آراء

صمود لا يعرف حدوداً

تورين شمندين

في قلب جبال كُردستان، حيث تلتقي السماء بالأرض، وتتعانق الرياح مع آمال شعبٍ، تنبض روح امرأة كُردية لا تُقهر. هي التي لا تتراجع أمام أعتى الظروف، ولا تخشى أصعب التحديات. عيونها تحمل تاريخاً مليئاً بالدماء، لكنها مليئة بالأمل في نفس الوقت. هي التي وقفت على جبهات القتال في مواجهة الظلم، وحملت السلاح ليس فقط دفاعاً عن أرضها، بل أيضاً عن حلمها في حياة حرة وكريمة.

لقد أثبتت المرأة الكٌردية على مرّ الأزمان أنها ليست مجرد ظل في ظل الرجال، ولا مجرد جزء من المجتمع. هي قلبه، روحه، وعقله. هي التي حملت عبء المسؤولية عبر الأجيال، وساهمت في رسم معالم النضال. من البيشمركة التي قاتلت في الجبال، إلى الأم التي ربّت الأجيال على المبادئ التي لا تموت،

كانت المرأة الكُردية دائماً في طليعة المقاومة، تحمل راية الأمل في وجه أعتى التحديات.لكنّ صمود المرأة الكُردية لم يقتصر فقط على جبهات القتال. فقد حملت أيضاً على عاتقها مهمة تربية الأجيال وتعليمها قيم الحرية والكرامة. في كلّ منزل كُردي، كانت الأم هي المعلمة الأولى، وهي التي غرست في أطفالها حب الوطن والتضحية. عبر تعليم الأجيال ونقل تاريخ نضالها، كانت المرأة الكُردية تزرع بذور الأمل في قلوب الشباب، وتعدّهم للاستمرار في المقاومة في مختلف جوانب الحياة.

لقد فرضت الظروف الصعبة على المرأة الكٌردية أن تكون أكثر من مجرد صامدة. بل كان عليها أن تصبح رمزاً حقيقياً للمقاومة. فمن المعركة العسكرية إلى المقاومة الثقافية والاجتماعية، كانت المرأة الكُردية حاضرة في كلّ ساحة.

لم تكن هناك لحظة ضعف أو تراجع. في كل قتال، كانت تصنع من الألم حافزاً للمضي قدماً، وفي كلّ ضيق، كانت تخلق الأمل من رحم المعاناة.

وفي مجالات أخرى، كالتعليم والعمل المجتمعي، أظهرت المرأة الكُردية قوتها في بناء المجتمعات المحلية. رغم الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية، كانت المرأة دائماً في طليعة الساعين إلى تقديم الدعم النفسي والتعليم للأطفال والناشئة. هناك العديد من النساء الكُرديات اللواتي اخترن العمل في مجالات التعليم والصحة والإنسانية، محققات بذلك تقدماً حقيقياً في مجتمعهن.في كلّ مرحلةٍ من مراحل تاريخها، كانت المرأة الكُردية تقدّم نفسها نموذجاً يُحتذى به في الصبر والعزيمة. لا تقتصر قوتها على قدرتها على مواجهة التحديات اليومية فقط، بل على قدرتها على تحويل كلّ ألمٍ إلى فرصةٍ للثبات. في الحرب، كانت تشارك بشجاعة، وفي السلم، كانت تواصل تعليم الأجيال وتربية المجاهدين على مبادئ الثورة. مهما كانت الظروف قاسية، كانت المرأة الكُردية دائماً مستعدة لتحمل عبء الحياة بكرامة، ولتخوض المعركة بلا خوفٍ.

إلى كلّ امرأة كُردية، في كلّ زاوية من زوايا كُردستان، أقول لكِ: أنتِ التي تقفين على حدود الأمل، أنتِ التي تحدين الحياة بكلّ تفاصيلها، أنتِ التي تمسكين زمام مصيرك بيدك. لا تدعي الصعوبات تزعزعك، ولا المواقف القاسية تحبطك. لكلّ لحظة معاناة كنتِ فيها، هناك لحظة جديدة من القوة في انتظارك.

أنتِ مَن صنعتِ المجد بالأمس، وأنتِ من ستبني المستقبل في الغد.لكن التحدي الأكبر الآن هو تمكين المرأة الكُردية بشكلٍ أكبر في المجالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.

لا يكفي أن تبقى المرأة الكُردية رمزاً للمقاومة؛ بل يجب أن تكون أيضاً جزءاً أساسياً في عملية صنع القرار. يجب توفير المزيد من الفرص لها لتتبوّأ المناصب القيادية في المجتمع، وتكون جزءاً من الهيئات ، والمؤسسات، والشركات .

كما يجب توفير البرامج التدريبية التي تعزّز من مهاراتها في مجالات التكنولوجيا والإدارة والقيادة. فقط عندما نضمن لهذه المرأة حقوقها كاملةً، ونعزّز من فرصها في الوصول إلى المواقع التي تصنع التغيير، سنتمكّن من ضمان مستقبل أفضل وأكثر عدلاً.

لا تنتظري أن يأتي النصر من خارجك، بل اعلمي أنّ النصر يبدأ من الداخل.

لا تنتظري أن يأتي الآخرون ليعترفوا بكِ، بل اجعليهم يعترفون بحضورك في كلّ لحظة من لحظات المقاومة. قوتك تكمن في إرادتك التي لا تنكسر، وفي عزيمتك التي لا تعرف الضعف. أنتِ مَن تحدّدين مصيرك، وأنتِ مَن تقودين شعبك نحو الحرية.

كما تولد الطيور من البيض، تولد المرأة الكُردية من الرماد. كلّ صراع، كلّ ألم، وكلّ قهر كانت تمرّ به كان يعيد تشكيلها، ويبنيها من جديد. من تحت الركام، تقف المرأة الكُردية أقوى، وأكثر عزيمة. لا شيء يمكنه إيقافها، ولا أيّ قوة على وجه الأرض يمكنها أن تقهر إرادتها. هي التي تقف اليوم وتصرخ في وجه العالم: أنا هنا، أنا الجزء الذي لا يتجزّأ من هذه المعركة، ولن أظلّ صامتة بعد الآن.

لقد دفعت المرأة الكُردية ثمناً باهظاً في رحلتها، لكن ذلك الثمن لم يكن أبداً عبثاً. هي التي تجسّد الرمزية الحقيقية للحرية. من نضالها العسكري إلى دورها الثقافي والاجتماعي، كانت دائماً هي البوابة التي يعبر منها المستقبل.

هي التي زرعت بذور الأمل في كلّ زاوية من كُردستان، وهي التي ستستمرّ في دفع عجلة الحرية إلى الأمام.من يحاول أن يشوّه نضال المرأة الكُردية أو يقلّل من قيمتها، فإنه يجهل عمق تاريخها. فهي التي لا تقبل الاستسلام، وهي التي دائماً ما تخلق من كلّ تحدٍّ فرصةً جديدة للنهوض.

لن يستطيع أيّ أحدٍ أن يطمس حقيقتها، أو يحدّ من قدرتها على التأثير في مجرى الأحداث. هي التي لا تتوقّف عن النضال، ولا تعرف الفشل. هي التي ترفض أن تكون مجرد شاهد على التاريخ، بل هي مَن تصنعه، وتكتب سطور انتصاراته بكلّ عزم وقوة.

المجد للمرأة الكُردية التي لا تقهر، التي لا تعرف الحدود، ولا تقبل بالقيد.

هي رمز للحرية في كلّ زاوية من كُردستان، وصوتها لن يختفي، بل سيظلّ يردّد أصداء الثبات والإرادة.

المقال منشور في جريدة يكيتي العدد “327”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى