رئيس استخبارات فرنسي يكشف تعقيدات الوضع السوري
Yekiti Media
برنار باجولي رئيس الاستخبارات الفرنسية الخارجية DGSE السابق (من ٢٠١٣ إلى ٢٠١٧) هو سفير مستشرق خدم في سورية والعراق والجزائر اصدر كتاب Le soleil ne se lève plus à l est بالفرنسية عن دار نشر بلون في باريس «الشمس لن تشرق في الشرق» يروي فيه خبراته في الدول المختلفة التي عمل فيها في الشرق الاوسط وغيرها من ١٩٧٥ إلى ٢٠١٣. وقد عمل في عهد الرؤساء الفرنسيين المتتالين من فرنسوا ميتران إلى جاك شيراك ونيكولا ساركوزي وفرانسوا هولاند.
وينقل باجولي القارئ إلى أماكن الصراعات المختلفة من سورية إلى الأردن إلى العراق إلى الجزائر وافغانستان. ويبدأ كتابه بالحديث عن الصراع السوري والحرب السورية التي شنها بشار الاسد على شعبه.
والتقت «الحياة» باجولي حول الكتاب والأحداث التي شهدها، وهو على رأس الاستخبارات الفرنسية، كما أنه عمل مستشاراً في السفارة الفرنسية في دمشق بين 1986 و١٩٩٠، ثم كان على راس البعثات الديبلوماسية في الأردن والعراق والجزائر. وسألته «الحياة» عن مختلف محطات عمله التي يتناولها في كتابه، وأجرت معه مقابلة تركزت على الصراع السوري حالياً، في حين أن الكتاب تناول مذكراته في مختلف الدول التي خدم فيها.
سألته «الحياة» عن تحليله للسياسة الاسرائيلية التي منذ عهد الرئيس حافظ الأسد تحمي نظام الأسد، وقول الإسرائيليين للغرب انهم يفضلون بقاء نظام الأسد، فقال باجولي: «هناك نوع من استمرارية في السياسة الإسرائيلية بالنسبة لعهد حافظ الأسد الذي كان يمثل لإسرائيل العدو المثالي الذي حلمت به. أي أنه كان يكره اسرائيل حتى يمكن أنه كان معاداً للسامية، ولكن سياسته كانت قابلة للتنبؤ.
وشعروا بارتياح لذلك، لأنهم أدركوا أن الأسد الأب لن يجازف في بقتالهم، لذا كان العدو المثالي لهم. والجولان كان أهم بكثير لإسرائيل ما كان للأسد. وإسرائيل كانت بحاجة أن تحمي نفسها من احتمال تغيير النظام في سورية. وبالنسبة للأسد الأب، كان من المهم الا يعارض أحد ملكية الجولان الشرعي لسورية. ولكنه لم يبال كثيراً بالوقت الذي سيحتاجه لاستعادة الجولان. وعندما كنت مستشاراً ديبلوماسياً في السفارة الفرنسية في سورية كنت اعتقد أن السلام غير ممكن مع الأسد، ليس لأنه يكره إسرائيل، ولكن لأن الموقف المعادي السوري بالنسبة لإسرائيل كان أحد عوامل استقرار النظام. فكنت ألاحظ أنه حتى الذين كانوا يكرهون الأسد الأب كانوا يقدرون موقفه المعادي لإسرائيل. لذا لم أر يوما إمكانية السلام بين الأسد الأب وإسرائيل. فكان الأسد يقاوم أي صلح وعندما رأى العاهل الأردني الراحل الملك حسين أن الفترة أصبحت مناسبة له للتفاوض حول السلام مع إسرائيل كان يستشير الرئيس المصري حسني مبارك الذي نصحه بالتقدم نحو هذا الهدف، لأن مبارك كان يريد الخروج من العزلة. ولكن الأسد كان يقول للحسين تفاوضوا ولا توقعوا. والملك الراحل قال لي ذلك. وهذا يتماشى مع موقف الأسد الأب الذي لم يرغب في رفض التفاوض، ولكنه كان يريد كسب الوقت خصوصاً أنه كانت لديه شكوك كبرى حول التوصل إلى السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، وما تبع اعطاه الحق. لكن بشار الأسد لم يكن مثل أبيه، ولو كان ذكياً لكان قبل عرض انفتاح الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في بداية رئاسته».
عن أي عرض قدمه ماكرون بالانفتاح على بشار الأسد؟ قال باجولي: «في بداية رئاسته استغرب ماكرون كيف أنه لا يوجد اي اتصال مع سورية، ولاحظ أن فرنسا تم تهميشها في المناقشات حول سورية».
وعن أي فترة قدم ماكرون هذا العرض؟ قال باجولي: «عندما تم انتخابه قال إن رحيل بشار الأسد ليس شرطاً مسبقاً لمشاركة فرنسا في مفاوضات سياسية، وبشار لم يتقبل هذا العرض والقاه في سلة المهملات عبر قوله إن فرنسا تدعم الإرهابيين. وماكرون استاء وقال في كانون الأول (ديسمبر) إنه يجب أن يمتثل بشار الأسد أمام محكمة دولية، واعتقد أن بشار الأسد افتقر للذكاء السياسي، في حين أن والده كان براغماتياً يمارس الواقعية السياسية. فكان يجب على بشار أن يرى مصلحته في أن يعيد الاتصال مع الرئيس الفرنسي الجديد الذي لم يكن مرتبطاً باسلافه لعودة التعامل مع فرنسا، لكون فرنسا أساسية في الديبلوماسية العالمية. وأعود إلى العلاقة السورية مع إسرائيل التي تعتبر أن بشار ليس محاوراً مثل والده يمكن الاعتماد عليه. والاسرائيليون قالوا عنه كلمات قاسية جداً، خصوصا باستخدامه السلاح الكيمياوي. وعلى رغم ذلك قالوا أيضاً إن هذا الشخص السيء أفضل لنا من أجل الاستقرار، وأنه يمكننا أن نفهمه بأعمالنا، وعندما يحول أسلحة لـ«حزب الله» ويستقبل قوات إيرانية على أرضه؛ فنحن سنقاوم ذلك. ولإسرائيل علاقة جيدة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي يغض النظر عن أعمال إسرائيل في سورية، خصوصاً أن روسيا وإيران متنافستين».
وأشار باجولي في كتابه إلى أن بشار قد أفرج عن إسلاميين متطرفين، بعضهم أصبح إرهابياً، وذلك منذ ربيع 2011، ومنهم من أصبح قائد «القاعدة» مثل أبو محمد الجولاني، وبعضهم انتمى إلى «داعش»، والهدف كان تشويه سمعة المعارضة وتقسيمها وزرع البلبلة في صفوفها.
وقال باجولي لـ«الحياة» إن غايته جر الغرب إلى القول ان الإرهاب أخطر من بشار الأسد. وهذا نجح نسبياً، لأنه كان مدعوماً من روسيا، حيث بوتين هو رئيس لامع. ألا أن استراتيجيته أقل إقناعاً، لأن روسيا مع النظام السوري قاومت معارضة سورية معتدلة، كانت أخطر على النظام، ولكنها تناست المعارضة الإرهابية التي ساهم في نموها بشار الأسد، وهي الأخطر على روسيا.
وتقييم فرنسا بحسب باجولي أن هناك أربعة آلاف جهادي يتكلمون الروسية، ونصفهم لديه الجنسية الروسية، وهم يمثلون تهديداً لروسيا.
ورأى باجولي ان سياسة بوتين على المدى الطويل «خطرة» كما أن بشار الأسد مارس «السياسة الأسوأ». وينقل باجولي في كتابه عن الأمين العام السابق لوزارة الخارجية الفرنسية فرانسوا شير، الذي زار سورية خمس مرات للقاء الرئيس حافظ الأسد، الذي كان يحب مواجهة شخصيات مباشرة، مثل فرانسوا شير، يروي باجولي أن الأسد استقبل شير بحضوره في اللاذقية، في مكان رائع، وتحدثا عن استقلال لبنان، فقال الأسد للجانب الفرنسي إن فرنسا لها دين كبير لنا، لأنها أخذت الكثير منا، فقد تلقت منا بلداً موحداً، وقد قسمته.
ويشرح باجولي لـ«الحياة» أن حافظ الأسد كان يعني الأسكندرون وأيضا لبنان، فكل تصريحات الأسد كانت تعني سورية الكبرى، علما أنه لم يلفظ يوماً الكلمة، وإجابه شير عندئذ أن فرنسا ارتكبت أخطاء، ولكن سورية اعترفت باستقلال لبنان.
وعن احتمال عودة اللاجئين السوريين إلى بلدهم، قال باجولي لـ«الحياة»: «اعتقد أنه لا يرغب في عودتهم، لأنها ستؤدي إلى خلل في التوازنات الطائفية على حساب الأقليات، فكلما تقلصت عودة سنة سورية؛ كلما كان ذلك أفضل بالنسبة له. وهذا لن يحل مشكلة النازحين، ولا قضية إعادة الإعمار التي ليس لروسيا الإمكانات للقيام بها. فعلى روسيا ان تتوصل يوماً إلى اتفاق مع الاتحاد الأوروبي في هذا الشأن، وفي الطليعة ألمانيا وفرنسا».
وسألت «الحياة» باجولي، الذي تحدث عن خبرته في العراق عن رأيه في إمكان رئيس وزراء العراق المكلف عادل عبدالمهدي أن يكون مستقلاً عن إيران؛ فرد: «عادل عبدالمهدي ليس تحت سيطرة إيران للأبد، لأن الانتماء الشيعي في العراق لا يعني تلقائياً تأييد إيران، فالشيعة العراقيون ليسوا في غالبيتهم داعمين لإيران. والحرب الإيرانية – العراقية تركت تأثيراً من الجهتين. وقال إن آية الله السيستاني يحظى باحترام كبير، وهو من أصل إيراني، ولكنه منذ 40 سنة في النجف، ويعتبره العراقيون مواطناً عراقياً.
وقال باجولي إن «تولي عادل عبدالمهدي رئاسة الحكومة خبر سار في العراق، ولو أنه لم يشكل بعد حكومته. فهو رجل ذو خبرة واسعة، وهو ماهر في التفاوض، أنه رجل حوار وتسوية، وهو متمسك بشيعيته، لكنه مدرك أن استقرار العراق يمر عبر اندماج أفضل للسنة العراقيين، فهو مدرك أنه ينبغي إشراك السنة من أجل الاستقرار. أما مقتدى الصدر فهو وطني عراقي وكان دائماً في أسوأ الفترات يؤيد الحوار مع السنة. وأضاف باجولي أنه لم يلتقيه يوماً في العراق، بل كانت الاتصالات والمناقشات مع أوساطه، فلم يكن الصدر راغباً في لقائي». ورأى باجولي أن إيران ليست صاحبة القرار في العراق.
وعما اذا كانت الاستخبارات الفرنسية على اتصال بالاستخبارات السورية، على رغم قطع العلاقات الديبلوماسية، قال باجولي: «لا يمكنني الإجابة على هذا السؤال، لأنني حتى لو كنت أعرف لما أجبت عن هذا السؤال. ولكن ما يمكن قوله ان دور الاستخبارات هو الحفاظ على الاتصالات مع الجميع، خصوصاً عندما تكون العلاقات الديبلوماسية مقطوعة. فكانت للاستخبارات في الفترة التي عملت فيها، علاقات مع دول كانت علاقاتنا سيئة معها، وبالنسبة لسورية لا استغرب أن نقيم علاقة مع الاستخبارات السورية، ولكن هذه الاتصالات بيننا وبين سورية لم تحصل، لأن السوريين حاولوا استخدامها لأغراض سياسية، ففي نهاية 2013 أجرت الاستخبارات الداخلية والخارجية للأمن الفرنسي اتصالاً على الحدود اللبنانية، تحت اشراف الاستخبارات اللبنانية مع الاستخبارات السورية، وقام ممثلون فرنسيون عن الاستخبارات الداخلية والخارجية في المنطقة بالتوجه في سيارة لبنانية في تشرين الأول (أكتوبر) 2011، إلى الحدود اللبنانية، إذ كان الموعد للاتصال بممثل عن المخابرات السورية. ولكن وقع الممثلون الفرنسيون في فخ، إذ ان السيارة اللبنانية التي اقلتهم لم تتوقف على الحدود، والمسوؤلون وجدوا أنفسهم في مكتب علي مملوك في سورية، الذي قال لهم إنه لا يمكن إقامة علاقة بين استخبارات الدولتين طالما لن تعيد فرنسا سفارتها في دمشق، فقد وقعوا في فخ. ولاحقاً قال بشار الأسد إن هناك اتصالات ما يعني انهم حاولوا المناورة، ولم تكن فرنسا قابلة لتحمل الابتزاز بأمنها بترك سورية تتحكم في سياستها الخارجية. لذا غياب الاتصالات الاستخبارية سببه السوريون، ولاحقاً لم تتم».
وعن لقاءات مملوك بالايطاليين، قال: «كان يلتقي الايطاليين الذين كانوا يدعون أنهم يقابلونه لقلبه للتعامل معهم. ولكن لم يصدق أحد ذلك. وغياب الاتصالات بين الاستخبارات السورية والفرنسية ليس كما قيل ان هولاند منعنا من ذلك، بل لأن السوريين حاولوا استخدامنا. والآن أرى أنه يصعب جداً ذلك لأن علي مملوك ملاحق قضائياً في فرنسا هو ومعاونوه، بسبب التعذيب الذي ارتكبوه في سورية».