سوريا والبحث عن الأنتماء الصحيح
كاوا عيسى
لا يجد الدارس لسير الاحداث المستمرة في سوريا خلال سنوات الثورة، صعوبة في تلمس خروج سوريا بمفهومها كدولة ومجتمع من حالة حتمية الانتماء العربي، حيث ان مرحلة مهمة من تاريخ سوريا القريب كان قد صبغ بمفاهيم الامة العربية الواحدة وذات الرسالة الخالدة، والتي دأب الداعون إليها على صهر شعوب وبلدان المنطقة، في بوتقة وطن عربي يمتد من المحيط الى الخليج، وبذلك تدخل سوريا في اشكاليات الانتماء القومي او المذهبي او الطائفي، حيث تفصح حالة المخاض العسير التي تمر بها البلاد عن انشطار المجتمع السوري افقيا بين فئات ومكونات لم يعد يجمعها ظاهريا سوى اشتراكها في ازمة واحدة، تؤكدها المناقشات والخصومات والتساؤلات ذات الخلفيات القومية او الدينية او الطائفية، التي يديرها مجموعات من المثقفين والساسة المتوزعين فكريا من اقصى اليمين الى اقصى اليسار، والمراهنين على ان طموحاتهم وآمالهم قد اصبحت امرا مؤكدا او محتملا بنسبة امكانية حدوث كبيرة.
وهذا ما بتنا نراه جليا في كافة الطروحات المستقبلية لسوريا سواء المعلن منها او المضمرة، والمقدمة من قبل كل مكون سوري كطروحات العرب السنة أو العلويين أو الكورد أو الدروز أو غيرهم، فرادى كانوا أو مجتمعين كما في حالة مواثيق هياكل المعارضة المختلفة والمتخالفة بين الداخل والخارج والاعتدال والتطرف.
ويمكن تعميم حالة انشقاق المجتمع السوري على المستوى الشعبي ككل، هذا الانشقاق الذي بات يؤسس لتصورات العيش المنفصل، ولاسيما لدى أولئك الذين عانوا في مراحل سابقة من تاريخ سوريا من حالات القهر القومي او التمييز الطائفي والمذهبي، وزادهم تخوفا وتمسكا بمواقفهم، بعض الممارسات التي تمت بحقهم في عهد الثورة سواء سياسا او عسكريا او حتى على مستوى الفكري من قبل الفئات الاخرى الشريكة معهم بنفس الوطن.
ومما لاشك فيه ان هذه التصورات ترتكز في بنائها على الكثير من الحقيقة، وذلك لان نظام الاستبداد والظلم والتسلط والفساد في سوريا، لم يترك اية ابواب مفتوحة امام مكونات سوريا سوى باب الاخضاع المنظم لفكر البعث، والممارس ترهيبا وارهابا، والذي أدى لتكون مجتمع مشوه فكريا وثقافيا وفاقد القدرة على التكامل والتشارك في الحياة السياسية، وبالتالي فان اي عمل لعكس هذه المعادلة وهذه التصورات لايمكن ان ينجح الا بدمقرطة السلطة التي سوف تقود البلاد اثناء وبعد عبورها للنفق المظلم الذي تعيشه الآن كشرط اساسي لاستمرار مفهوم الدولة في سورية، او الذهاب باتجاه الحالة المناقضة (اللادولة) والتي قد تتعدد الآراء بشأن السيناريوهات المحتملة لها.
ان منهج التوحيد بالطريقة الديمقراطية قد يحتاج الى المرور بعدة مراحل ابتدائية، تبدأ اساسا من مكونات سوريا العرقية والطائفية والمذهبية أنفسهم، فلا يخفى ان لكل مكون سوري اشكالياته الخاصة المتعلقة بممارسة السلطلة ومفاهيم الديمقراطية والمشاركة، والتي تنعكس بكل تأكيد على عموم سوريا، وعملية التوحيد هذه ستنتهي في حال نجاحها، بالوصول الى حالة المجتمع السياسي القادر على ادارة شؤونه بالاتفاق والتوافق المبني على الوعي السليم لكافة متطلبات السوريين وطموحاتهم ومخاوفهم المشروعة، وتجاوز حالات الانغلاق والتعصب والانقسام.
وبذلك يمكن القول ان كل مكونات سوريا مدعوة للبحث عن حلول للمسائل العالقة والمطروحة، وفي مقدمتها مسألة الانتماء التي كانت احدى الاسباب الرئيسة لتمزيق الثورة وتفجيرها من الداخل، وهذه المسؤولية جماعية لابد من قيام كافة النخب بأدوارها تجاهها، والا فان مرحلة عنق الزجاجة الراهنة والتي تمر بها سوريا حاليا، قد تمتد لآجال تفوق قدرة الجميع على الاستمرار وانتظار الحل الذي قد لايأتي و أن أتى فسيكون شبيها بحالات كثيرة في المنطقة المتخومة اساسا بأشكاليات الانتماء والتعايش المشترك.