عن سورية التي لن تعمر إلا بعد خراب
هوشنك أوسي
ثمّة انتقادات شديدة لإدارة أوباما، من الأميركيين أنفسهم، ومن العرب، والسوريين خصوصاً، لجهة عدم اتخاذ قرار حاسم يتعلّق بمصير رأس النظام السوري، وإطلاق الحبل له كي يدّمر سورية، وأن ذلك فتح الباب على مصراعيه لرياح التطرّف والإرهاب والاحتراب الأهلي. وهذه الانتقادات في محلّها. وثمّة تحليلات كثيرة تناولت تباطؤ إدارة أوباما، بل تورّطها غير المباشر، في إطلاق يد الأسد، ومن خلفه إيران وروسيا، في المنطقة.
ويرى كثيرون أن أحد أبرز حوامل الموقف الأميركي «انعدام البديل» ضمن المعارضة السوريّة التي يمكنها الحلول محلّ نظام الأسد. ذلك أن فساد وتشتت وتخبّط قواها هي ما لا حاجة لشرحه. لكن صحيح أيضاً أن الغرب، وواشنطن تحديداً، لم تهتم بالمعارضة السوريّة ودعمها، حتّى في مراحل اشتداد الخلاف بين نظام الأسد الأب والغرب، في السبعينات والثمانيات، أو بعد وفاة حافظ الأسد عام 2000، ولا حتّى مع ارتكاب نظام الأسد الابن جرائمه في لبنان وفي العراق!. ذلك أنه لو كان إسقاط نظام الأسد الأب أو الابن نصب عين أميركا، لأعدّت العدّة لذلك، منذ سنوات، وهيّأت البديل، أو أعادت تأهيل المعارضة السوريّة لتكون البديل!. وهذا فيما المعارضون السوريون سقطوا في مستنقع المزايدة العروبيّة والوطنيّة على نظام الأسد، ورفضوا الاتصال بالغرب، لئلا يتمّ اتهامهم بأنهم كالمعارضة العراقيّة التي أتت إلى السلطة على متن الدبابة الأميركيّة. وهذا علماً بأن هذه المعارضة كانت تعلم أنه من عاشر المستحيلات الوصول إلى السلطة عبر صناديق الاقتراع!
وهذا ما يعني أن هذه المعارضة لم تكن آنذاك معارضة هدفها تغيير النظام والوصول للحكم، بقدر ما كان هدفها إقناع النظام بوطنيّتها، وأنها تستحق أن تشارك في السلطة وتكون جزءاً من النظام!. وهذا ما كان يرفضه نظام الأسد الأب، وما زال يرفضه نظام الأسد الابن.
وحتى بعد مرور سنة تقريباً على الثورة السوريّة، وتكشير الأسد عن أنيابه ومخالبه، كانت المعارضة السوريّة خجلة جداً من الإفصاح عن رغبتها في التدخّل الأجنبي الفوري والعاجل لإنقاذ البلاد والعباد من التوحّش الأسدي!. وبدأت المعارضة تجهر بهذا المطلب فقط «بعد خراب بصرة»، أي حين أصبحت القضيّة السوريّة في موقع ثانٍ أو ثالث أو رابع في مسلسل الاهتمام العالمي، بعدما استأثرت «داعش» و«النصرة» و«القاعدة» بجلّ تركيز واهتمام الغرب وواشنطن.
ويمكن النظر إلى المشهد من زاوية أخرى، قياساً بالوقت الذي استغرقه اقتلاع نظام صدام حسين. فجورج بوش الأب كان بإمكانه خلع صدّام عام 1991، بعد حرب تحرير الكويت، عبر تقديم الدعم الفوري والمباشر، العسكري والسياسي واللوجستي، للانتفاضة الشيعيّة – الكرديّة التي اندلعت في نفس العام، والحؤول دون ارتكاب صدّام المذابح بحقّ الشيعة والكرد العراقيين!. لكنه لم يفعل ذلك. إدارة بيل كلينتون أيضاً، وجّهت ضربات جويّة وصاروخيّة لنظام صدّام، ولكنها أبقته حاكماً للعراق وشعبه تحت رحمة الحصار المفروض عليه وعلى العراق الذي أهلك نحو مليون عراقي. كل ذلك وصولاً إلى آذار (مارس) 2003، وحلول ساعة الإطاحة بنظام صدّام إبان إدارة جورج بوش الابن.
وعليه، مخطئ من يقول إنه لو كان جورج دبليو بوش الآن في البيت الأبيض، لكان أطاح بنظام بشّار الأسد. ومخطئ من يقول إنه لو كان أوباما في البيت الأبيض عام 2003، لكان أبقى على صدام حسين. فالمسألة ليست أمزجة أشخاص أو أحزاب تقود أميركا، بل مقتضيات المصلحة السياسيّة والاقتصاديّة الأميركيّة بالدرجة الأولى.
غالب الظنّ أن السيناريو العراقي، لجهة التعاطي مع نظام صدّام، ينتظر نظام بشار الأسد أيضاً. مع اختلاف مدّة بقائه في مكانه. فمن غير المعقول أن تقوم الإدارة الأميركيّة ببدء تشكيل معارضة سوريّة مسلّحة (معتدلة) وتخصص لذلك برامج وموازنة، وفي الوقت عينه، تحاول الإبقاء على نظام الأسد، إلى الأبد، عبر عقد الصفقات مع ملالي إيران!؟. إذ لن تكتفي واشنطن بتحريك ملف المحكمة الدوليّة الخاصّة بلبنان، ولو على نار هادئة وحسب، بل ثمّة ملف جرائم الحرب التي ارتكبها نظام الأسد، خلال السنوات الأربع الماضية، مما يمكن تحريكه لملاحقة الأسد.
بتقديري، تنتظر سورية سنوات أكثر دمويّة وقتامة وبؤساً، ولن تنتهي هذه السنوات بإسقاط نظام الأسد، بحيث تكون سنوات الاحتراب الأهلي – الطائفي أشدّ وطأة من سابقاتها. وربما يلزم سورية نحو عقدين حتى تجد الأحوال طريقها إلى الاستقرار والخروج من هذا النفق الكارثي، الذي لا مناص منه. وبعد أن تتحوّل «سورية الأسد» إلى أكوام من الخراب والركام، قد يتمّ البدء بمشروع مارشال غربي – خليجي لإعادة إعمارها. والسؤال: كم من السنوات يلزمنا، وعبر كم مشروع مارشال سياسي، اجتماعي، ثقافي، تربوي ونفسي، حتى نعيد ترميم وبناء الأنسجة الوطنيّة والثقة والأمل بالتعايش الوطني المشترك بين المكوّنات التي تصارعت في مستنقعات الأحقاد والكراهيات على مدى سنوات؟!.
الحياة