شتان ما بين البارزاني وقادة الأحزاب الكوردية
برزان شيخموس
مع بدء العدّ التنازلي للاستفتاء على استقلال كوردستان والمقرّر إجراءه في الخامس والعشرين من شهر أيلول المقبل من قبل رئاسة إقليم كوردستان، قرأنا وسمعنا الكثير من التصريحات والأحاديث المنسوبة للرئيس مسعود البارزاني والتي تدعو إلى الإصغاء والتمعن لدرجةٍ بعيدةٍ لما فيها من دروسٍ وِعبرٍ من شخصيةٍ قياديةٍ افتقدها الكورد منذُ حين.
لربّما هذه التصريحات لم تكن محض مفاجأةٍ أو استغرابٍ لدى الكثيرين الذين خِبروا هذه العائلة المناضلة والتي لها جذور متأصّلة في التضحية والنضال منذُ ثلاثينيات الألفية المنصرمة سواءً عن قربٍ أو من خلال قراءة بطولاتهم في كتب وأبحاث المستشرقين، أو سماع بطولاتهم ومواقفهم المشرّفة في أحاديث الأجداد ودواوين الشعراء ومن شفاه المُغنّيين، الأمر الذي هو من أحد خصالهم دون أدنى شكٍّ.
تلك التصريحات التي تمحورت معظمها حول استقلال كوردستان وإصرار وجديّة هذا القائد على متابعة المسيرة لخوض تجربة تاق لها الشعب الكوردي منذُ قرونٍ وهو يقدّم القرابين تباعاً لينال ما حازت عليه معظم شعوب المعمورة, في العيش ضمن كيانٍ يخصّه ويتمثّل بلغته ضمن مجاميع الأمم وبألوان رايته وبيارقه التي سالت تحتها دماء آلاف الشهداء قرابين لقضيةٍ حقّةٍ وكرامةٍ لم يرضَ أصحابها أن تكون مهدورة.
هذه المقّدمة غيضٌ من فيضٍ لموضوعٍ قيّمٍ يتمحور حول فقدان الكرُد لمثل هذه الشخصية والتي تمثل أيقونة يجب الاقتداء بها أينما يكن المرء، سواءً كان على رأس حزبٍ أو جمعيةٍ أو في شركةٍ أو مؤسّسةٍ أو حتى ربّ منزلٍ، خاصةً وكورد سوريا قبل جميع أقرانهم في الأجزاء الأخرى من كوردستان المقسّمة وباقي شعوب الدنيا يفتقدون لها، لما فيه من خصال وصفات القائد.. القائد ليس حسب منظور قادة ومشرّعي الأحزاب الكوردية والتي يرونها ألوهية تستوجب العبادة والتبعية، لما في نفوسهم من نرجسية كانت وستكون سبباً لفشل كلّ حراك هذه الأحزاب التي أجهضت الكثير من الخطط الهادفة للبناء والقيام بالتطوير للوصول إلى الثورة التي رأوا فيها الخلاص, تلك الشخصيات المتيقنة أن لا بديل لهم وأن التاريخ لن ينجب أمثالهم.
الرئيس البارزاني تصريحاته تدهش المتابع وبشكلٍ خاص الكوردي السوري ليس لأنه غير مطّلع على شخصية البارزاني وتاريخ عائلته بل لما أستسقي من علقمٍ على يد قيادات – سواءً كانت في مناصب ريادية أو ما دونها- تلخّص سعيها في طلب العبودية والتبعية من أنصارهم ومؤيديهم, على العكس من القائد الحقيقي والذي يُرى في شخص البارزاني اليوم والذي يُقدّم العبر تباعاً, خاصةً فيما أدلى به أمام ممثلي رجال الدين في كوردستان والمتلخّص بــ” إن نجح الاستفتاء فهو نجاحٌ لرجال الدين ومجدٌ لشعب كوردستان وفخرٌ لعموم الكورد في مشارق الأرض ومغاربها، وإن فشل الاستفتاء فهو فشلُ شخص البارزاني وهو سيتحمّل المسؤولية الكاملة”, وأخرى قال فيها أنه لن يترشح لمناصبٍ قياديةٍ بعد الاستفتاء لا شخصه ولا أحد أفراد عائلته وفي أخرى أوضح أنه إن فشل في مسعاه سوف يترك السياسة ويتفرّغ لحياته الخاصة.
كلّ ما سلف ليس نكايةً أو استشفاءً من أحد بقدر ما هو صراخٌ من جوفٍ يعتريه أوجاع وآلام اُثقِلت جراحه, وهو دعوة لقادة ورؤساء أحزاب فاضلة للاقتداء بهذه الشخصية التي تستحقّ أن يُطلق عليها قائد وزعيم وملهم أمة, ليكونوا على خطاه لعلّ هذا الشعب المكلوم في هذا الجزء الكوردستاني ينال ما يناله أقرانه المقبلين على الخطوة التاريخية أو بمعنى أدقّ خطوة الفصل بين وجود الكورد من عدمه، فالعدم هو سعي القادة لمناصريهم للتبعية دون أن يقدّموا هم التضحية والنضال بشخوصِهم قبل أيّ شيء ليكونوا مثالاً يقتدى بهم ويجمع من خلفهم الشعب التواق للحرية وليس بعض الانتهازيين الذين يدفعونهم نحو الهاوية لينالوا هم بعض الفتات، فالتضحية ليست بالضرورة أن تكون في جبهات القتال أو رمي النفس في غياهب سجون المستبد، إنما التضحية تكمن في تفضيل المصلحة العليا فوق المصالح الشخصية، وتكمن في إنقاذ الجمع على حساب الشخص من الهلاك والغرق في اليمّ لتواصل السفينة الإبحار إلى سمو الهدف، إن كان فعلاً همّهم ومبتغاهم إنقاذ الشعب وإنصاف قضيته.
مجدّداً المبتغى من كلّ هذا ليس للنيل من أحدٍ أو الطعن في أحدٍ أو للاستشفاء من أحدٍ .المبتغى أن تتمثّل شخصيات قادة أحزاب كوردستان سوريا في شخوص قادة حقيقين يمثلون شخصية البارزاني في جزئهم الكوردستاني، كما أن المراد ليس مدح وتبعية للبارزاني كونه بغنى عن كلّ ما سلف.
روداو