عرض ودراسة في كتاب (للتاريخ) بقلم سروك مسعود بارزاني
د.إسماعيل حصاف
لاشك أن أهمية الكتاب، تكمن في أن مؤلفه سروك مسعود بارزاني، ليس فقط مشارك في الأحداث التاريخية وشاهد على الأحداث، بل هو منذ نصف قرن ونيف، يقف في مركز صنع القرار وأحد أهم الشخصيات السياسية الكردية في تاريخ الحركة القومية التحررية الكردية المعاصرة، وبالتالي يمكننا تصنيف كتابه ضمن الكتب الوثائقية المتميزة، مضمونا وعرضا وتحليلا، وسردا للوقائع وتبيانا لمواقف الجهات العراقية، والشرق أوسطية ولقوى دولية. الكتاب ثري بالمعلومات والطروحات ويعبر عن مأساة الشعب الكردي خلال مئة عام، وفشل محاولات الشراكة بين جنوب كردستان وبغداد، وفيه يكشف المؤلف ولأول مرة أسرار وخفايا تتعلق بالاستفتاء، من خلال سرد دقيق بتفاصيل الحدث، أسبابها ونتائجها. وعرض المتناقضات في سياسة القوى الكبرى وعلى رأسها سياسة الولايات المتحدة الأميركية. كما أن المؤلف يفضح وبالأدلة عقلية حكام بغداد تجاه القضية القومية الكردية قبل سقوط بغداد وبعدها. وتناول الكتاب اجتماع دوكان وخيانة جماعة السادس عشر من أكتوبر، ونتائجها على تطور الأحداث في كردستان وخاصة في كركوك والمناطق الأخرى.
وهدفي من نشر ملخص لأهم الموضوعات والأفكار الواردة في كتاب (للتاريخ)، هو ليتمكن كل من لم يتسنى له، من المهتمين، رؤية الكتاب وقراءته، الإطلاع عليه من خلال إسهامي هذا.
ففي مقدمة الكتاب يشير سروك مسعود إلى تاريخ الشعب الكردي، الذي “تعرض طوال السنوات الخمسمائة الماضية لمحاولات الانصهار والإبادة” (ص 10). ويضيف بأن “الدولة العراقية منذ تأسيسها إلى مرحلة ما بعد 2003 لم تقبل بشراكة ومشاركة الكرد… وبعد 2003،
وبعد انقطاع تام، لمدة (12) عاما عن الدولة العراقية، عاد الكرد بشكل طوعي إلى العراق، وشاركوا في بناء عراق ديمقراطي فيدرالي يضمن الدستور حقوق جميع الأطراف. لكن للأسف، في تلك الفرصة لم يتعظ الحكام الجدد في العراق من التاريخ، فأعادوا أخطاء الماضي، وأخذت الدولة الديمقراطية الفيدرالية طابعا طائفيا في ممارساتها وعملت من أجل تهميش المكونين (الكرد والسنة)… هؤلاء، بعد سنة 2005، وبعد ما ثبتوا أقدامهم في السلطة، تجاهلوا الدستور وأداروا ظهورهم للشراكة ومبادئ التوافق والتوازن. وخرقوا خمسا وخمسين مادة دستورية، وبخرقهم للدستور وعملهم بالروح الطائفية دمروا معاني وحدة العراق والإجماع الوطني”(ص 17- 18).
وفي حديثه عن تجزئة كردستان، بعد أن تناول المؤلف لمحة تاريخية عن معركة جالديران ومعاهدة زهاو وتقسيم كردستان بين الإمبراطوريتين، يشير إلى أن الفكر الاستقلالي كان راسخا عند القادة والرجال الكرد العظماء قبل سقوط الإمبراطورية العثمانية، فقد أعرب الشيخ عبدالسلام عن استعداده للذهاب مع الرحالة البريطاني (ويغرام) إلى بريطانيا للقاء مع رئيس كنيسة كانتربوري ليطلب منه بناء المدارس في قرى كردستان، وليزور بعدها الملك جورج ويبحث معه مسألة استقلال كردستان (22-23 ).
ولأول مرة، يسرد الكتاب معلومة جديدة ومهمة في تاريخ نضال الحركة التحررية الكردية وهي لقاء الشيخ عبدالسلام بارزاني مع القيصر الروسي نيكولاي الثاني في عام 1914(ص 23).
وحول تأسيس دولة العراق والسياسة البريطانية في هذا الشأن، يقول المؤلف:”وهكذا تم تصميم الأساس لدولة لم تشهد الاستقرار طوال مئة سنة”(ص 27). وفي أعقاب مؤتمر القاهرة (1921) دعا الملك فيصل في رسالتين للمندوب السامي البريطاني في العراق، إلى ضم كردستان إلى العراق. وقد أجاب ونستون تشرشل وزير المستعمرات البريطاني على رسالتي الملك قائلا:”نحن وعدناكم بإنشاء دولة، وليست إمبراطورية، الكرد أمة يمتلكون جغرافيا خاصة، وحدودهم سلسلة جبال حمرين”(ص29).
بدلا عن العودة إلى العيش تحت ظل الحكم التركي. والكرد أنقذوا ولاية الموصل من أيدي تركيا، ولكن هل تذكر العرب هذا الأمر (ص30)، مع أن القضية الكردية كانت موجودة قبل تأسيس دولة العراق….، وتنصلت دولة العراق من الوعود التي أعطت للكرد في بداية تأسيسها(30).
يشير المؤلف إلى أن ثورة أيلول طوال تاريخها أصبحت ملاذا آمنا للمناضلين العراقيين، وجل جهود سيادة البارزاني كانت تصب في سبيل منع القتال وسفك الدماء، سواء خلال الحرب والهدنة وفي حالات اللاحرب واللاسلم، مقابل ماكان يتم اقترافه من جرائم ضد المدنيين الكرد…وكانت بغداد على الدوام تلجأ إلى التفاوض مع الكرد كتكتيك(ص 34). ومارست الحكومة العراقية عام 1965 سياسة الأرض المحروقة وتدمير البنية التحتية الاقتصادية لأهالي كردستان( ص 35).
وكانت اتفاقية 11 آذار 1970، أكبر مكسب من مكاسب ثورة أيلول، حيث اعترفت الدولة العراقية بأن الكرد شعب يعيش على أرضه…وكان ذلك نصرا عظيما للشعب الكردي في الأجزاء الأربعة الأخرى من كردستان ولقيادة الثورة والحزب الديمقراطي الكردستاني والبيشمركه الأبطال الذين ساندوا رئيسهم مصطفى البارزاني بالروح والقلب…. وبعد عام 1975، انفتحت الحركة التحررية الكردية في كردستان العراق نحو العالم الخارجي بشكل أوسع(ص 36 – 37).
وفي الكتاب يتم فضح سياسات التعريب المنظمة بالأرقام والأدلة القاطعة، الرامية إلى إبادة الشعب الكردي وصهره. الجهد الأول لتغيير ديموغرافية المناطق الكردستانية كان ضمن إطار سياسة الترحيل القسري وتعريب المناطق الكردستانية خلال مراحل مختلفة، وبعد استيلاء البعثيين على الحكم، دخلت خطط الترحيل والتعريب والتبعيث مرحلة واسعة وشديدة، في تلك المرحلة تعرضت 42% من أراضي كردستان لحملات الترحيل وتهجير السكان(ص 39)، ويتحدث الكتاب بالأرقام عن الأنفال والكيماوي وتدمير القرى والممارسات بحق الكرد الفيليين (يمكن مراجعة ذلك في ص39 -41).
وفي هذا الموضوع توصل المؤلف إلى الاستنتاج التالي، قائلا :”أن ما تم ذكره من جرائم مرتكبة ضد الكرد مثبتة في المئات من الوثائق التى تؤكد أن الجهود النظامية المبذولة من قبل دولة العراق طوال مئة سنة كانت في سبيل إبادة الشعب الكردي، وجميعها تدخل في باب الجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية”(ص 41).
وحول الانتفاضة، فقد كانت انتفاضة شعب كردستان في ربيع 1991، انعطافة تاريخية في حياة شعب كردستان. وفي الانتفاضة أظهر شعب كردستان نموذجا رائعا للأخلاق والثقافة العالية، حيث لم يمد يده للانتقام أبدا. بل على العكس من ذلك حافظ على حياة آلاف الجنود العراقيين الذين سلموا أنفسهم (ص42).
وعن مؤتمر المعارضة العراقية وسقوط النظام السابق، قرر مؤتمر لندن (14-15/12/2002)، أن عراق المستقبل سيكون عراقا ديمقراطيا برلمانيا تعدديا فدراليا (لكل العراق)،…كما دعا إلى إحترام الإرادة الحرة لشعب كردستان..(ص 46).
قبل إسقاط النظام العراقي السابق من قبل أميريكا، وقبل مؤتمر المعارضة العراقية في لندن، كانت كردستان كيانا شبه مستقل ولم يكن لها اية علاقة ببغداد(ص46).
تناول الكتاب موقف الشيعة عندما كانوا في المعارضة وكيف تغير وابعد استلامهم للسلطة؟، “حلفاؤنا الشيعة الذين بنينا معهم العراق الجديد، وبمجرد شعورهم بثبات أقدامهم في العراق، انخرطوا في عملية خرق الدستور وتهميش المكونات ومحاولة تقليل الوجود الكردي في مؤسسات الدولة…. لقد ظهرت علامات خرق الدستور في نقض الوعود والإتفاقات والتهرب من تنفيذ المادة الـ 140(ص48).
وفي الكتاب تم تقييم الموقف الأمريكي سلبا، وبهذا الصدد يقول المؤلف:”بناء على الوعود الأمريكية،تنازلنا مرات كثيرة عن حقوقنا، وشاركنا في العملية السياسية، لكنهم لمينفذوا وعودهم… وخلال قراءة المعادلات في العراق، في الغالب كان الأميركيون لايقفون على الطريق الصحيح، وعندما كانوا يخطأون كان لابد للكرد أن يدفعوا الثمن في أغلب الأحيان(ص 48- 49).
وحول قطع بغداد لرواتب موظفي كردستان، كتب يقول:”وعندما قطعت الحكومة العراقية في شهر شباط 2014 موازنة الإقليم، إضطر الإقليم إلى تصدير النفط. كان قطع الموازنة خطوة غير قانونية وغير دستورية وجريمة كبيرة لاتقل في بشاعتها عن جرائم القصف الكيماوي لأهالي كردستان من قبل النظام السابق، بل كانت أكبر من ذلك، لأن خطوة قطع الموازنة استهدفت جميع أهالي كردستان، ومن ضمنهم الأطفال الرضع(ص50).
يتضمن الكتاب معلومات مهمة كانت غير معروفة عن حرب داعش . بعد أن أحتل داعش مدينة الموصل في العاشر من حزيران 2014، تقدم بسرعة نحو وسط العراق وأقترب من بغداد.
ولكن بشكل مفاجئ غير إتجاه معركته نحو كردستان، وهاجم كردستان. أصبح هذا الموضوع سرا كبيرا من أسرار حرب داعش، لماذا هاجموا كردستان؟، هل كان ذلك الهجوم منسجما مع رغبات الكثير من الأطراف الشوفينية في المنطقة؟ أو اعتقدوا أن هجوم داعش سيكون خطوة لمنع إستقلال وتقدم كردستان. لكردستان موقع أستراتيجي وهو غني بثروات المياه والنفط، وربما كان ذلك سببا ليطمع فيه داعش ويحاول احتلاله(ص52). ويتابع المؤلف قائلا:”في أثناء الاستفتاء وأحداث السادس عشر من أكتوبر توصلنا إلى نتيجة مفادها أن الشوفينيين الذين ساعدوا داعش على النمو والأستقواء والتمدد، والذين دربوا الأعضاء المنتمين لداعش، والذين سلحوه وأمنوا له الممرات الإستراتيجية، وشجعوه على مهاجمة كردستان في ىب 2014، كانوا قد استخدموا داعش كسلاح لإيقاف ازدهار واستقلال كردستان(ص 53)… تم تسطير المئات من الملاحم البطولية، لقد تم تحرير كل شبر محتل من أرض كردستان من تحت سيطرة الإرهابيين بدماء الأعزاء والأبطال(ص 53).أرتكب داعش جرائم ضد الكرد الإيزيديين، جرائم تهز الضمير من جهة، وتظهر مدى حقارتهم وقذارة ايديولوجيتهم من جهة أخرى(ص 54).
وعن خيبة أمل الكرد من العراق الجديد، يقول سروك مسعود:”منذ العام 2010 أدركت أن العراق الجديد بعد 2003، يتجه نحو الهاوية والدكتاتورية… التجارب التاريخية لنا أن الانفصال القسري بين الشعوب، لا ينجح. وكذلك فإن الدمج الإجباري لا يثمر أيضا… دمج مكونات العراق مع بعضها بالقوة في القرن الماضي في دولة واحدة، تسببت بحدوث كوارث كبيرة…..هذه الأسئلة كانت قد تحولت إلى حديث يومي للكردستانيين والمراكز السياسية. لماذا لا نصبح جارين وأخوين بالتفاهم والتآخي، لكي نعيش إلى الأبد في سلام ووئام؟ لماذا لانصبح داعمين ومساندين لبعضنا. لماذا لا نصبح العمق الغستراتيجي والاقتصادي والأمني لبعضينا؟ ولماذا لانكمل بعضنا في مجالات التنمية والتقدم الاقتصادي والمجالات الأخرى كافة…(ص 59). وبالتوازي مع حرب داعش، لاحظنا للأسف وجودتيار يحاول إثارة الشارع العراقي ضد الكرد…(ص60). وفي هذه الظروف فقدنا الأمل بشكل قاطع في البقاء ضمن العراق، وأصبح من الضروري أن نتحدث بعلانية عن حقوقنا المشروعة التي هي الاستقلال والسيادة شعب كردستان يمتلك كل الأسس الرئيسة التي تؤهله لتكون له دولة أسوة بالشعوب الأخرى في العالم. ولكن يجب تطبيق ذلك الحق بالطرق السلمية والحوار مع بغداد والدول الأخرى في المنطقة والعالم. وكنا نعلم جيدا أن الحقوق إذا لم تؤخذ لا تمنح، وإن أنتظر كردستان لكي يقدم له الاستقلال على طبق من ذهب، فبالتأكيد لا يتحقق ما ينتظره أبدا(ص61).
بصدد زيارته إلى أمريكا وموضوع الاستقلال، كتب سروك مسعود قائلا:”في شهر أيار زرنا أميريكا واجتمعنا مع الرئيس باراك اوباما وجو بايدن الذي كان آنذاك نائبا للرئيس.قبل الزيارة اجتمعت مع جميع الأحزاب السياسية في كردستان، واستفسرت منهم، هل تفضلون التحدث مع الرئيس أوباما بشأن الاستقلال. جميع الأطراف استحسنت الفكرة وأيدت الحديث مع اوباما بخصوص استقلال كردستان(ص 63). ويضيف قائلا:”استقبلنا الرئيس اوباما يوم 5/أيار 2015 في البيت الأبيض، حضر اللقاء جو بايدن، نائب الرئيس الأمريكي، وكذلك سفير أميريكا في بغداد وعدد من المستشارين في البيت الأبيض. تحدثت للرئيس بصراحة متناهية عن معاناة شعب كردستان خلال مئة سنة، وقلت له، نحن اختبرنا كل الطرق، وأرهقتنا هذه الأوضاع. شعب كردستان يضحي منذ مئة سنة وحسب جميع القوانين والأعراف السماوية والإنسانية يحق له تقرير مصيره، وأن يمتلك قراره ويسلك السبيل الذي يراه جيدا.قلت له، نحن نخطو الآن نحو الاستفتاء ولكن الأولوية الرئيسة الآن هي لحرب داعش. بغداد لاتقبل الشراكة ونحن لا نستطيع القبول بأن نكون كتابع، إن استمرت بغداد على هذه السياسة ، نحن لا نستطيع الإستمرار معهم. لقد أصغى الرئيس أوباما جيدا لحديثى وقال:”قرأت حول الكرد وإني مطلع على تاريخ ونضال الكرد وماساة شعب كردستان، وإني أتفهم طموح شعب كردستان في الاستقلال. وأني سعيد أن أسمع منك بأن الأولوية الآن هي للقضاء على داعش”. كما قال الرئيس اوباما الملف الكردي عند نائب الرئيس جو بايدن، اجتمعوا معه وتحدثوا حول هذا الموضوع. في اليوم التالي 6 أيار 2015، كنت في ضيافة نائب الرئيس الأمريكي، اجتمعنا عدة ساعات، وتحدثنا بالتفصيل عن مئة سنة من التاريخ المشترك مع العراق وموضوع إستقلال كردستان. أستعرض جو بايدن وجهة نظر بلاده بشكل دقيق حيال استقلال كردستان والمشكلات والعقد في الشرق الأوسط. وفي نهاية حديثه قال:”أنا وأنت، نحن الاثنان، سنرى في حياتنا وبأعيننا استقلال كردستان”(ص 64-65).
وبعد العودة من أميريكا، يقول سروك مسعود، اجتمعت على الفور مع الأطراف السياسية الكردستانية، وتحدثت لهم عن نتائج الزيارة، وفي الاجتماع التاريخي الذي عقدناه في 18 أيار 2015 عبرت الأطراف الكردستانية عن تأييدها العلني الصريح لعملية الاستقلال”(ص65). وبعد شهر من ذلك الاجتماع، وعوضا عن العمل لأجل قضية مصيرية كالإستقلال، لاحظنا إنشغال بعض الأحزاب في برلمان كردستان بصناعة أزمة وتدبير إنقلاب…، وأثناء الإستفتاء شاهدنا وقوف بعض الأطراف بكل قوتها ضد الإستفتاء(ص 66).
يتحدث مسعود بارزاني عن زيارته إلى بغداد يوم 29 أيلول 2016 قائلا:”وأوضحت بصراحة للشخصيات الشيعية، أن الكرد بعد 2003 كانوا يعتقدون أن الدستور أساس للعملية السياسية والحياة الجديدة.ولكن للأسف حصل العكس، وأصبح الشيعي الذي يوصف بالنزيه والجيد يعادي حقوق الكرد. كان نصيبنا من الشراكة مع دولة العراق 4500 قرية مدمرة، و12000 مفقود من الشباب الفيليين، و8000 بارزاني مؤنفل و182000 من المواطنين الكرد المؤنفلين والآلاف من ضحايا السلاح الكيماوي. بعد 1991 وفي سبيل العراق وفتحصفحة سلام جديدة، جلسنا مع المجرمين وصافحنا الأيادي الملطخة بدماء شعبنا.في ذلك الوقت عندما جئت إلى بغداد، سرت وسط نهر من دماء شعبي نحو بغداد.والآن، وللأسف الشديد، بعد 2003 أقدم الشيعة الذين كانوا حلفاء للكرد على قطع أرزاق الكرد. قلت للقادة الشيعة،
نحن فشلنا في الشراكة خلال المرحلتين، ويجب أن نبحث عن طريق جديد للحل ونبني المستقبل على أساس آخر. تعالوا لنصبح أخوين وجارين حقيقين بالتفاهم. وما دمنا لا نستطيع أن نكون شركاء ندعوكم أن تفهموننا. وهناك تم أيضا تشكيل لجنة خاصة من قبل بغداد للحوار ولدراسة العلاقات المستقبلية…(ص68-69).
وما يتعلق بقرار الإستفتاء، ففي يوم الأربعاء المصادف 7 حزيران 2017، وخلال إجتماع تاريخي قررت رئاسة الإقليم والأطراف السياسية في إقليم كردستان وممثلوا المكونات في كردستان، قرارا تاريخيا وحددوا يوم 25 أيلول 2017 موعدا لإجراء الإستفتاء، بالتشاور مع المفوضية العليا للإنتخابات والإستفتاء في إقليم كردستان (ص 75). وفي اليوم التالي، وبالأمر الإقليمي ذي العدد 106 في 8 حزيران 2017، أصدرت أمرا إجراء الإستفتاء وتحديد 25 ايلول 2017 موعدا له. وكلفت المفوضية العليا للإنتخابات والإستفتاء بتنفيذ ذلك الأمر. كما تم في الأمر تعيين الحدود التي تشملها الإستفتاء في كردستان والمناطق الإدارية خارج إدارة الإقليم. وكان سؤال الإستفتاء بالشكل التالي:(هل تريد أن يصبح إقليم كردستان والمناطق الكردستانية خارج الإقليم دولة مستقلة). وتكون الإجابة على السؤال بـ (نعم أو لا) من قبل المواطنين) (ص78).
إجتماع سحيلا:
كان إجتماع ورسالة تيلرسون وزير الخارجية الأميركي، والإتصال الهاتفي لوزير خارجية بريطانيا، والإتصال الهاتفي للرئيس ماكرون رئيس فرنسا، من أهم التحركات الدبلوماسية في شهر أيلول 2017. وفي يوم الخميس 14 ايلول 2017 وفي مقر قيادة الحرب ضد داعش في سحيلا غرب دجلة، إجتمعت مع الوفد الذي ضم بريت ماككورك المبعوث الخاص للرئيس الأميركي إلى التحالف الدولي ضد داعش، ويان كوبيج المبعوث الخاص للسكرتير العام لمنظمة الأمم المتحدة، ودوكلاس سليمان سفير أميركا في العراق، وفرانك بيكر سفير بريطانيا في العراق(ص 87). الموضوع الذي أثار جدلا واسعا في وسائل الإعلام والمراكز السياسية خلال الأيام التي سبقت الاستفتاء والأيام التي تلته، هو رسالة وزير الخارجية الأميركي الموجهة لي، والتي ذكر فيها مجموعة من الأفكار والمقترحات مقابل عدم إجراء الاستفتاء. في الحقيقة، الرسالة لم تكن رسمية، بل كانت مسودة رسالة قام بإعدادها بريت ماككورك… بالنسبة لنا كانت الرسالة جيدة من ناحيتي الصياغة والمضمون، ولكنها كانت خالية من الضمان المطلوب لكي نستطع أن نعتمد عليها أو نثق بها، ولكي نتمكن عن طريقها إقناع شعبنا للتنازل عن حقهم الطبيعي المشروع. كان البديل المقترح في رسالة تيلرسون مبنيا على أساس التفاوض مع بغداد، وكان الموقف الأميركي هو دعم تلك المفاوضات.كان يمكن أن تصبح رسالة تيلرسون مبدأ يتضمن بديلا يقنع شعب كردستان للتنازل عن الإستفتاء. لذلك في الفقرة التي تحدثت عن تأجيل الاستفتاء لسنتين، وقالت إذا لم تفلح المفاوضات مع العراق، في حينه يجري شعب كردستان الاستفتاء، وأميركا (تحترم) نتائجه. طلبت من الحكومة الأميركية تغيير كلمة (تحترم) في الرسالة إلى كلمة (تدعم)، لكن الأميركيين أعفوا أنفسهم من ذلك، وقالوا لا نستطيع استعمال كلمة (ندعم). وأنا بدوري قلت لهم، إذا كنتم لا تستطيعون تبديل كلمة واحدة، كيف تنتظرون منا أن نقنع شعب كردستان لكي يتنازل عن الاستفتاء؟(ص88- 89).
كانت تلك الضغوطات متزامنة مع وعيد وتهديد دول الجوار والأطراف العراقية… وعندما وصلت الأمور إلى محاربة إرادة شعب كردستان وتجاهل عدالة رغباته عند ذاك،
قررنا إجراء الاستفتاء في موعده المقرر وليحدث ما يحدث، ولكننا لا نسمح بتحطيم إرادة شعبنا(ص 90). والأمر الذي أثار دهشتنا، هو تشابه كلام الجميع، في مجال معادة الحقوق المشروعة لشعب كردستان، كان هناك تنسيق وتناغم فيما بين أميركا وبريطانيا وإيران وتركيا والعراق، في ممارسة الضغوط الدبلوماسية والسياسية، كلامهم كان متشابها جدا، وجميعهم كانوا يطلبون التراجع(ص 90).
وعندما وضعت كركوك على خريطة الاستفتاء، كانت بناء على إلحاح وإصرار ذلك الطرف الذي تسبب لاحقا بأحداث السادس عشر من أكتوبر. يعني الذين سلموا كركوك، هم الذين كانوا قد قالوا في 7 حزيران 2017 يجب أن يجري الاستفتاء في كركوك أيضا(ص91).
الشعب أدلى بصوته: في صبيحة 25 أيلول 2017، توجه المواطنون في إقليم كردستان والمناطق الكردستانية خارج إدارة الإقليم، وللمرة الأولى في التاريخ وبصورة حرة وسلمية وبعيدة عن العنف والهيمنة والفوضى، نحو صناديق الاقتراع وأدلوا بأصواتهم. كان يوم الاستفتاء شبيها بالعيد (ص 95). وكان 92,73 من المصوتين قد صوتوا بنعم. كان ذلك انتصارا لإرادة الشعب في سبيل الوصول إلى الاستقلال(ص96).
ردود الأفعال العراقية:
بعد الاستفتاء بيومين، اصدر مجلس النواب العراقي، خلال جلسة واحدة، وبدون حضور النواب الكرد، ثلاثة عشر قرارا غير قانوني وغير دستوري ضد الإقليم، كانت تهدف جميعها إلى معاقبة أهالي كردستان بصورة جماعية(ص98). في أحد القرارات تم إلزام قائد القوات المسلحة بنشر القوات في المناطق المتنازع عليها في كركوك(ص 98). وقرر مجلس النواب إغلاق الحدود وفرض الحصار وتجويع أهالي إقليم كردستان(ص99).ووصلت تجاوزات العبادي إلى حد إغلاق مطارات الإقليم، وفي أحاديثه أستخدم عبارة شمال العراق بدلا عن الإقليم كما كان شائعا في عهد صدام(ص99).
السادس عشر من أكتوبر:
بعد نجاح الاستفتاء، كانت هناك بعض الأنباء المتعلقة بانشغال قسم من الإتحاد الوطني الكردستاني بعقد (صفقة) سرية مع الحشد في سبيل تسليم كركوك. وفي 12 أكتوبر سحبوا قسما من قواتهم من جنوبي كركوك، دون تنسيق مع وزارة البشمركه، بحجة الحاجة إلى وجود القوات في تلك المناطق بعد الحرب مع داعش. وفي 13 أكتوبر، وبأمر من مسؤول عسكري تابع للإتحاد الوطني الكردستاني أخلت قوات الإسناد الثانية قرية عبادات الإستراتيجية، بين كركوك وخورماتو، وبذلك وقع الطريق الرئيس بين كركوك وخورماتو تحت سيطرة الحشد الشعبي كما تم عزل البيشمركه الذين كانوا في المنطقة الواقعة بين داقوق وخورماتو. وتبين لاحقا ان عددا من الأشخاص من داخل الإتحاد، قد عقدوا الإتفاق دون علم المؤسسات والمجلس السياسي الأعلى وقيادة كردستان، بل أن عددا من أعضاء المكتب السياسي للإتحاد لم يكونوا على علم بذلك الإتفاق الذي تم بسببه تسليم كركوك إلى قوات الحشد الشعبي والإيرانية والعراقية(ص105). في اليوم التالي لإجتماع دوكان، في 16 أكتوبر 2017 وفي تجمع عدواني إقليمي، وتسهيل داخلي خياني، وتحت أنظار الأميركيين وبالأسلحة والدبابات الأميركية، قامت قوات الحشد بالتعاون مع عدد كبير من الحرس الثوري الإيراني بقيادة إقبال بور، بمهاجمة كركوك والمناطق المتنازع عليها. نحن كنا لا نتوقع أبدا مهاجمة قوات البيشمركه تحت أنظار الأميركيين وبالأسلحة الأميركية، كما كنا لا نتوقع أن تتجاوز قوة داخلية إرادة وصوت شعبها والمؤسسات في إقليم كردستان، لتتفق مع قادة الحشد في سبيل إحتلال أرض كردستان(ص106). وللمرة في التاريخ تم تحطيم دبابة ابرامز الأميركية بأيدي قوات بيشمركه كردستان، التي كانت تستخدم من قبل الحشد. ويمكن القول أن معركة سحيلا واحدة من أكبر الملاحم في التاريخ الحديث لشعب كردستان. تلك الخسارة غيرت المعادلات(ص109).
كلمة أخيرة: وبالتأكيد لو لم تمارس الخيانة في السادس عشر من أكتوبر ضد البيشمركه وأهالي كردستان، لكانت الأوضاع الحالية والمعادلات بشكل آخر(ص110).
والكتاب مزود بالملاحق والوثائق ومن ضمنها الأسس القانونية والدستورية لإستفتاء إقليم كردستان العراق، ونص البيان الختامي لمؤتمر المعارضة العراقية في لندنـ والوثيقة السياسية لضمان حقوق المكونات القومية والدينية في كردستان، وإعلان المبادئ الدستورية. وكذلك فهرست الأسماء والعناوين والأماكن، إضافة إلى العديد من الخرائط الإستراتيجية.