حول دوّامة الحوار الكُردي
هيئة التحرير
فؤاد عليكو
بدايةً علينا ان نعترف بأننا تركنا شعبنا يعيش في دوّامةٍ منذ سنتين، وهو يسأل و يترقّب يومياً مآلات هذا الحوار على أمل أن يجد ضوءاً في نهاية النفق المظلم الذي يعيشه على كافة الصعد (السياسية ،الأمنية، الاقتصادية) ككابوس يفرض نفسه بقوةٍ ويقضّ مضاجعه خوفاً من الواقع المعاش وكذلك خوفاً على مستقبل وجوده و بقائه في وطنه وبيته محافظاً على كرامته، وعلى الاستقرار والأمن والعيش الكريم في حده الأدنى، ولا نجافي الحقيقة بأنّ الآمال كانت كبيرة بدايةً لدى المواطن العادي، يقيناً منه بأنّ التجربة المرّة الطويلة والفاشلة التي عاشها الطرفان السياسيان الأساسيان (المجلس الوطني الكُردي وحزب الإتحاد الديمقرطي وحلفائه) كانت
كافية للملمة الصف الكُردي ، خاصةً بعد فشل ثلاث اتفاقات متتالية، تحت رعاية الرئيس مسعود البرزاني، على مدار السنوات ٢٠١٢ ،٢٠١٣ ،٢٠١٤ ، وما أقدم عليه pyd أثناء وبعد كلّ اتفاق من ممارساتٌ قمعية بحق قيادات المجلس الكُردي وأنصاره، مما كان يدفع بنا للعودة إلى المربع الأول، لكنّ الآمال كبرت لديه، هذه المرة أكثر من السابق في هذا الحوار لسببين : الأول: إنّ هذا الحوار انطلق بناءً على طلب قائد قوات سوريا الديمقرطية مظلوم عبدي ، خاصةً بعد خسارتها رأس العين وتل أبيض عسكرياً أمام تركيا، وسبق ذلك بعام خسارتها عفرين أيضاً، وبأنّ ما حصل من مآسٍ ودمار وتشريد كان كافياً لpyd من إجراء مراجعة جذرية شاملة واستخلاص العبر من تجربتها وسياستها السابقة الفاشلة كلياً بكلّ المقاييس، وبأنه لايمكن إدارة المنطقة بهذه الفردية ،المعتمدة في جوهرها على إدارة ورغبات قيادة قنديل، وتوجيه دفة الصراع الكُردي الحقيقي مع النظام في دمشق إلى الدفع باتجاه أنقرة، بعيداً عن كلّ طموح وتوجّه كُردي سوري، والتي تناضل الحركة الكُردية منذ عقودٍ لتحقيق حقوقه القومية في إطار الدولة السورية التعددية الديمقراطية، وكانت مشاركة الحركة الكُردية في الثورة السورية منذ البداية يصبّ في هذا الاتجاه ، لكنّ دخول قنديل على الخط منذ البداية والتنسيق مع النظام أربك المشهد السياسي الكُردي، وتحوّل إلى عائق كبير أمام وحدة الصف، وإفشال كلّ اتفاقٍ يحدث بين الطرفين، لذلك كان يفترض بعد هذه التجربة الفاشلة سياسياً من إعادة بوصلة النضال إلى مساره الحقيقي، وهذا ما كان يؤمل منه، أو لنقل ما يؤمل منه .
والسبب الثاني: دخول الأمريكيين على خط الحوار كراعٍ مباشر على سير المفاوضات بين الطرفين، خاصةً ونحن نعرف ما لأمريكا من ثقلٍ دولي دون منازع ، ولا يمكن معالجة أي نزاع دولي دون موافقتها.
وللحقيقة يمكننا القول بأنّ مسار الحوار كان إيجابياُ في البدايات وأنجز بموجبه “الرؤية السياسية المشتركة” بسلاسة ودون معوقات تُذكر، لكن وبدلاً من أن يستمرّ هذا الزخم الإيجابي في مناقشة بقية الملفات الخلافية الأساسية كملف الأمن والدفاع والبيشمركة وتحديد العلاقة مع pkk ، وكذلك ملف التجنيد الإجباري والتعليم والعقد الإجتماعي، فقد أهدر الطرفان وقتاً ثميناً في تشكيل المرجعية والتي كان يفترض مناقشتها في نهاية مرحلة التفاهمات، وليس قبلها، كما أنّ تغيير القيادة الأمريكية أثّر بشكلٍ سلبي على تقدم الحوار، حيث سيطر الفتور وعدم الاهتمام لمسار المفاوضات بين الطرفين من قبل القيادة الجديدة، كما بدا واضحاً بأنّ قيادة pyd لم تكن جميعها على رأي واحد، وأنّ قسماً منها لم يكن مقتنعاً أصلاً بحصول أي تفاهم بهذا الصدد، لذلك كانت تعمل دوماً على خلق التوتر وتعميقه، و ذلك من خلال الخطابات والكتابات الاستفزاز ية واتهام البيشمركة بالمرتزقة واستخدام لغة التخوين بحق بعض قيادات المجلس، إضافةً إلى استمرارية خطف الأطفال وحرق مكاتب المجلس ….الخ.
ومن المؤسف القول إنّ مَن يقود هذا التيار هو الذي يترأس عملية الحوار من جانب pyd وحلفائه، وعليه كيف يستوى الأمر والوصول إلى تفاهم مشترك في ظلّ عدم وجود إرادة حقيقية للتقدم بهذا الحوار، وعدم العمل على توفير الأرضية والبيئة المناسبة لإنجاحه من قبل مَن يقود الحوار بالذات، ومع كلّ هذه المعوقات لازال المجلس يتعامل مع هذا الوضع السلبي بنفسٍ طويل وصبر استراتيجي، يقيناً منه بأنّ كلّ الخيارات الأخرى لن تخدم شعبنا، ولا زال يعوّل على الدور الأمريكي الضروري، وعلى الذين يملكون الإرادة الحقيقية لوحدة الموقف الكُردي من قيادات pyd خاصةً وأنّ قائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي تعهّد مراراً بأنه سيعمل جدياً على إزالة كلّ المعوقات أمام الحوار حتى يصل إلى مبتغاه، لكن من المؤسف القول بأنه لم يعمل كما يجب في محطات عدة مفصلية ، نأمل أن تكون الجولة القادمة بارقة أملٍ لشعبنا للخروج من الدوّامة، رغم ضعف التوقعات وسيطرة حالة الإحباط على الشعب.
تم نشرها في جريدة يكيتي بعدد 293