حاضنة النظام تحتضن المعارضة
عبد الصمد داوود
يحار المرء وهو يتأمل خارطة التحرك الاخير لروسيا، وذلك بدعوتها لأطراف المعارضة الوطنية السورية في الخارج [ ائتلاف قوى الثورة والمعارضة الوطنية ]، وفى الداخل [ هيئة التنسيق و تيار بناء الدولة ]، بالإضافة الى رموز وجهات اخرى، للقاء مشترك غير رسمي في موسكو، وذلك يوم الاثنين 26/ 1 / 2015، بغية الوصول الى رؤية ما لحل الازمة السورية، ومن ثم الالتقاء بممثلي النظام .
أهو غباء أم استغباء ؟ أم هي انتهازية مكشوفة باستغلال الصمت والعجز الدوليين ازاء ا لازمة السورية، فيطرح هنا وهناك مبادرات ومحاولات أساسها العقم، وحتى طريقة طرح بعضها في الزمان والمكان مريبة مثل هذا الطرح الروسي العجيب، والذى هدفه الجوهري ان نقبل الثعلب كقاض في محاكمة البط . يعلم الجميع ان روسيا ومنذ انطلاقة الثورة السورية وضعت نفسها في موقع الحليف الداعم والدائم للنظام، وكخصم أساسي في الصراع، بالضد من الثورة واهداف الثورة أي بالضد من آمال الشعب السوري، ولم تتخذ يوما واحدا موقفا حياديا، او كطرف وسيط، فكيف تتحول حاضنة النظام وحاميه وداعمه الى حاضنة لكافة قوى المعارضة في الداخل والخارج، وجميعهم متفقون على اولوية ازالة ذلك النظام و تغييره . بالرغم من انهم مختلفون في سبل وطرائق التنفيذ …؟؟
ألا يحق لأي متتبع سياسي ان يصاب بالذهول وهو يحاول تفكيك هذه المعادلة … أبدا لا لا؛ ففى السياسة وفى هذا الزمن بالذات، كل شيء مباح وكل شيء ممكن، والزئبقية من سماتها، ولن يصاب بالذهول الا أمثالي الذين لا يقبلون بتعريف السياسة بأنها فن الكذب والمراوغة …لكن المشكلة ليست في روسيا ولا في دعوتها وطرحها، بل في أولئك الذين سرعان ما تراكضوا لتجهيز حقائب السفر ملبين وآملين نحو دولة الخيبات الاكبر.
في هذا السياق هناك سؤال يفرض نفسه لماذا الروس ولماذا الآن..؟؟
قبل الإجابة لا بد من ابراز نقطتين :
أولها : ان كافة الدعوات وجهت الى اشخاص أي بالصفة الشخصية، وليست عبر الهيئات او القوى او المنظمات بالرغم من الاعتراف الدولي ببعضها. إن هذه احدى مؤشرات حنكة الروس في [حسن اختيار الأنسب لهم ولمآربهم] وبالتالي الرهان على انجاح اللقاء… ولو إعلاميا. فبالتمحيص في الأسماء [ المختارة ] سنجد أن الأكثرية تجوب في فلك النظام بشكل أو بآخر..
ثانيها : إن القيادة الروسية بالذات أبدت تناقضا تجاه هذا اللقاء التشاوري، ولربما يكون لهم في ذلك مآرب أخرى، فالمتحدث باسم وزارة الخارجية الروسية / الكسندر لوكاشيفيتش / ابدى تحمسا وتفاؤلا، في حين صرح نائب وزير الخارجية الروسي / بوغدانوف / أنه يتوقع بعدم جدوى هذا اللقاء…
بالعودة إلى السؤال السابق فإن الإجابة يمكن اختصارها في:
يحاول الروس بشتى الوسائل إعادة الشرعية الدولية للنظام، وبخاصة بعد انخراطه الشكلي في محاربة داعش وأخواتها، مستغلا في ذلك الصمت والفراغ والركود الدولي تجاه الأزمة السورية في فترة ما بعد جنيف، فلا مبادرات ولا محاولات جادة، سوى مبادرة دى ميستورا الهزيل، ولهذا فقد تكون هذه المحاولة مدخلا لتحقيق شيء من الشرعية للنظام وليِّ أعناق المعارضة .
إن التغيرات السياسية الاخيرة في المنطقة، كإعادة التفاهم والتعاون السعودي ـ القطري، والقطري ـ المصري، والمصري ـ الأمريكي, قد تخلق اجواء لفرض حلول للأزمة السورية لا تكون علي مقاس النظام السوري ولا على مقاس الروس وبخاصة أن روسيا الآن تمر بأضعف حلقاتها الاقتصادية والسياسية فكانت تحركها لزاما لإيجاد مخرج يحفظ لها ماء الوجه .
يحاول الروس وبعد قصقصة أجنحتهم الاقتصادية عبر تخفيض أسعار النفط والعقوبات التي فرضت عليها مجددا إيجاد مخارج لتخفيف هذا العبء الثقيل، وحيث أن النظام السوري وتبعات أزمته صارت أعباء إضافية لم تعد بمقدورهم تحمّله، فجاءت محاولاتهم الأخيرة لكسب مزيد من الوقت لإعادة ترتيب أوراق تعاملاتها الدولية، وحساباتها، فكانت إحدى تجلياتها دعوة كافة أطراف المعارضة السورية على أرضها من مبدأ “لعل وعسى” أن يكسبها شيئاً من المصداقية، وبالتالي التخلص من عبء النظام وتبعاته، وإمكانية عقد صفقات لفك هذا الحصار الاقتصادي الخانق.
يجب على المعارضة الوطنية –في الداخل والخارج- عدم الارتهان على روسيا في إيجاد حل مقبول للأزمة، طالما أنها أثبتت وطيلة أربع سنوات، أنها الخصم الأساسي والعملي والميداني لأهداف ثورة الشعب السوري في الحرية والكرامة والتعددية والتبادل السلمي، وإذا ما حاولت واقترحت حلولاً فإنها ستعمد إلى إعادة إنتاج النظام أو بديل منسوخ عنه.
يقيناً، إن اللقاء القادم –إن تم- فسوف لن يجدي نفعاً أبداً، فموسكو ليست المكان الصحيح والمؤهل لتقديم ما فيه خير للشعب السوري، وبخاصة إذا علمنا أن القطب الأهم قد يبارك ولكنه لا يشارك، وبغياب التوافق الأمريكي الروسي الآن وعلى المدى المنظور، فإن الحلول المطروحة مجرد عبث واجترار.