سورية هوية عربية أم هوية سورية؟
هيئة التحرير
– الثورة السورية، رغم مآلاتها المختلفة وتحولاتها التراجيدية نبشت في كثير من الأفكار والمصطلحات التي كانت ممنوعة من التداول، وتراكمت عليها الغبار، فأعادتها إلى السطح والنور، كما طرقت الأبواب المحرمة والمغلقة منذ عقود، مثل الهوية السورية، واللامركزية، والفيدرالية.
ففي الآونة الأخيرة أصبحت الهوية السورية، قضية سياسية ودستورية، وأخذت إشكالية عروبة سوريا تأخذ حيزاً واسعا في فضاء النقاشات والصراع الثقافي، ومحل البحث والتنقيب بعد عقود من الإستبداد، وعشر سنوات من الأزمة السورية، وعشرات المؤتمرات التي بحثت في حل الأزمة السورية على أساس رسم خارطة جديدة لسوريا ومن أجل بناء دولة وطنية ديمقراطية ، مدنية، تعددية…، هذا النقاش بحد ذاته، يؤكد أن مسألة عروبة سوريا كانت في الأصل دخيلة على الكيان السوري- وليست أصيلة – الذي تأسس بعد سقوط الخلافة العثمانية، وهيمنة الفكر العروبي الإسلامي على سوريا بعد الاستقلال ، حصل هذا النقاش بشكل جدي في الإجتماع الأخير للجنة الدستورية السورية، عند مناقشة المبادئ الدستورية، والرد المباشر من الرئيس السوري على هذه المداولات في لقائه مع مجموعة من رجال الدين الإسلامي، حيث ركز على سوريا واحدة ذات لون واحد، عربي، ضارباً التعددية التي تتميز بها سوريا عرض الحائط ، وكذلك الردود التي حصلت في أعقاب هذا اللقاء من المكونات العرقية السريانية والكردية والاشورية وغيرهم، مما جعل هذا الموضوع حديث الساعة على الصعيد السياسي والثقافي والتاريخي، ومما يؤكد أن الشعب السوري المتعدد القوميات والأعراق مع مرحلة جديدة في كسر الحواجز والخطوط الحمراء في الثقافة والسياسة التي احتكرتها السلطات الشمولية المتعاقبة على سدة الحكم في سوريا بعد الاستقلال.
إن البحث في الهوية السورية تاريخياً، قد يكون معقداً، واغراقا في التفاصيل التاريخية والديمغرافية التي لا تنتهي، ولكن من المؤكد أن سوريا كان موطناً لشعوب متعددة من سريانية وآشورية وآرامية وفينيقية وكردية وعربية قبل الحكم الإسلامي ، ولا يمكن إدعاء عرقية سورية واحدة ، هذه البلدان كانت تعيش فيها شعوب أخرى غير العرب، وإلا لماذا دخلها المسلمون العرب فرضوا دينهم وثقافتهم عليها و بذلك تعربت المنطقة، كما إن العصر الحديث وتاريخ الشعوب الحديثة تبنى على أساس الهويات الوطنية لا الهويات العرقية أو الدينية، ولأن العلمانية والليبرالية بدأتا تترسخان وتتجذران في ثقافة معظم شعوب العالم، فأصبح المعيار هو الوطن لا الدين و لا القومية.
من كل هذا ننطلق في إثارة السؤال ، لماذا سوريا عربية؟.
هناك فريق واسع يقول ان سوريا عربية انطلاقاً من اللغة العربية، والناطقين بها، أو قدسنتها بأنها لغة القرآن، ولكن متى كانت اللغة هوية وطن حتى إذا كان الناطقون بها أغلبية مطلقة؟ .
مثلاً ، الأمريكيون يتكلمون اللغة الانكليزية فهل أمريكا هي الولايات المتحدة البريطانية؟ الدول الفرانكفونية لا تقول نحن فرنسيون، البرازيل التي تتكلم البرتغالية لا يقول شعبها، نحن برتغاليون، كل الدول التي انفصلت عن روسيا السوفيتية تتكلم اللغة الروسية، وتبنت لغاتها القومية أيضاً، لكنها لاتقول نحن روس، في النتيجة الهوية تتعلق بالأرض ، وليست باللغة.
هل الدين هوية وطنية؟
وذاك الفريق يقول أيضاً ان العروبة والإسلام لا ينفصلان، رغم أن العروبة سابقة على الإسلام!!!
ولكن كما نعلم أن كثير من البلدان تتبنى العقيدة الإسلامية، ولا تقول نحن عرب، فهل تدعي إندونيسيا العروبة وكذلك إيران وباكستان؟ .
لا توجد دول دينية بل أوطان فيها ديانات وأعراق وطوائف ولغات متعددة.
هل الإستيطان، أو الاستعمار، أو الفتح أو الغزو العربي الإسلامي -سمي كما شئت – لبلاد الشام، تمنح هوية عربية لسوريا؟. إذا كان ذلك وارداً، فيمكن أن تسمي سوريا، بسوريا الرومانية، وسوريا العثمانية، أو سوريا الفرنسية أو تسمي إسبانية، إسبانية العربية…هذه وغيرها من المرتكزات تؤكد أن سوريا كيان متعدد القوميات والاعراق والطوائف والأديان، ولا يجوز لأحد أن يدّعي أن هذا البلد ” مطوّب” باسمه وينكر تاريخه الفسيفسائي الجميل ويدون لنفسه تاريخاً بحكم القوة والغزو والأكثرية الناطقة باللغة أو الأكثرية الدينية، سوريا يجب أن تكون للجميع على قاعدة اللامركزية والتعددية والهوية الوطنية الشاملة.
في الختام : إذا كانت الثورة السورية فشلت حتى الآن، من التغيير الديمقراطي في شكل الحكم في سوريا، إلا أنها نجحت في كسر المركزية المفرطة في السياسة والثقافة والحكم ، وكسرت كثيرا من القيود والمحرم، فباتت الناس على مختلف مشاربها يتحدثون عن اللامركزية والفيدرالية والهوية الوطنية، وحقوق القوميات والطوائف والأديان المختلفة في سوريا، التي هي على مفترق الطرق، ولا بد أن تفضي إلى طريق جديد على أساس الحرية والعدالة الديمقراطية.
المقال منشور في جريدة يكيتي العدد “281”