روايات تركية وكردية وأرمنية للمأساة قرن على المذابح الأرمنية: 20 برلماناً أوروبياً يعترف بها… وأنقرة تمانع
هوشنك أوسي
في 24 من شهر نيسان (أبريل) الجاري، تحلّ الذكرى المئويّة للمذابح الأرمنيّة التي شهدتها السلطنة العثمانيّة في أواخر سنواتها (1915 – 1917)، وراح ضحيتها حوالى 1,5 مليون أرمني، ومئات الآلاف من السريان والآشوريين والكرد والترك، وفق مصادر مختلفة.
منذ تأسيس تركيا سنة 1923، رفضت الحكومات التركيّة المتعاقبة الاعتراف بهذه المجازر. وتحت وطأة الضغوط الدوليّة، وقرارات الكثير من برلمانات الدول الأوروبيّة التي اعترفت بهذه المذابح، وطالبت تركيا بالاعتراف بها، اضطرت أنقرة إلى التراجع خطوة إلى الوراء، عبر وصف تلك الأحداث بـ «المأساة». وذلك في يوم 23 – 4 – 2014 خلال تصريح للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، حين كان رئيساً للوزارة. حيث قدّم التعازي لأهالي الضحايا من الأرمن والأتراك. ولكن، ما زالت الحكومة والمعارضة التركيّتين، ترفضان في شكل قاطع الاعتراف بتلك المجازر.
الاعتراف الدولي
إضافة إلى الأمم المتحدة، اعترفت برلمانات أكثر من 20 دولة بهذه المجازر. كما اعترفت بها مؤسسات كثيرة من الاتحاد الأوروبي، وأبرزها البرلمان الأوروبي، حيث صوّت في سنوات 1987، 2000، 2002 و2005، على الاعتراف بهذه المجازر. وفي 15 – 4 – 2015، جدد البرلمان الأوروبي اعترافه بهذه المجازر، واصفاً إيّاها بالإبادة الجماعيّة، مطالباً تركيا بالاعتراف بها. وعلى رغم أن قرار البرلمان الأوروبي غير ملزم، إلّا أن دولاً كثيرة من الاتحاد اعترفت بهذه المجازر كبلجيكا، فرنسا، السويد، هولندا…! زد على ذلك، أن قرار البرلمان الأوروبي الأخير، منح زخماً إضافيّاً لمساعي أرمينيا واللوبي الأرمني في أوروبا وأميركا، لجهة ممارسة المزيد من الضغوط على أنقرة بغية إجبارها على الاعتراف، وإلزامها بما يترتّب على هذا الاعترف، قانونيّاً وسياسيّاً واقتصاديّاً. وهذا ما تخشاه أنقرة من أن يريفان لن تكتفي بانتزاع الاعتراف والاعتذار المعنوي والسياسي عن تلك المجازر، بل سيتعدى ذلك إلى المطالبة بدفع التعويضات لأسر ضحايا المذابح!
غضب تركي مشترك
الناظر إلى المشهد الداخلي التركي وحجم الخلافات والأزمات التي تعصف به، سواء منها الخلافات بين الحكومة الإسلاميّة المحافظة والمعارضة العلمانيّة الأتاتوركيّة، من جهة، وبين الحزب الحاكم وجماعة الداعية الإسلامي فتح الله غولن من جهة ثانية، والخلافات بين الحكومة والعمال الكردستاني في ما يتعلّق بالمفاوضات بين الطرفين لإنهاء الصراع الكردي – التركي، من جهة ثالثة، مضافاً إلى كل ما سلف، احتدام الصراع والتلاسن السياسي بين الأحزاب التركيّة، على خلفيّة حملات الدعاية الانتخابيّة بخصوص الانتخابات البرلمانيّة التي ستشهدها تركيا مطلع حزيران (يونيو) المقبل، الناظر إلى هذا المشهد، يراه شديد الاختلاف والتصارع ومن دون اتفاق أو توافق بين الأحزاب التركيّة. ولكن، باستثناء حزب الشعوب الديموقراطيّة (الواجهة العلنيّة للعمال الكردستاني)، الحكومة التركيّة، وكل أحزاب المعارضة من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، متفقة على رفض الاعتراف بهذه المذابح، وإدانة كل من يعترف بها.
ومن ذلك، إصدار رئيس البرلمان التركي جميل تشيتشك يوم 16 – 4 – 2015، بياناً مشتركاً وقّع عليه حزب العدالة والتنمية الحاكم، وحزب الشعب الجمهوري وحزب الحركة القوميّة التركي المعارضان، الممثّلان في البرلمان، شجبت فيه قرار البرلمان الأوروبي، وذكرت في البيان: «تجاهل البرلمان الأوروبي كل آلام الشعوب التي كانت تعيش في منطقة الأناضول خلال الحرب العالمية الأولى، وعظّم الآلام التي عاشها الأرمن، وأشار إلى أن الإمبراطورية العثمانية كانت تتبع منهجاً انتقائياً ومنحازاً». وأن «البرلمان الأوروبي عمق الفجوة بين تركيا وأرمينيا بدلاً من الدعوة إلى الحوار بين الجانب التركي الذي وجه الكثير من الدعوات لكشف الحقائق بأساليب علمية محايدة، والجانب الأرمني الذي فضل تعميق المسألة». وفي سياق متصل، طالب زعيم حزب الشعب الجمهوري المعارض، كمال كليجدار أوغلو، رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو بإعداد صيغة ردّ جماعي على قرار البرلمان الأوروبي الذي يحضّ على الاعتراف بـ «الإبادة الأرمنية». وقال: «يمكننا تحضير نص مشترك والتوقيع عليه، فآراؤنا متفقة في ما يتعلق بذلك الموضوع». مؤكداً رفضه تصريحات بابا الفاتيكان المؤيدة للمطالب الأرمنية، واصفاً قرار البرلمان الأوروبي بأنه «مسيّس ولا يصبّ في اتجاه المصالحة بين الشعبين الأرمني والتركي».
ووصف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في تصريح له يوم 16 – 4 – 2015، قرار البرلمان الأوربي بأنه «يظهر حقيقة العداء لتركيا من خلال استغلال الأرمن». وقال: «تركيا في كل مراحل تاريخها، كانت مصدراً للعدل والأمن والاستقرار بالنسبة لمواطنيها، ولجميع المجتمعات التي تعيش في المنطقة». وأضاف: «الذين يحاولون وضع تركيا وأمتنا في قفص الاتهام بذريعة آلام الماضي، إنما يسيئون إلى التاريخ أولاً. وإن الذين يسعون إلى دفع تركيا إلى القبول بشيء لم يحدث على الإطلاق، مثل الإبادة الجماعية، لا طائل لجهودهم. ونعتبر القرارات التي تتخذها البرلمانات بهذا الخصوص كأنها لم تصدر». مؤكداً أن «الآلام التي عاشها الشعب التركي في الفترة نفسها (فترة الحرب العالمية الأولى) لا تقل أبداً عن الآلام التي عاشها الشعب الأرمني، بل تزيد».
وفي 18 – 4 – 2015، صرّح أردوغان قائلاً: «يوجد في بلادنا حوالى 40 ألف مواطن تركي من أصل أرمني، و40 ألف أرمني هربوا من بلادهم ولجأوا إلينا، واستوطنوا عندنا، ويحلون ضيوفاً علينا، هل اضطهدناهم يوما؟ ألم تروا ذلك يا عديمي الضمائر؟»، مشيراً إلى قرار البرلمان الأوروبي، وتصريحات المسؤولين الغربيين الداعمة المطالب الأرمنيّة. بينما في شهر آذار (مارس) 2010، وحين كان رئيساً للوزراء، هدد أردوغان حوالى 100 ألف أرمني بالطرد من تركيا، تعليقاً على تصويت البرلمان السويدي على قرار إدانة مذابح الأرمن.
بالتوازي مع ذلك، وجّه المسؤولون الأتراك والإعلام التركي انتقادات شديدة لبابا الفاتيكان، حيث قال رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو يوم 18 – 4 – 2015: «لا تستطيع أي جهة التكلّم معنا باستعلاء، بمن فيها بابا الفاتيكان وما يمثله من هويّة دينية، والبرلمان الأوروبي الذي أضحى في الآونة كما لو أنه ممثلٌ للتيّارات العنصرية التي ازداد نفوذها في الأيام الماضية». فرد البابا فرنسيس على المسؤولين الأتراك بالقول: «أمّا نحن، فلا نستطيع السكوت عن ذكر ما رأينا وما سمعنا».
الرواية التركيّة
وفق ما نشره القسم العربي في وكالة الأناضول الرسميّة، فإن هذه المجازر هي «مزاعم» لا أساس لها من الصحّة. حيث نشرت «الأناضول» في يوم 18 – 4 – 2015، تقريراً تحت عنوان «أحداث عام 1915… بين حقائق العثمانيين ومزاعم الأرمن» ذكرت فيه: «تعاون القوميون الأرمن، مع القوات الروسية بغية إنشاء دولة أرمنية مستقلة في منطقة الأناضول، وحاربوا ضد الدولة العثمانية إبان الحرب العالمية الأولى. وعندما احتل الجيش الروسي، شرق الأناضول، لقي دعماً كبيراً من المتطوّعين الأرمن العثمانيين والروس، كما انشق بعض الأرمن الذين كانوا يخدمون في صفوف القوات العثمانية، وانضموا إلى الجيش الروسي». وأضاف التقرير: «بينما كانت الوحدات العسكرية الأرمنية، تعطل طرق إمدادات الجيش العثماني اللوجيستية، وتعيق تقدمه، عمدت العصابات الأرمنية إلى ارتكاب مجازر ضد المدنيين في المناطق التي احتلوها، ومارست شتى أنواع الظلم بحق الأهالي». وأشارت إلى أن الحكومة العثمانية حاولت «إقناع ممثلي الأرمن وقادة الرأي لديهم، إلا أنها لم تنجح في ذلك، ومع استمرار هجمات المتطرفين الأرمن، قررت الحكومة في 24 نيسان من عام 1915، إغلاق ما يعرف باللجان الثورية الأرمنية، واعتقال ونفي بعض الشخصيات الأرمنية البارزة. واتخذ الأرمن من ذلك التاريخ ذكرى لإحياء الإبادة الأرمنية المزعومة». وأشارت «الأناضول» في تقريرها إلى أنه «في ظل تواصل الاعتداءات الأرمنية على رغم التدابير المتخذة، قررت السلطات العثمانية، في 27 أيار (مايو)، من عام 1915، تهجير الأرمن القاطنين في مناطق الحرب، والمتواطئين مع جيش الاحتلال الروسي، ونقلهم إلى مناطق أخرى داخل أراضي الدولة العثمانية». وأضافت: «مع أن الحكومة العثمانية، خططت لتوفير الاحتياجات الإنسانية للمهجّرين، إلّا أن عدداً كبيراً من الأرمن فقد حياته خلال رحلة التهجير بسبب ظروف الحرب، والقتال الداخلي، والمجموعات المحلية الساعية إلى الانتقام، وقطاع الطرق، والجوع، والأوبئة». ويوضّح التقرير أن «الوثائق التاريخيّة تؤكّد عدم تعمّد الحكومة وقوع تلك الأحداث المأسوية، بل على العكس، لجأت إلى معاقبة المتورطين في انتهاكات ضد الأرمن أثناء تهجيرهم، وجرى إعدام المدانين بالضلوع في تلك المأساة الإنسانية، على رغم عدم وضع الحرب أوزارها».
تجب الإشارة إلى أن الرئيس التركي أردوغان، والمسؤولين الأتراك، يطالبون أرمينيا بتشكيل لجنة مشتركة لبحث القضية ودراستها من كل جوانبها، حيث قال أردوغان: «أحضروا معكم الوثائق والمستندات التي بحوزتكم وتعالوا لكي نؤسس لجنة مشتركة، تقوم بدراسة القضية وتقويمها من جميع جوانبها، والوصول إلى ذاكرة مشتركة وموضوعية وعادلة، لنواصل بعد ذلك مشوارنا نحو المستقبل».
في حين دعت وزارة الخارجيّة الأميركيّة على لسان المتحدّثة باسمها، ماري هارف، إلى اعتراف «صريح وكامل وعادل بمذابح الأرمن». وأشارت إلى أن الرئيس الأميركي ومسؤولين آخرين كباراً، «أقروا غالباً بأن ذبح مليون ونصف المليون أرمني أو اقتيادهم إلى الموت في نهاية الإمبراطوريّة العثمانيّة هو واقعة تاريخيّة معربين عن أسفهم لذلك». وتابعت أن «اعترافاً كاملاً وصريحاً وعادلاً بهذه الوقائع يصب في مصلحتنا ومصلحة تركيا وأرمينيا وأميركا».
ويرى مراقبون أن اختيار المسؤولين الأتراك يوم 24 نيسان للاحتفال بمئويّة معركة الدردنيل، الهدف منه تحوير الأنظار عن الاحتفال بمئوية المذابح الأرمنيّة التي ستشهدها أرمينيا. لذا، وجّهت مجموعة من المنظمات الحقوقيّة والشبابيّة في تركيا وبعض النشطاء، نداء إلى زعماء العالم بالتوجّه إلى أرمينيا وعدم المشاركة في الاحتفاليّة التركيّة.
الرواية الأرمنيّة
موقف جمهوريّة أرمينيا وكل الجماعات السياسيّة والثقافيّة الأرمنيّة في تركيا والشرق الأوسط والشتات، يمكن تلخيصه بما نشره الموقع الإلكتروني لملحق «أزتاك» للشؤون الأرمنيّة، حيث يقول: «المذابح التركيّة بحقّ الأرمن والسريان والآشوريين عام 1915 تشير إلى القتل المتعمّد والمنهجي من جانب الإمبراطوريّة العثمانيّة خلال الحرب العالميّة الأولى وبعدها. وقد تم تنفيذ ذلك من خلال المجازر وعمليات الترحيل، والترحيل القسري، وهي عبارة عن مسيرات في ظل ظروف قاسية مصممة لتؤدي إلى وفاة المبعدين. يقدّر الباحثون أن أعداد الضحايا الأرمن تتراوح ما بين 1 مليون و 1.5 مليون نسمة. ومجموعات عرقية مسيحية أخرى تمت مهاجمتها وقتلها من جانب الإمبراطورية العثمانية خلال هذه الفترة كالسريان والكلدان والآشوريين واليونانيين وغيرهم. يرى عدد من الباحثين أن هذه الأحداث، تعتبر جزءاً من سياسة الإبادة نفسها التي انتهجتها الإمبراطوريّة العثمانيّة ضد الطوائف المسيحيّة». انتهى الاقتباس. ويرى الأسقف أشود مناتسكيان، مطران الأرمن الأرثوذكس في مصر أن «مذابح الأتراك ضد الأرمن حرب عرقية وليست دينيّة».
الرواية الكرديّة
تتهمّ جهات وشخصيّات الأرمنيّة الكرد في شكل عام بالضلوع في هذه المجازر، وتبني اتهامها هذا على وجود بعض القبائل الكرديّة ضمن الفرق الحميديّة التي أسسها السلطان عبدالحميد (1842 – 1918) وضمّت الكرد والعرب والشركس، واللاز، والألبان. ويرى الكاتب والباحث الكردي جلال زنكابادي في كتابه «جينوسايد الأنتلجنسيا الأرمنية» أن هذه الألوية شكّلها عبدالحميد في مطلع صيف 1891 من القوميّات غير التركيّة: الألبان، الشركس، الكرد والأرمن؛ بحجّة «تأديب العصاة» وقمع «حركات التمرّد»، وكان ذلك يعني قمع انتفاضات الكرد والأرمن وشعوب البلقان وثوراتهم. وبلغ مجموع الألوية الحميديّة نحو 100 – 110 آلاف فارس، يشكّلون 200 أورطه = كتيبة، مؤلّفة من 500 – 550 فارساً. وكان القسم الكردي يبلغ قرابة 10 آلاف فارس، أي عُشر الألوية الحميديّة، وليس معظمها، كما أشاعت الأوساط الشوفينيّة المعاديّة للأمّة الكرديّة، ولم تكن تابعة لأيّ حزب أو تنظيم سياسي كردي». ويضيف الباحث: «قويت شوكة الألوية الحميديّة، ومارست عمليّات قمع ضد الأرمن والكرد وغيرهم، بل غدا الترك أنفسهم يخشون سطوتها وبطشها! وشاركت في حملة إبادة الأرمن خلال (1894 – 1896) وحتى في تلك الحملة، أنقذ الكرد الكثير من الأرمن، ومنهم إبراهيم باشا ملّي (الكردي) الذي أنقذ حياة قرابة عشرة آلاف أرمني، في حين كان من أقوى قادة الألوية الحميديّة آنذاك، وقد تكرر ذلك أثناء مذابح 1915».
ووفق الباحث زنكابادي، فإن الإبادة «لم تقتصر على الأرمن حصراً، وإنّما شملت الكرد واليونانيين والآشوريين. ولو لمْ تنهزم السّلطنة العثمانيّة في الحرب، لفعلت الشيء نفسه بالعرب». كاشفاً التورّط الغربي في هذه المذابح بقوله: «يُعَد ظهور المسألتين الكرديّة والأرمنيّة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر من أعظم التحدّيات التي واجهت الإمبراطوريّة العثمانيّة الآيلة إلى الانهيار، إذ زادت الدول العظمى احتدام الصراعات الدائرة بين الكرد والأرمن والترك، وبين الأرمن والكرد؛ باتّجاه يحقق مآربها. ودعمت وسائل دعايتها الأرمن، بلْ بالغت في ترويج مشاهد مظالم العثمانيين وعسف المسلمين وبربريّة الشعب الكردي! ولعبت ألمانيا، وروسيا القيصريّة، وبريطانيا، والنمسا، وفرنسا وإيطاليا بسياساتها المنافقة واتفاقاتها السرّيّة ومعاهداتها العلنيّة، لعبت أخبث دور في احتدام المسألة الأرمنيّة والبلايا التي أصابت الشعب الأرمني؛ لضمان مصالحها السياسيّة والاقتصاديّة. فجاء ردّ فعل السلطنة العثمانيّة شديداً، إذْ نفّذ السّلطان عبدالحميد الثاني صاحب المقولة الشهيرة: «إنّ التخلّص من المشكلة الأرمنيّة، يكون بالتخلّص من الأرمن أوّلاً»! نفّذ حملة إبادة في (1894 – 1896) ناف عدد ضحاياها على 300 ألف أرمني. وتلاه رد فعل حكومة الاتحاد والترقّي في 1913 بكل فصاحة في تصريح موجّه إلى النخبة السياسيّة الأرمنيّة: «أيّها الأرمن! إذا لم تكفّوا عن المطالبة بالإصلاحات، فسيصيبكم شيء، بحيث ترون مذابح عبدالحميد بالمقارنة معه، لعب أطفال». في حين كان الأرمن أبرز حلفاء الاتحاد والترقّي في الثورة على السلطان عبدالحميد، بلْ كانوا أصدقاء يقدّمون الدعم لبعضهم بعضاً في الانتخابات». ويذكر زنكابادي: أنه «في ليلة 24 – 25 نيسان 1915، قامت سلطات حكومة الاتحاد والترقّي الطورانيّة باعتقال 235 مثقفاً من خيرة أعيان الشعب الأرمني، في إسطنبول وزجّتهم في السجون، ثمّ نقلتهم إلى الأناضول. وزاد العدد إلى قرابة 600 معتقل في الأيّام اللاحقة. ولمْ ينجُ منهم سوى 15 شخصاً من القتل. وعند ذلك قصد فارتكيس، عضو البرلمان التركي الذي كان لا يزال طليقاً، صديقه الحميم طلعت باشا وزير الداخليّة، ليستفسر منه عن حقيقة الأمر، فأجابه طلعت بكل صراحة: «في أيّام ضعفنا، حاولتم خنقنا بمطالبتكم بالإصلاحات الأرمنيّة، لذلك سنستفيد الآن من الظروف الملائمة التي نحن فيها، لكي نشتت شعبكم بطريقة تجعلكم لا تجرؤون على التفكير بالإصلاحات لمدّة خمسين سنة».
ترفض تركيا إطلاق صفة الإبادة الجماعية على أحداث 1915، وتصفها بـ «المأساة» لكلا الطرفين. وتقترح القيام بأبحاث حول هذه الأحداث في أرشيف الدول الأخرى، إضافة إلى الأرشيفين التركي والأرمني، وإنشاء لجنة تاريخية مشتركة تضم مؤرخين أتراكاً وأرمنيين، وخبراء دوليين.
ومع مجيء حزب العدالة والتنمية الإسلامي إلى الحكم في تركيا سنة 2002، خفّت حدّة التوتر بين أنقرة ويريفان. وفي تشرين الأول (أكتوبر) 2009، طرأ حدث مهم على تاريخ العلاقة بين الجارين اللدودين تركيا وأرمينيا، حيث وقع الجانبان في مدينة زيورخ السويسريّة على بروتوكولين من أجل إعادة تأسيس العلاقات الديبلوماسية وتطويرها. ووفق ما نشرته وكالة الأناضول التركيّة، فإنه من ضمن ما ينصّ عليه البروتوكولان، «إجراء دراسة علمية محايدة للمراجع التاريخية والأرشيفات، من أجل بناء الثقة المتبادلة وحل المشاكل الراهنة، فضلاً عن الاعتراف المتبادل بحدود البلدين، وفتح الحدود المشتركة»، إضافة إلى التعاون في مجالات السياحة، التجارة، الاقتصاد، المواصلات، الاتصالات، الطاقة والبيئة، وتطبيع العلاقات بين البلدين. أرسلت الحكومة التركية، البروتوكولين إلى البرلمان مباشرة من أجل المصادقة عليهما، فيما أرسلت الحكومة الأرمنية، نصيهما إلى المحكمة الدستورية من أجل دراستهما، وحكمت المحكمة أن البروتوكولين لا يتماشيان مع نص الدستور وروحه. وبررت المحكمة قرارها بإعلان الاستقلال الذي ينص على مواصلة الجهود من أجل القبول بالإبادة الجماعية في الساحة الدولية، والذي يعتبر شرق تركيا جزءاً من الوطن الأرمني، تحت مسمى أرمينيا الغربية».
وعلّقت أرمينيا المصادقة على البروتوكولين، في كانون الثاني (يناير) 2010. وبعد 5 أعوام سحبتهما من أجندة البرلمان، في شباط (فبراير) المنصرم.
الحياة