عندما تتقاطع التحاليل مع الوقائع.. الأزمة السوريّة نموذجاً
ليلى قمر
بات واضحاً للعيان وفقاً لما آلت إليه النتائج العسكرية الأخيرة على أرض الواقع في جغرافية سوريا سايكس / بيكو والتي كشفت معها الدور الأهم لغرفة عمليات الموك في الأردن التي تشكلت بإشراف كلٍّ من أمريكا وروسيا والأردن ، وكان من الطبيعي أيضاً أن تظهر تلك النتائج عن براعة التخطيط ودقةٍ في التنفيذ ، أضف إليها سرية توزيع المهام سواءً بين التحالف من جهة ، والحلف المقابل لها والمتفرّع أيضاً بين روسيا وإيران وتركيا من جهة وبشكلٍ أو بآخر الحق أو اتبع النظام معها من جهة أخرى ، ومع بدء الانحسار الفعلي للعمليات العسكرية في مقاطع ومحاور عدة ، ووفق التراتبية المناطقية الأهم ، فتداخلت الإنتصارات كمفاهيم مع الانكسارات ، في عملية قصقصة واضحة لأجنحة وقوى عسكرية مختلفة ، استهدفت البند الثاني في خطة – جدول أعمال غرفة الموك – ، وهنا القصد هو بالتأكيد مفهوم خفض القوة الفائضة بعد انتفاء الحاجة لتلك القوة التي تنكشف يوماً بعد آخر بأنها أُوجِدت لتنفيذ مهام منوطة ومجدولة لا أكثر ، ومع انتفاء الحاجة المناطقية لها ، تمّ تكليفها بمهام أخرى ، كما حالة فصائل ما تسمى بالمعارضة المسلحة التي كانت في الجنوب ، حيث أُطّرت في تشكيل عسكري سمي بالفيلق الخامس تمركز في نطاق منطقة التوتر حول إدلب ومحيطها ، وهنا ، وفي العودة إلى الخارطة العسكرية الحالية ، خاصةً بعد إعلان القضاء على داعش ، والمآلات العسكرية التي تتجه إليها إدلب وريف حماة ومناطق من ريف حلب واللاذقية ، فإنّ كلّ التحليلات تودي بلا أدنى شك ، إلى أنّ تلك المنطقة ستُستهدَف عسكرياً على الرغم من وجود نقاط مراقبة تركية ، لابل أنّ كلّ المعطيات تدلُّ على أنّ تركيا هي من ستقدم التسهيلات العسكرية والاستخبارية وفق مقايضات تعوّدنا عليها خلال السنين الماضية ، وكلّ ذلك تحت يافطة مزعومة بمسمى الحفاظ على الأمن القومي التركي !! أو المصلحة التركية الاستراتيجية من جهة ، وإن كانت تظهر في بعض الأحيان سعي من بعض الجهات في تأطيرها بمسميات عديدة لعل أهمها هي – المنطقة الآمنة – كخيار عملي لعودة / إعادة المهجرين السوريين ، أو جعلها منطقة عازلة وثانية بمنظورين تتقاطع مع السابقة من جهة وكخط فاصل مزدوجة المهام الأولى جعلها خطاً فاصلاً للتدخلات التركية من جهة وعودة إلى متوالية خفض القوة بإزاحة أو تحريك القوات العسكرية منها كمتلازمة لبند مراعاة مخاوف الأتراك ! .. هذا الطرح الذي تقلّص وتمدّد منذ بداية الثورة السورية وأيضاً بعناوين ومسميات مختلفة شملت مناطق عديدة كخيارات ، وأخذت في الآونة الأخيرة مناحٍ أخرى جغرافية وسياسية لتشمل كامل شمال وشمال شرق سوريا ، ومعها تتالت التهديدات التركية ، التي أخذت تختلق كثيراً من الحجج وتبدأ بوابل من التهديد والوعيد لتنفيذ / نفذت ضربات عسكرية ، وقامت باجتياحات عسكرية لعدة مناطق واحتلت عفرين ، وطغى لغة التهديد على سياسة الدولة التركية وأصبحت وسيلة ترهيب يستخدمها إردوغان كوسيلة شعبوية فظة ، كما تهديده الأخير قبل الانتخابات المحلية بيومٍ واحدٍ ،حيث أعلن بأنّ تركيا ستحلُّ أزمة سوريا ميدانياً بعد الانتخابات ، وبالتأكيد فهو لم يقصد سوريا والنظام بقدر ما يتوضّح أنه تهديد عسكري صريح ، يستهدف به كُردستان سوريا ومعها شمال وشمال شرقي سوريا ، هذا التهديد الذي أتى بعد توقيع ترامب جعل وثيقة اعتبر فيها الجولان أرض إسرائيلية من جهة ، وبالتقاطع مع المشروع الدولي المتعدّد الأطراف الساعي لإيجاد مخرج يحمي مناطق شمال وشمال شرقي سوريا من ضمنها كامل / غالبية مناطق كُردستان سوريا ، هذا المشروع الذي أخذت ملامحه تتوضّح إن من ناحية التموضع العسكري والتشكيلات التي ستبقى في تلك المناطق ، والمسافات المحدّدة وترافق ذلك مع تصريحات أمريكية صريحة وواضحة – جيمس جيفري – بأنه لا دور لقوات سوريا الديمقراطية فيها والتي تنحصر مهامها حسب التسريبات في مناطق جنوبي الشدادي إلى حيث آبار النفط في ديرالزور وشرق الفرات حيث المناطق التي تتواجد فيها الآن وعلى الحدود المشتركة مع العراق ، وهو الأمر الذي كانت قوات التحالف قد عملت عليه تجهيزاً وتدريباً لآلافٍ من قوات سوريا الديمقراطية ، مجموعة منهم كعناصر لأمن المدن والبلدات ومجموعات تدربت على حماية الحدود ، وستنشر على خط الحدود المشتركة مع العراق كما ذكرنا أعلاه ، إنّ هذه الخطوة تأتي كما يفسّرها الداعمون لها بأنها ستأتي كخطوة لترضية تركيا والحدّ من تهديداتها المتكرّرة باجتياح المنطقة ، كما ستخلق أرضية – حسب زعمهم – في جلب المزيد من الاستقرار والهدوء ، ولربما ستوجد مناخاً آمناً يمكن التأسيس عليه لتطويرها إلى مناطق آمنة و محمية وتستخدم كنقطة ارتكاز رئيسيية في تجميع اللاجئين السوريين فيها كتوطئة لإعادتهم إلى مناطقهم كواحدة من الخطط المستقبلية في سورية ، والتي ستأتي بعد الحلّ السياسي وصولاً إلى إعادة الإعمار والتمهيد الفعلي للعودة بسوريا إلى سكة السلام ، إلا أنّ مجريات الأيام السابقة ، خاصةً بعد خطوة ترامب في توقيعه على الاعتراف بالجولان السوري كجزء من إسرائيل ، بات كعنوان يفرض ذاته مع الأيام بأنها خطوة أقرب ما تكون بحفل توزيع كعكات سوريا المفيدة للمنغمسين في الشأن السوري ، وحيث أن الثورة ابتدأت بأطفال درعا وحوران ، وغرفة موك بجوارها أنشئت ، ومتلازمة خفض التصعيد كما وأكبر عملية مصالحة تمّت فيها ، يحقّ للمتتبع أن يرى بأنّ سلسلة الاستقطاعات والإلحاقات وظهور نوايا / مطامع دول منغمسة في المسألة السورية، والتي تثير مخاوف السوريين عامةً وبشكلٍ أكبر مكونات أساسية منهم ، ونعني هنا تحديداً إيران وتركيا ،حيث الأولى أينما حلّت تؤسّس لنزعة مذهبية تمهّد لها بغزو ثقافي ومنهج تبشيري ، أما الثانية أي تركيا التي تتبع سياسة القضم والضم وما أن تثبت أقدامها في أية بقعةٍ لا تلبث أن تتحوّل إلى محمية خاصة لها كما الجزء القبرصي المحتل منذ عام 1974 ، حيث لم تستطع العشرات من القرارات الدولية أن تفعل شيئاً أو تفرض على تركيا سحب قواتها من هناك .