“عدالة بالترقيع في سوريا”.. تقرير حقوقي يرصد أبرز النقاط العمياء في مساعي المحاسبة
أصدرت الشّبكة السوريّة لحقوق الإنسان والمعهد الأوروبي للحقوق الدستوريّة وحقوق الإنسان تقريراً مشتركا بعنوان (عدالة بالترقيع في سوريا)، حول الإنجازات والنقاط العمياء في مساعي المحاسبة.
ويهدف التقرير إلى تقديم نظرة عامة عن جهود المحاسبة في الشأن السوري منذ عام 2011، وأهم الفاعلين في هذا الملف، وقدّم تحليلاً للاتجاهات والتطوّرات الرئيسة وتقييمها، ورصد الثغرات الموجودة واستشراف ما قد يكون من تطوّرات مستقبليّة بغية الإسهام في المناقشات الجارية حول الشكل الذي يجب أن تكون عليه عمليات المحاسبة المستقبليّة.
ولفت التقرير إلى أنّ جميع مسارات المحاسبة للجرائم الدوليّة التي ارتُكبت على الأراضي السوريّة، بغض النظر عن الفاعلين المتورّطين في هذه الجرائم، لا بدّ أن تقام في دول أخرى. وذلك لأنّ إجراء تحقيقات حقيقيّة في هذه الجرائم سيبقى أمراً مستحيلاً ما دام النظام السوري الحالي باقياً في السلطة.
كما قال التقرير إنّه على المستوى الدولي فقد تكفّلت روسيا والصين بصدّ أي جهود لإحالة الملفّ السوري إلى المحكمة الجنائيّة الدوليّة، بالاستخدام التعسفي لحقّ النقض (الفيتو)، وأكّد أنّ موقفهما هذا لن يتغيّر في المستقبل. موضحاً أنّ ذلك أدى إلى تركيز جهود المحاسبة على دول خارجيّة، استطاعت تحقيق نتائج ملحوظة على صعيد السعي لإحقاق المحاسبة على الجرائم المرتكبة في سوريا باستخدام مبدأ الولاية القضائيّة العالميّة.
وأضاف التقرير أنّ العديد من السلطات في أوروبا قامت بفتح تحقيقات هيكليّة على أساس الولاية القضائيّة العالميّة بخصوص الصراع في سوريا منذ وقت مبكّر من الأزمة، بل إنّ بعضاً من هذه التحقيقات قد تمّ فتحها في ألمانيا عام 2011، وسرعان ما تبع ذلك تحقيقاتٌ أخرى في السويد وفرنسا وهولندا.
وذكر التقرير أنّ هذا العمل شكّل فرصةً للمجتمع المدني السوري ليستمر في محاولته لتمكين نفسه والسعي لصون قيم عالميّة كالعدالة والمحاسبة ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا، على الرغم من نفيهم خارج بلادهم.
وأكّد التقرير أنّه ما زال هناك العديد من المجرمين المسؤولين عن ارتكاب جرائم خطيرة الذين لم تتعرّض لهم على الإطلاق أيٌّ من التحقيقات والمحاكمات التي أُجريت حتى اللحظة. ويخصّ ذلك إلى حدٍّ كبير الشركات (الغربيّة)، وأيضاً الدول المتنفذّة كروسيا وإيران.
وقال التقرير أنَّه لا يجب أيضاً إهمال أنّ حالات الجرائم الدوليّة، بحكم طبيعتها، تدلّل على وجود جرائم جماعيّة، حتى في حال تم توجيه التهم رسمياً إلى مرتكبي جرائم من الرتب الدنيا. فجرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانيّة، وجرائم الإبادة، كلها تنطوي على عنصر (جماعيّة)، كصراع مسلّح، أو هجوم واسع النطاق أو ممنهج على مجموعة من السكان، أو النيّة لتدمير مجموعة ما كلياً أو جزئياً، فيجب إثبات وجود كل ذلك، وهذا سيكون جانباً مهماً من أي محاكمة أو حكم صادر.
وذكر التقرير أنّه ليس هناك شكّ بأنّ نجاح جهود العدالة المبذولة في سوريا في إعمال نظام العدالة الدوليّة وتحقيق نتائج أوليّة مثيرة للإعجاب هو إنجازٌ كبيرٌ، حتى لو فشلت هذه الجهود حتى اللحظة في الوصول إلى المحكمة الجنائيّة الدوليّة، وكان كل ذلك بفضل الجهود المتفانية التي بذلها السوريون والسوريات، الناشطون والناشطات والمحامون والمحاميات، وأيضاً المنظّمات والدبلوماسيون ومنظّمات المجتمع المدني.
وبيّن التقرير أنّ الحصانة ضد الجرائم المرتكبة في سوريا لم تعد مطلقة، بل إنّ جدار الحصانة الذي احتمى به مسؤولو النظام السوري في ارتكابهم لممارسات التعذيب وغيرها من الجرائم قد بدأ بالتزعزع ولو أنّهم لا يزالون يرتكبون هذه الجرائم حتى اليوم. وهذه الحقيقة بحدّ ذاتها معجزةٌ للسوريين الذين اعتادوا على العيش في ظلّ دولة (ومسؤولين) لا تعرف سوى منطق السلطة المطلقة وليس فوقها سلطةٌ تردعها أو تحاسبها سوى زمرة الأسد.