عودة اللاجئين السوريين
فايز سـارة
ثمة تصاعد واضح في الحديث عن عودة اللاجئين السوريين إلى سوريا، ولعل الأبرز في هذا الجانب إطلاق موسكو الخطة الروسية لإعادة اللاجئين، والتي تزامنت مع أحاديث أردنية ولبنانية وتركية، صدرت عن رسميين وكتاب ومتابعين للقضية السورية، توافقوا على قول، إن قضية اللاجئين في البلدان الثلاثة، ينبغي أن توضع في مسار الحل. بل إن البلدان الثلاثة وأطرافاً أخرى، وضعت خططاً وتصورات للمضي في هذا الطريق بما يتناسب مع موقعها في الصراع السوري، وظروفها الداخلية / الخارجية، ورؤيتها لحل قضية اللاجئين السوريين فيها.
ولعل الأهم من الأقوال والتصريحات، ملاحظة أن عمليات إعادة مجموعات من اللاجئين، بدأت بشكل محدود، كما هو الحال في لبنان الذي سلم الملف لحزب الله، وأخرى، يمكن أن تبدأ على نطاق واسع من جانب تركيا، فيما يستعد الأردن لبدء عملية واسعة لإعادة المقيمين على أراضيه بعد استكماله حيثيات تتصل بعودة اللاجئين.
ويشكل اللاجئون في البلدان الثلاثة، القسم الأكبر من اللاجئين السوريين. ففي تركيا قارب عدد اللاجئين الأربعة ملايين، وفي الأردن ولبنان، يقترب العدد في كل منهما من مليون، ليصل المجموع في الثلاثة قرابة ستة ملايين نسمة، يشكلون غالبية اللاجئين السوريين في العالم، مما يعني أن مصيرهم سيحدد المسار العام في القضية.
وإذا كانت عودة اللاجئين، تشكل طموحاً وهدفاً لغالبية السوريين، وهي حق إنساني لا ينبغي التساهل فيه، فهي من جهة أخرى، تمثل مخرجاً من الظروف غير الإنسانية والمعاشية الصعبة، التي يعيشها أغلب اللاجئين، وخصوصاً في لبنان والأردن.
وتمثل القضية بالنسبة للبلدان الثلاثة، عملية مرتبطة بأوضاعها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ومتصلة بأهدافها ومصالحها، وفي البلدان الثلاثة، يشكل اللاجئون نسبة ملموسة من السكان (لبنان نحو 1 من 7، والأردن نحو 1 من 10، وتركيا نحو 4 من 100)، ويعاني لبنان والأردن من تداعيات سياسية واقتصادية واجتماعية وأمنية، يفرضها وجود اللاجئين، فيما تبدو تداعيات القضية في تركيا مختلفة، الأبرز فيها تداعيات سياسية، تتعلق بالصراع السياسي والثقافي حول القضية السورية في الداخل التركي، مما يجعل عودتهم إلى بلدهم أمراً مطروحاً، وإن بدرجات متفاوتة، لكن المتفق عليه في موقف البلدان الثلاثة رغبتهم في إنهاء الملف بصورة ما.
أما عودة اللاجئين بالنسبة لنظام الأسد، فإنها متصلة بإعادة هندسة الخريطة الديموغرافية من الناحيتين الأمنية والسياسية. فالنظام الذي طرد ملايين السوريين أو دفعهم للخروج من بلدهم تحت القتل والاعتقال، لا يمكن أن يكون حريصاً على عودتهم إلا بإخضاعهم وفق شروط وأبرزها العودة إلى حظيرة النظام، والقبول بفكرة استمراره والموافقة على سياساته، كما تبدت في السنوات الماضية خاصة في ظل غياب أي موقف دولي، يجبره على إعادتهم دون شروط.
وكما هو واضح، فإن القضية محاطة بتناقضات واختلافات، مما يجعلها خارج الملفات الساخنة في القضية السورية، دون أن يعني ذلك تجاوزها، وهذا سيعطي للنظام فرصة أكبر لتكريس فهمه وخطته في إعادة اللاجئين، أو القسم المحتمل عودته منهم، لا سيما في ظل هامشية موقف الأمم المتحدة ومنظماتها المتخصصة، وضعف أو عدم مبالاة مواقف الدول الغربية بالموضوع.
وبخلاف الإطار السياسي الذي يفرضه النظام للتعامل مع عودة اللاجئين إلى سوريا، فإن الواقع الميداني / العملي، يضيف صعوبات أخرى لعودة اللاجئين. حيث أغلب المناطق التي ستتم العودة إليها مناطق مدمرة كلياً أو بشكل كبير، مما يعني عدم جاهزيتها لاستقبال العائدين لا في الإسكان ولا في البنى التحتية، كما أن معظم المناطق تسيطر عليها قوات معادية للاجئين ومعبأة ضدهم من القوات الإيرانية والميليشيات الطائفية بالإضافة إلى الشبيحة، مما سيعرض العائدين للقتل والاعتقال وللاضطهاد والابتزاز في الحد الأدنى.
إن عودة اللاجئين إلى سوريا، ليست قضية إنسانية وحقوقية فقط، بل هي قضية سياسية أيضاً مرتبطة بطبيعة الحل الذي ستؤول إليه القضية السورية، وخصوصاً فيما يتعلق بطبيعة النظام القائم وسياساته، الذي لا ينظر إلى العائدين بوصفهم أعداء أو خصوماً، وإنما مواطنون يعودون إلى بلدهم وبيوتهم وأرضهم، ويستحقون كل المساعدة والدعم، وكل كلام خارج هذا الإطار أو إجراءات، لن يؤدي إلى حل للقضية، بل سيجعلها أصعب ويزيد تعقيداتها على نحو ما تتضمنه الخطة الروسية ذات الطبيعة الدعاوية والانتقائية، أو تكليف حزب الله اللبناني بملف العائدين السوريين من لبنان بما يتناسب وموقفه منهم، وفي الحالتين، فإن الخطة الروسية، وما يقوم به حزب الله، يصبان في خدمة سياسة نظام الأسد وسياسة إعادة رسم الديموغرافية السورية من الناحيتين الأمنية والسياسية وفق مصالحه وسياساته.
الشرق الأوسط