من الصحافة العالمية

على بشار الأسد أن يطمئن

حازم الامين

إنها المرة الخامسة التي يفوز فيها بنيامين نتانياهو بالانتخابات في إسرائيل، وهو بذلك تفوق على مؤسس الدولة ديفيد بن غوريون. المرة الأولى كانت في العام 1996، وتنافس خلالها مع زعيم حزب العمل في حينها شمعون بيريز الذي كان خارجا من حرب “شطبت وجهه” في لبنان. في حينها ارتكبت إسرائيل مجزرة قانا ومارس المجتمع الدولي ضغوطا هائلة على بيريز ليوقف الحرب. ويومها قال لي صديق كان في منزل رئيس الحكومة اللبنانية رفيق الحريري، إنه ما أن تناهت أخبار المجزرة إلى قصر الحريري حتى قال الأخير: “لقد ربحنا الحرب”، وأثمر هذا “النصر” ما سمي في حينها “تفاهم نيسان”، وأعقب ذلك هزيمة مدوية لبيريز في الانتخابات في إسرائيل!

وفي حينها أيضا كنتُ متوجها في رحلة عمل من مطار دمشق إلى طهران، وكان على متن الطائرة الإيرانية وفد كبير من مقاتلي حزب الله، الأرجح أنهم كانوا متوجهين إلى إيران للترفيه بعد حرب نيسان/أبريل. وما أن حطت الطائرة في مطار طهران حتى وصل خبر فوز نتانياهو في الانتخابات. المقاتلون، أعضاء الوفد، وبعد سماعهم الخبر احتفلوا في المطار بخسارة بيريز وبفوز نتانياهو.

اليوم كشفت نتائج الانتخابات الإسرائيلية مدى حاجة نتانياهو للهدية التي تلقاها من فلاديمير بوتين وبشار الأسد. التنافس بينه وبين بيني غانتس كان حادا، وجثمان الجندي كان دفعة ضرورية للتقدم. بوتين اقترع لـ”بيبي”، وكذلك الأسد. أما ما جرته الهدية على النظام في سوريا من صور لابتذال خطابه، فقد جرى امتصاصه بعد أقل من أسبوع على الواقعة الفضيحة. ذاك أن ذاكرة الخطاب المترنح بفعل الفضيحة لا تتسع لأكثر من أسبوعٍ من “الألم”. بشار الأسد عاد إلى موقعه في الصراع المتوهم، وصورته إلى جانب الأمين العام حزب الله حسن نصرالله لم تُنكس، والقول بأن المُستهدف بالاحتجاجات في سوريا منذ العام 2011 هو موقع سوريا من الصراع، عاد ليستقيم من دون أن يرف له جفن.

الانتخابات في إسرائيل لم تكن يوما شأنا في خرافة الصراع. إسرائيل خارج وعينا بها. واليوم هذه المعادلة تضاعفت. أثر الهدية يقتصر على سجال لا يمتد لأكثر من يومين، تترنح خلالهما كرامة المقاومة، ويصاب وجدانها ببعض الألم وبعض العتب، ثم تعود لتستقيم وكأن شيئا لم يكن. تستأنف “المقاومة” حروبها الأهلية، ويستأنف النظام قتله السوريين، ويستأنف بوتين ابتسامة تعكس استخفافه بأهل الممانعة وبثقافتها وخطابها. وفي هذا الوقت يفوز نتانياهو في الانتخابات، ويضمن بفوزه تمديدا لحروب خارج إسرائيل، وتعليقا للسلام وقضما لمزيد من الأراضي والمدن، وهذا ما لا يضير أهل الحروب الأهلية وأحزابها وأنظمتها، ذاك أن الرجل يقضم أرضا يبابا. إنها الجولان التي لا تفضي استعادتها إلى شيء، وهي الضفة الغربية التي سيعني ضمها رفعا لمنسوب “الصراع” بما يتيح مزيدا من الحروب ومن الاضطهاد ومن الموت.

لهذه الأسباب تماما اقترع بشار الأسد لنتانياهو. الأخير سيضمن عدم التعرض للنظام خلال قصفه المواقع الإيرانية في سوريا، لكنه سيضمن حقيقة أن الحفاظ على النظام صار جزءا من توازنات دولية. والأهم أنه سيضمن لخطاب النظام حول الصراع مع إسرائيل موضوعا هاما هو ضم الجولان وما يستتبع ذلك من تمديد لحال الحرب التي لن تقع بينه وبين تل أبيب.

ما جرى في سوريا قبل أيام من الانتخابات الإسرائيلية مذهل لجهة كشفه الفراغ والخواء الذي يكابده خطاب الصراع. ففي موازاة احتفال نتانياهو بقرار واشنطن الاعتراف بسلطة إسرائيل على الجولان السوري أقدم كل من بوتين والأسد على تقديم الهدية الثانية! فهل يمكن لإسرائيلي أن ينافس “بيبي” في الانتخابات؟

وهنا علينا أن نعود إلى المرة الأولى التي فاز فيها زعيم الليكود، أي إلى العام 1996، فمعادلة فوزه الأول تشكل ركيزة لفوزه الخامس. لا بد من هدية دموية تسبق الفوز. “النصر” الذي حققه لبنان في ذلك الوقت كان “تفاهم نيسان” الذي رسم خطوطا لقواعد الاشتباك في حينها، والثمن كان أكثر من مئة قتيل. في حينها قلنا لا بأس طالما أن “الصراع سيستمر”، واليوم أيضا ثمة نصر حققه بشار الأسد، ويتمثل بضمانات لعدم التعرض لنظامه. والثمن الرمزي كان جثمان الجندي، لكن الثمن الفعلي هو الجولان أيضا، ذاك أن تزامن الهديتين (الجولان والجثمان) ليس بلا دلالة.

لكن العدوى وصلت إلى إسرائيل أيضا، ذاك الأخيرة صارت تقترع على وقع نفس الخطاب. نتانياهو صار الحقيقة الأكثر ثباتا في تل أبيب لأسباب كثيرة لعل أهمها رقصه على وقع “انتصارات” تشبه انتصاراتنا. فأن تكون تل أبيب جزءا من ضمانات تعطى للنظام في سوريا، وأن تقترع إسرائيل لهذه الضمانات فهذا ما سيحدث تماهيا لا أحد يستطيع توقع تبعاته على الناخب في إسرائيل.

إسرائيل انتخبت نتانياهو للمرة الخامسة. فلاديمير بوتين انتخبه أيضا، وكذلك بشار الأسد، ناهيك عن الرئيس الأميركي دونالد ترامب. على إسرائيل أن تخاف من نفسها. وعلى الفلسطينيين أن يرتعدوا، وعلى بشار الأسد أن يطمئن.

Alhurra

جميع المقالات المنشورة تُعبر عن رأي كتابها ولاتعبر بالضرورة عن رأي Yekiti Media

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى