رئيس مجلس العلاقات الخارجية الأميركي.. وجـاء دور الأكــراد
Yekiti Media
ريتشارد ن. هاس. رئيس مجلس العلاقات الخارجية الأميركي
أظهرت النتائج أن نسبة عالية من الأكراد العراقيين -الذين يبلغ عددهم ثمانية ملايين- صوتوا في استفتاء بشأن استقلال إقليم كردستان العراق ومناطق أخرى من البلاد يوجد فيها عدد كبير من الأكراد. فقد صوتت نسبة أعلى من الناخبين بـ”نعم”، وأفادت التقارير بأنهم أكثر من 90%. ومع ذلك، فإن دولاً كثيرة غير متعاطفة، وتعتمد أي دولة في العالم اليوم على اعتراف الدول الأخرى؛ فماذا سيحدث الآن؟
مما لا شك فيه أنه لا ينبغي أن يكون هناك أي حق تلقائي في تقرير المصير. لقد كان هذا الأخير الحل الوحيد بالنسبة لشعوب المستعمرات التي كانت تحكمها دول على بعد آلاف الأميال، والتي حُرمت من العديد من حقوقها بما في ذلك اختيار الاستقلال في أعقاب الحرب العالمية الثانية. إنه شيء مختلف تماما أن تنفصل منطقة ما عن بلد مستقل قائم؛ والانفصال المتكرر سيكون مصدر فوضى عارمة أكثر مما نعيشه اليوم.
ومن ثم يُطرح سؤال طبيعي: في أي ظروف ينبغي دعم القادة والسكان الذين يسعون إلى الانفصال عن البلاد الأم وإنشاء وطن مستقل؟ لا توجد معايير مقبولة عالميا، ولكن اسمحوا لي أن أقترح بعض ما ينبغي تطبيقه:
– تاريخ يشير إلى هوية جماعية واضحة للشعب المعني بالأمر.
– أسباب مقبولة، بمعنى أن السكان يجب أن يكونوا قادرين على إثبات أن الوضع الراهن يفرض معاناة سياسية ومادية واقتصادية كبيرة.
– أن یوضح السكان أنھم یفضلون بقوة وضعا سیاسيا جدیدا ومستقلا.
– أن تكون الدولة الجديدة قابلة للحياة (آخر شيء يحتاجه العالم هو مزيد من الدول الفاشلة).
– ألّا یؤدي الانفصال إلی تعریض سلامة الدولة الراهنة أو أمن الدول المجاورة للخطر.
ووفقا لهذه المعايير؛ فإن هناك أسبابا مقنعة لاستقلال الأكراد، ذلك أن الأكراد لديهم إحساس قوي بالتاريخ الجماعي والهوية الوطنية، وقد فشلوا في تكوين دولة بعد الحرب العالمية الأولى دون أي خطأ ارتكبوه، رغم أن القضية كانت مقنعة كما هو الحال بالنسبة للجماعات الأخرى التي كانت آمالها الوطنية مستوفاة.
لقد عانى الأكراد العراقيون (بما في ذلك تعرضهم للهجوم بالأسلحة الكيميائية) على يد نظام صدام حسين، وتستطيع كردستان المستقلة أن تكون مجدية اقتصاديا، نظرا لاحتياطيات الطاقة فيها. وبإمكان العراق من دون كردستان أن يكون قابلا للنمو، شأنه شأن البلدان المجاورة الأخرى.
ومع ذلك، فإن رغبة الأكراد في شمال العراق لإنشاء بلد خاص بهم لم تلق ترحيبا. كما عبرت الحكومة المركزية العراقية عن قلقها بشأن فقدان الأراضي والاحتياطيات النفطية الكبيرة بسبب الانفصال الكردي.
وتعارض كل من تركيا وإيران وسوريا استقلال الأكراد في أي مكان خوفا من أن تصاب “أقلياتها الكردية” “بفيروس” الدولة الكردية، فتسعى إلى الانفصال وخلق دولة خاصة بها أو الانضمام إلى الكيان الكردي الجديد المنفصل عن العراق.
لقد هددت الحكومة المركزية العراقية بإغلاق مجالها الجوي أمام الرحلات التي تحلق من وإلى المنطقة الكردية، وهددت تركيا بقطع خط الأنابيب الذي يعتمد عليه كردستان لتصدير النفط. ويكمن خطر هذه التحركات في إمكانية تعريض صلاحية الكيان الجديد (الذي قد يكون غير ساحلي) للخطر، ناهيك عن خطر وقوع اشتباكات عسكرية.
وتعارض الولايات المتحدة استقلال كردستان، معربة عن قلقها من أن معارضة الدول المجاورة يمكن أن تؤجج المزيد من الاضطرابات في منطقة الشرق الأوسط المضطربة أصلا.
ولكن من الصحيح أيضا أن الأكراد يلبّون العديد من معايير إقامة دولة، ويطبقون نظاما سياسيا يتميز بسمات ديمقراطية، وكانوا حلفاء مخلصين وفعالين ضد تنظيم الدولة الإسلامية في كل من العراق وسوريا.
إن معارضة تركيا غير الليبرالية، وإيران الإمبراطورية، والعراق المتأثر بشدة بإيران، والنظام السوري الذي يدين في بقائه للتدخل العسكري الإيراني والروسي، كل ذلك يعزز الأدلة الجيوسياسية لإنشاء دولة كردية.
إن أحد الخيارات بالنسبة للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي -اللذين لم يرحبا على نحو مماثل بفكرة الاستقلال الكردي- سيكون دعم أو المشاركة في المفاوضات بين حكومة إقليم كردستان والحكومة العراقية في بغداد.
ويمكن أن تهدف هذه المحادثات للتوصل إلى حل توفيقي بشأن كيفية تقسيم الموارد والأقاليم أو تقاسمها. ويمكن لمحادثات موازية تشمل تركيا وحكومة إقليم كردستان معالجة المخاوف الاقتصادية والأمنية على السواء.
كما يجب على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أن يوضحا أيضا أن أي دعم من جانبهما للانفصال الكردي لن يكون سابقة للآخرين. وهناك فعلا أكثر من 190 بلدا، وظهور بلدان جديدة ليس شيئا بسيطا ولا مستقيما، وتحتاج كل حالة إلى معالجة مختلفة حسب خصوصياتها.
للمجموعات حق المشاركة في تقرير مستقبلها، ولكن ليس لها أن تقرر بنفسها. لقد أبدى الأكراد العراقيون اختيارهم، وليس من العدل تجاهل إرادتهم، بل ينبغي أن يُؤخذ طموحهم على محمل الجد.
الجزيرة نـت/ بروجيكت سينديكيت