حماسة أميركيّة باردة حيال إقليم كردي في سورية
واشنطن – جان صالح
على رغم الأهمية الجيوسياسية للقضية الكردية في سورية، وتأثيرها في مستقبل سورية، وشكل نظام الحكم فيها الذي يسعى إليه الكرد عبر ثلاثة نماذج متداولة، إقليم كردي شبه مُستقل على شاكلة إقليم كردستان العراق، أو فيديرالية قائمة على أساس اللامركزية السياسية والإدارية، أو حكم ذاتي، إلا أن هذه الطموحات داخل المجتمع الكردي، ما زالت غير مُستقرة وثابتة كبعد كردي قومي، وذلك بسبب التمزّق السياسي داخل أحزاب الحركة الكردية، واتكالها على حكومة إقليم كردستان العراق من جهة، وعلى قادة قنديل من حزب العمال الكردستاني من جهة ثانية. هذه التبعية التاريخية تضع الحقوق الكردية السورية في عنق زجاجة، ويتم تأويلها واستثمارها وفق مصالح كل طرف ومحور كردستاني، وتجاذباتها بين طهران وأنقرة، ونظام الأسد!
الرغبة الكردية في تحقيق الفيديرالية، أو إقليم كردي مستقل، أو حكم ذاتي، مرهونة بقضيتين، الأولى، سقوط نظام البعث، والثانية، الدعم الأميركي والأوروبي. لكن مع استمرار بقاء الأسد ونظامه، وتحوّل سورية الى ساحة صراع إقليمية ودولية، وغزو «القاعدة» و»داعش» والإسلام السياسي، والتأثير التركي والإيراني في الملف السوري، وعدائهما لكل طموح كردي، أعاد الكرد الى الوراء وشتّت أمانيهم القومية، على رغم انتصارهم على «داعش» في كوباني. ومحاولات حزب الاتحاد الديموقراطي ليكون ضمن الرعاية الأميركية في محاربة الإرهاب، ووجهت برفض أميركي لأي شكل من أشكال الحكم الكردي الذاتي في سورية، إذ قالت جين بسكاي، المتحدثة باسم الخارجية الأميركية: «لن نعترف بأي منطقة حكم ذاتي في أي مكان في سورية. وهذه سياستنا منذ وقت بعيد».
هذا الرفض جاء مباشرة بعد تهديدات نظام الأسد ووزير خارجيته وليد المعلم لأكراد سورية، ورفض تركيا لأي حلم كردي في «كردستان سورية» عندما قال أردوغان في الشهر الفائت: «لا نريد تكراراً للوضع في شمال العراق. لا يمكننا الآن أن نقبل بنشوء شمال سورية، يجب أن نحافظ على موقفنا حول هذا الموضوع وإلا فسيكون شمال سورية مثل شمال العراق. هذا الكيان سيكون مصدر مشاكل كبرى في المستقبل». إجماع دمشق وأنقرة وواشنطن وقوى المعارضة السورية أيضاً، على رفض أي حكم كردي ذاتي مُستقل في سورية، يدفع بالقوى الكردية السياسية إلى إعادة حساباتها، والتفكير في طرق أخرى لتحقيق مكتسبات في المستقبل.
فأميركا غير مبالية بالملف الكردي في سورية وتعتبره ملفاً مؤجلاً وثانوياً، كما أنها لن تتخلى بسهولة عن حليفها التركي «على رغم البرود السياسي بينهما بسبب التورط التركي في دعم «داعش»»، ولدى الإدارة الأميركية يقين بأن حزب الاتحاد الديموقراطي غير جدير بالثقة والتعاون بسبب علاقته مع نظامَي الأسد وطهران، وكونه ذراعاً سياسية وعسكرية لحزب العمال الكردستاني المُصّنف على قائمة الإرهاب الأميركية. ولهذا، ما زالت الخارجية الأميركية ترفض استقبال صالح مسلم، رئيس الحزب، ومنحه تأشيرة دخول إلى واشنطن! كذلك، تعتبر أميركا حكومة إقليم كردستان العراق حليفها الأساسي، وتتعاون معها في الملفات والقضايا كافة المتعلقة بالكرد في الشرق الأوسط، وترى أن الوضع الكردي في سورية لم يصل الى مرحلة النضوج السياسي، بسبب التمزق الكردي، وعدم وحدة الموقف الكردي تجاه نظام الأسد. لهذا تتعامل أميركا مع الكرد وقضيتهم في سورية، كورقة يمكن استعمالها في المستقبل، وليس كقضية شعب، ومكوّن سوري خاص واستراتيجي له ثقله وأهميته في خلق التوازنات داخل سورية مع بقية الأقليات.
الخارجية الأميركية عملت عبر السفير السابق روبرت فورد، على ضمّ الكرد الى الائتلاف الوطني السوري، وحققت ذلك، وجلست مع قيادات الاتحاد الديموقراطي في باريس في حزيران (يونيو) 2014، بهدف استدراجهم ليكونوا ضمن الاستراتيجية الأميركية وشروطها في دعم المعارضة السورية «الائتلاف». وهذا كان بمثابة الدعم للإخوان المسلمين المسيطرين على الائتلاف السوري والرافضين لأية حقوق كردية.
الحياة