالية المصرف المركزي:
وتُعرَّف بأنّها حرية المصرف المركزي في رسم وتنفيذ السياسة النقدية دونما خضوع للاعتبارات أو التداخلات السياسية، ولا تعني الاستقلالية بأي حال من الأحوال الانفصال التام بين المصرف المركزي والحكومة، أو انفراد المصرف المركزي بتحديد الأهداف النهائية للسياسة النقدية، حيث يمكن الاتفاق على هذه الأهداف بين المصرف المركزي والحكومة، بمعنى الاستقلالية في تحديد الأهداف الوسيطة وفي انتهاج الأدوات المناسبة لبلوغ تلك الأهداف مع ضرورة الحفاظ على أكبر قدر ممكن من الانسجام والتناغم بين السياسة النقدية والمالية.
شروط استقلالية المصرف المركزي:
لتحقيق استقلالية المصرف المركزي عادةً ما تكون هناك ثلاثةُ شروط، وحتى يحقق مصرف سورية المركزي الاستقلالية في المستقبل لا بد أن تتوافر فيه هذه الشروط الثلاثة:
الأول: يجب أن يكون هناك وضوح في الإطار القانوني والتشغيلي الذي تجري السياسة النقدية في ظله، وينبغي تعريف استقلالية المصرف المركزي لتجنب أي سوء فهم لما يفترض للمصرف المركزي أن يحققه في إطار السياسة النقدية. ويجب على المصرف المركزي أن يشير إلى ما هو عليه في محاولة لتحقيق معرفة المتغيرات التشغيلية التي ستطبق، وإلى الأدوات النقدية التي ستستعمل لإنجاز أهدافه، لأن المصداقيّة لم تكتسب بين ليلة وضُحاها، ومن المهم أن يتم وضع برنامج طويل الأجل يصل إلى إظهار كيفية تمكن المصرف المركزي من أداء مهمته.
الثاني: لمزيد من الاستقلالية للمصرف المركزي يجب توافر الشّفافيَّة، واطلاع الحكومة والجمهور على برنامج السياسة النقدية التي يتّبعها المصرف المركزي، وإجراء مناقشات منتظمة بين المصرف المركزي والحكومة، ويجب أن يكون هناك نوع من المساءلة أمام الحكومة، وشرح قرارات السياسة النقدية للجمهور، مع تقييم التقدم المحرز في تحقيق الأهداف المعلنة، وينبغي أن تكون الأولويات موجودة في البرنامج، إضافة إلى توافر الأدوات التشغيلية، من أجل إبقاء الجمهور على اطلاع دائم على التطورات والتغيرات التي تطرأ على السياسة النقدية.
الثالث: يجب إنشاء إطار مؤسسي فعّال، يمكن من خلاله اتخاذ قرارات بشأن السياسة النقدية وتنفيذها دون تدخل لا مبرر له من قبل الموظفين والسياسيين.
إنَّ الإدارة الجيدة لحاكم المصرف المركزي تعني أن يحقق الأهداف والمهام والوظائف الموكلة للمصرف المركزي بفعّالية وكفاءة، ومن المسلّم به عموماً أن يكون للمصرف المركزي أولوية واضحة المعالم والأهداف، وأن يعطى سلطة كافية واستقلالية لتحقيق أهدافه والمهام والوظائف الموكلة له، وتخضع للمساءلة لضمان الضوابط والتوازنات، وإنَّ وجود إطار قانوني لضمان التوافق بين الاستقلالية والسلطة والمساءلة يشكل قاعدة متوازنة بشأن المصرف المركزي يمكن أن تنجز أهدافها، وأن الإدارة الجيدة للمصرف المركزي تتمثل في الرابطة التي تحافظ على عناصر مختلفة من الاستقلالية والسلطة والمساءلة معاً.
أسباب الدعوة لاستقلالية المصرف المركزي:
إنَّ الدعوة إلى استقلالية المصرف المركزي تؤدي دوراً هاماً في حفز ورفع معدلات الادخار والاستثمار والإنتاج، وبالتالي رفع معدلات النمو والعمالة ومستوى المعيشة بصفة عامة، والتحكم في معدلات التضخُّم للحفاظ على استقرار الأسعار وقيمة العملة وقوّتها الشرائية، وقد لاقت فكرة استقلالية المصارف المركزية تأييداً كبيراً وخصوصاً من قبل السلطات المسؤولة في المصارف المركزية.
فأن منح المزيد من الاستقلالية لمصرف سورية المركزي كان له تأثير:
- على انجاز مهامه ووظائفه بعيداً لا مبتعداً عن السياسة الحكومية.
- فعّال على السياسة النقدية وبالتالي في تخفيض معدلات التضخُّم.
- إيجابي في معدلات النمو الاقتصادية على المدى البعيد ويحقق الاستقرار النسبي للنّاتج المحلي الإجمالي.
- فعّال في تشجيع الاستثمار الخاص وتقويته، وبالتالي رفع معدل النمو الاقتصادي على المدى الطويل.
- في إعطاء المصرف المركزي القوة الحيادية اللازمة للمحافظة على التوازن الاقتصادي في الدولة والمساهمة في تقديم البيئة الاقتصادية الملائمة لتحقيق درجات عالية من النمو الاقتصادي، وذلك من خلال سيطرتها على الجانب النقدي من الاقتصاد.
توصيات بخصوص استقلالية مصرف سوريا المركزي في سوريا المستقبل:
نوصى بما يلي بخصوص الاقتصاد السوري في سوريا المستقبل بخصوص استقلالية المصرف المركزي:
1- منح المزيد من الاستقلالية لمصرف سورية المركزي ليتمكن من:
- اتخاذ القرارات وتنفيذها في الوقت المناسب، الأمر الذي يعزز من مصداقيّته، كما يشكل دعامة أساسية لسياسة نقدية فعّالة وشّفافة على المدى الطويل.
- صنع السياسة النقدية المناسبة ومتابعة تنفيذ هذه السياسة في خدمة إصلاح السياسة النقدية، وتسهيل عملية التضخُّم المستهدف في إطار السياسة النقدية لتحقيق معدلات تضخُّم منخفضة، وذلك بتحديد هدف رقمي للتضخُّم، وتحديد الركيزة الاسمية لإدارته بحسب العوامل المفسرة له (سعر الصرف، العرض النقدي، توقعات التضخُّم).
2- تحديث عمليات وإمكانيات المصرف المركزي، والتي تتضمن بشكل رئيس تحديث قانون النقد الأساسي رقم (23) لعام 2002 في إطار إعطاء مزيد من الاستقلالية لمجلس النقد والتسليف بصفته سلطة نقدية عليا، وتحديث إطار السياسة النقدية، في رسم وتنفيذ سياسة نقدية فاعلة ومعلنة تتناسب مع البناء الاقتصادي الجديد من خلال العمل على:
- تفعيل دور مصرف سورية المركزي بشكل أكثر إيجابية (بما يدعم أهداف النمو).
- إصدار التشريعات اللازمة لدعم استقلالية المصرف المركزي وبناء النظام المصرفي.
- تحديد الأهداف التشغيلية والوسيطة والنهائية للسياسة النقدية الجديدة من خلال اعتماد إطار عام للسياسة النقدية الجديدة، يتضمن الوظائف والأهداف التي تسعى إلى تحقيقها بدءاً بالهدف التشغيلي اليومي والهدف الوسيط وتأثيراتها في الهدف النهائي طويل المدى، متمثلاً بالعمل على استقرار الأسعار ومكافحة التضخُّم.
- تعميق استقلالية مصرف سورية المركزي، من خلال الاستمرار في تطوير الإطار القانوني له.
- بناء سياسة نقدية فاعلة ومؤثرة تستند إلى نظام نقدي يستهدف تحقيق استقرار الأسعار بشكل صريح بوصفه هدفاً نهائياً معلناً للسياسة النقدية، بالإضافة إلى اختيار الأهداف الوسيطة، واختيار مزيج الأدوات المناسبة لتحقيق هذا الهدف.
- ضرورة إعادة النظر في هيكلية وتشكيل مجلس النقد والتسليف على أن يضم خبرات فنية واقتصادية وأكاديمية ومصرفية متخصصة فترة عشر سنوات (لجنة خبراء)، وبالتالي لا بد من إدخال المؤسسات المصرفية العامة والخاصة إضافة إلى مؤسسات الصرافة إلى مجلس النقد والتسليف.
- منع المصرف المركزي من التمويل المباشر للدَّين الحكومي.
- وضع قواعد واضحة لمساءلة المصرف المركزي عن نتائج أعماله وفق ما هو متبع في دول العالم، وهو ما يقتضي وضع قواعد واضحة للعلاقة بين المصرف المركزي والحكومة، تلك القواعد التي يجب أن تُــنفَّذَ لضمان عدم تعارض الأهداف.
- إصدار أوراق مالية حكومية (أذونات وسندات خزينة) تمكن مصرف سورية المركزي من إدارة السيولة في السوق، وتكون أداة تمويلية بديلة بيد الحكومة، مما يضمن تحديد سعر فائدة السياسة النقدية (سعر الخصم) من خلال إجراء المزادات وعمليات السوق المفتوحة.
- إصدار شهادات إيداع خاصة بمصرف سورية المركزي لتمكينه من إدارة السيولة في السوق.
- تمكين المصرف المركزي من القيام بمهامه بكفاءة ضمن توجه اقتصاد السوق، وبشكل خاص تعريف الهدف الأساسي للمصرف المركزي، ودرجة استقلالية المصرف المركزي في سعيه إلى تحقيق هذا الهدف، ومسؤولية المصرف المركزي عن نتائج عملياته.
- يَتْبع المصرف المركزي لرئاسة الجمهورية ويكون مسؤولاً أمام الرئيس، على أن يقدم تقارير دورية وشهادات أمام البرلمان.
- إنشاء مركز أبحاث تابع للمصرف المركزي مجهز بالكوادر والإمكانات الكافية لإجراء الدِّراسات والأبحاث النقدية والمالية والاقتصادية التي تكون بمثابة مادة هامة لصناعة القرار في مجال النقد والمال، والابتعاد عن التقديرات الشخصية عند اتخاذ القرارات النقدية.
- خلق قاعدة بيانات نقدية تتسم بالدقة والوضوح، تمكن المصرف المركزي من خلق مؤشّرات اقتصادية ونقدية ومالية ونشرها دورياً من خلال إصدار المصرف المركزي مجلة شهرية، ومجلة فصلية محكمة، وتقريراً ربعياً عن السياسة النقدية المتبعة وتطورات الاقتصاد بشكل عام وموقف المصرف المركزي منها، من أجل العمل على ترسيخ ثقافة شـفافيّة الأرقام.
- تنفيذ الإصلاحات المتعلقة بوضع نظم معلومات مالية ونقدية متطورة، واردة في الخطة الخمسية الحادية عشر.
3- لا بد من التنسيق بين السياستين المالية والنقدية في إطار استهداف التضخّم الذي يُسهم في منح الاستقلالية للمصرف المركزي، ويؤدي إلى توفير مصادر غير تضخّمية لتمويل العجز المالي من خلال تطوير الأسواق المالية المحلية إلى الصياغة الاقتصادية الكلية وتحقيق الأهداف العامة للدولة بصورة أكثر كفاءة مقارنة بعدم وجود آلية لمثل هذا التنسيق.
4- أنَّ تمتُّعَ المصرف المركزي بالاستقلال لا بد أن تتبعه استقلالية القضاء التي تؤثر في التضخُّم، وبالتالي فإن ثقافة سيادة القانون ستعزز دستورية المصرف المركزي المستقل، ويمكن للمصرف المركزي السوري الدفاع عن حقوقه كما دونت في القوانين ذات الصلة من خلال المناشدة الدستورية المستقلة ذات السلطة بالقضاء.
5- إعادة النظر في آلية اتخاذ القرارات في المجلس وخاصةً قدرة ممثل وزير المالية على إيقاف أي قرار. كأن يتم تحديد الحالات التي يجب أن يتدخل ممثل وزارة المالية فيها، وأن تنحصر هذه الحالات بالتي تشكل خطورة حقيقية على الاقتصاد السوري ومصلحة الدولة وفق تحليل ودراسة حقيقية على الاقتصاد السوري ومصلحة الدولة وفق تحليل ودراسة حقيقية يقتنع بها مجلس النقد والتسليف.
وبذلك يلاحظ أنَّ هذه التوصيات تشكل جزءاً من سياسة نقدية إصلاحية سوف تسهم بشكل مباشر في ارتفاع درجة استقلالية مصرف سورية المركزي، وبالتالي تترك آثاراً ايجابية على معدلات التضخُّم في سورية، وآثاراً أخرى تؤدي إلى زيادة النّاتج المحلي الإجمالي السوري على المدى الطويل.
إنَّ وضع السياسة النقدية لمصرف سورية المركزي في سوريا المستقبل تتطلب المزيد من الاصلاح في قانون النقد الاساسي لترك فرصة كافية لمصرف سورية المركزي في المستقبل كي يمارس اثارا ايجابية على المتغيرات الاقتصادية كي ينجز مهامه على أكمل وجه. وبذلك يكون مصرف سورية المركزي قد منح مزيداً من الاستقلالية لمجلس النقد والتسليف ليمارس صفته النقدية العليا. وأنَّ هذا الاصلاح في إطار السياسة النقدية سيوجه سورية المستقبل إلى بناء اقتصادي فعال.
23.05.2015
البريد الالكتروني:
kak.suri2006@gmail.com
صفحة الفيسبوك:
https://www.facebook.com/Komela.Aborinasen.Kurd.li.Suri2006?ref=hl