ضبط الأطراف في انتظار توجهات المركز
عبد الله كدو
الشعوب في دول الأطراف، الضعيفة، من بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، ظلّت منفعلة ، ولم تتحوّل إلى فاعلة لأسباب كثيرة، حيث كانت تترقّب أفعال دول المركز ، أي دول الغرب المتقدمة، فتتفاعل معها حيناً، وتتأقلم معها في أغلب الأحيان، ذلك دون أن تمتلك، تلك الشعوب، القدرة على المبادرة، ومحاولة إنتاج الفعل المؤثّر في دول المركز، وعليه ظلّت وظيفة السياسة لدى سلطات دول الأطراف، هي ضبط شعوبها، والحفاظ على نفسها ، بالتشاور والتوافق مع المركز ، وعليه عندما قامت ثورات الربيع العربي ضد أولئك الحكام، الذين تمّ دعمهم أو تمّ غضّ الطرف عنهم من قبل دولٍ في المركز.
و من الجدير بالذكر أنّ معظم متصدّري تلك الثورات من قادّتها ظنّوا بأنّ السبيل الأنجع لانتصار ثوراتهم هو سحب البساط من تحت أقدام أولئك الحكام، بالمضاربة عليهم لدى داعميهم ومؤيديهم من دول المركز، لكن لم يتحقّق ذلك في معظم الحالات، لأسبابٍ معينة، منهاأخذ دول المركز بمقولة ” الذي تعرفه أفضل من الذي ستتعرّف عليه”، حيث أنّ قادة تلك الثورات، في بدايات انطلاقتها، كانوا غارقين في الإحساس بنشوة الانتصار المتخيّل، ولم يشعروا بضرورة إرسال رسائل الطمأنة لمختلف مكونات المجتمع الدينية والقومية وغيرها، وخاصةً تلك المكونات التي كانت متخوّفة من خطاب متصدّري تلك الثورات ، و من جهةٍ أخرى لأنّ متصدّري الثورات كانوا في عجلةٍ من أمرهم، ولم يميّزوا – عملياً – الثورة عن الاِنقلاب، فمعظمهم كانوا ذاهبين لتحقيق النّصر، بأيديهم ،حصراً، لاستلام الحكم وممارسة القيادة، أي أنّ الغاية كانت تغيير الحكم ، لكن شرط أن يتمّ ذلك في أسرع وقتٍ، وتحت قيادتهم تحديداً، وبذلك لم يلتفت أولئك القادة المتصدّرين إلى مهمة إرسال رسائل واضحة لطمأنة سواد الشعب، وتهيئة الأرضية الصلبة للثورة، بدون وضع شرط تحقيق التغيير في زمنٍ قصير،غير متناسب مع سوية حضور السياسة في دول ربيع الثورات العربية، ومنها سوريا، التي كانت السياسة قد طُردت منها منذ عقود، إضافةً إلى سببٍ ثالث ، وهو السعي الحثيث لدى أولئك القادة لطرح الأفكار المعاكسة لتلك التي كان يطرحها الحكام، وعليه تمّ التركيز على الشعارات الدينية ؛،لأنهم يرونها معاكسة للعلمانية، طبعاً العلمانية التي تتمّ شيطنتها، من قبل البعض عن سبق إصرار، على أنها رافضة للدين، بعكس حقيقة العلمانية التي تحثّ على احترام الدين، بما لا يصطدم مع حريات المختلفين معه، نزولاً عند مبدأ ” المواطنة المتساوية الحقوق” حيث الانطباع بأنّ الحكام العرب في كلٍّ من سوريا و مصر و تونس و اليمن و السودان و ليبيا كانوا علمانيين، متناسين بأنهم كانوا ، قبل كلّ شيء طغاةً، لا يعترفون بالآخر، ذلك في س2عيٍ حثيث لتشويه مفهوم العلمانية التي أثبتت نجاعتها في جميع الدول المتقدمة التي انتهجتها، فالعلمانية الحقيقية، لا تعني سوى احترام الدين ،و اعتباره حرية شخصية للفرد مع الحثّ على ضرورة فصله عن الدولة، حيث لا توجد مجتمعات ينتشر فيها دين واحد أو قومية واحدة، فالعلمانية هي التي تنتهجها كلّ الدول الديمقراطية المتقدمة في العالم، وخاصةً الغربية منها في أوربا و أمريكا، أما “الديمقراطية” فلم يتمّ التركيز عليها ،من قبل قادة تلك الثورات، بحجة أنّ أغلبية المجتمع من أتباع الديانة الإسلامية، وبالتالي فإنّ عملية طرح شعارات الأكثرية، التي هي شعارات دينية إسلامية، إنما هي إحدى أهم غايات الديمقراطية، ولم يتمّ تحديد نوع “الديمقراطية “التي كانت تمرّ ككلمةٍ عابرة في سياق الإنشاء الاستطرادي، في بعض خطابات متصدّري الثورة، حيث لم يتمّ التأكيد على أنّ الديمقراطية المطروحة إنما هي تلك المستندة على مبادئ “المواطنة المتساوية” و “حقوق الإنسان” بمفهوميهما العالميَيْن، وهكذا تجد بأنّ السياسة، لدى السلطات في دول الأطراف، تتمثّل في متابعة وتحليل الأحداث التي تصنعها دول المركز، أو تتسبّب في صناعتها، عبر أدواتها أوحلفائها في الأطراف، حيث لا توجد حكومات، تُذكر ، تنبثق من اختيار شعوبها، وتنطلق وتخطّط وفق إرادتها الحرة في الأطراف، إنما تراها تمارس إدارة ضبط شعوبها والتحكم بها، في ترقب وانتظار القرارات، إن لم نقل التعليمات، التي ستصل من دول المركز، بشكلٍ مباشر أو عبر حلفاء ووُكلاء معتمدين في دول الأطراف .