في استئصال الزائدة القومية
وليد حاج عبدالقادر / دبي
بات في حكم المتعارَف عليه ، أنّ علم النفس التطبيقي ، ومعه آليات التحليل المنهجي للبنى التنظيمية التي اعتادت أن تعتاش على تحوّلات الحدث وتقلباته الموسمية ، بأنها ستصل إلى مرحلة كمون ذاتي ، يمكن تعريفها من خلال ظاهرة الخمول أو النفاذ ، نتيحة لاستهلاكها المفرط والمكلف أيضاً للعديد من الشعارات والأهداف التي تناقضت حيناً ، أو ارتفعت في سقفها وانخفضت أيضآ ، ولتندفع تحت وطأة الاستنزاف إلى أنفاقٍ ، ومنها تبدأ عمليات تفاعل القوة الكامنة وتنشيطها ، لفترةٍ قد تطول أو تقصر من عمر السكون تلك ، وذلك كنتيجةٍ وبالاستناد إلى عوامل متعدّدة ، تبدأ من الانحراف أو – بعبارةٍ أدقَّ – من التغيير الممنهج للأهداف والمبادئ ومعها طرائق النضال ، وبالرغم من الكبت كنتاجٍ لضغطٍ داخلي تحت بند الإيديولوجيا وبتسمياتٍ متعدّدةٍ لمفاهيم الشرعية الثورية بمحاكمها الجائرة كانت على مرّ التجارب والتاريخ ، فإنّ ردّات فعل هكذا أنواع من التشظّي – رغم شدّة القبضة الستالينية وعنفها – ستكون مدمّرة بعنفها البنيوي ، بالرغم من الاستهداف العنيف ، ومن جديدٍ على مبدأ الإلغاء الكلّي لصيرورة أيّ مفهومّ قومي والعمل على محاربته والاستخفاف به ، ومحاصرة كلّ ما يؤشّر إليه في مراحله السابقة بتراكماتها ، كلّ ذلك في نفيٍ تامٍ استهدفت النواة الأساس ، وكسلاحّ مزدوجٍ وجِّه واستُخدِم لإسكات وتصفية المختلفين ، و كلّ مَنْ سعى لوقف التفتيت البنيوي كهدفٍ ! ، ورغم تغليف كلّ هذه الممارسات وتعليبها بتوصيفاتٍ مختلفةٍ ! إلا أنّ غايات المروّجين ، ومنهجيتهم المدعومة بفائض قوةٍ مستعارةٍ لفرض التوجّهات التي كُلِّفوا بها تبقى أكثر وضوحاً ، وليفرض بدوره عملية البحث عن مفهومٍ – مصطلحٍ كعنوانٍ ، يتوجّب الاشتغال عليه ، فيظهر حينها عنواناً بارزاً تحت بند التوصيف لخطٍّ ثالثٍ كتوجّهٍ سياسيٍ وكأفضل غطاءٍ لتسهيل آليات المناورة والتمويه من جهةٍ ، وتوازنات كما وتراجعات الخطوات أماماً أو وراءاً ، حسبما تقتضيها آليات تنفيذ المهام المنوطة بهم ، وعلى الرغم من التجارب العالمية العديدة التي أثبتت فشل هكذا مفاهيم ، ولكنها بقيت تُدار كمناورةٍ انتهازيةٍ فاقعةٍ وبقناعٍ يكشف أكثر ممّا يُخفي ، يحاول مدعوو هكذا توجّهات ككسبٍ سريعٍ من جهةٍ ، والمراوحة بين الخطّين أو كما يُقال شعبوياً – قدم هنا وقدم هناك – ، وكُردياً : حتى هذه اللحظات – شخصياً لم أستوعب – ولم يستطع أحد إقناع الشارع الكُردي – بخلاف القطيع – بماهية ومفهومية كما وأهداف الخطّ الثالث المتحوّل على طريقة المثل الكُردي – şeva entere -* ، سواءاً كأحزابٍ أو توجّهاتٍ ، هذه الحالة التي انكشفت بشكلٍ مذهلٍ بعد تطوّرات الأزمة – الثورة السورية ! ولازال هناك كثيرون ممّن يسعون وبكلِّ قوةٍ لإقناع أنفسهم فيما يروّجه بعضهم بوجود قوتين كُرديتين ، واحتمال الصراع لا على قاعدة الوحدة والصراع ، بقدر ماهو هدف التلميح التدميري الذي خُطّطَ – يُخطَّط لها ويُراد تنفيذها عملياً ، وعليه.
فهل سنكون مجحفين إنْ اعتبرناها كشكلٍ من أشكال الصراع بين إرادتين ؟ قومية و عقائدية / أيديولوجية فيتصدّى لها الآخر بنفيٍ قطعي باعتبار هذا التوجّه مجرد بيئة مجرثَمة ، ولا يُستبعد أن يرى فيها متطرفّوها كبؤرةٍ حاضنةٍ ومصدِّرة لوباء كورونا المعاصر ! . إنّ الحاضنة هي التي يُفترَض بها أن تكون البيئة التي تمهّد وتؤسّس لمرتكزات النضال ، وبالتالي مقوّمات الصمود حتى النصر ، كما والحاضنة – التي – قد ترى من الضرورة في مرحلةٍ صراعيةٍ ما ، تقديم أو تأخير بعضٍ من مهام المرحلة على حساب حقوقها وحريتها ، وحتى قوننة بعضٍ من وسائل معيشتها ، ولكنها بمجرد أن ينكشف لها بأنها تُستغَلُّ لغاياتٍ غير نضالية وعلى حساب قضيتها ، حينها علينا الا نستغرب رداً قوياً يتجاوز كلّ التوقعات .
وباختصارٍ وفي خاصية الحركة القومية الكُردية والكُردستانية ، وفي مختلف سويّات النضال من انتكاساتٍ او انتصاراتٍ ، خاصةً تلك الحركات – المجموعات التي استطاعت النظم اختراقها بمختلف السبل ، والتي كشفت الحيثيات عن غطاء التبعية والولاء كما البصمة الأمنية للنظم وأياديها العميقة ، من شخوصٍ وزعاماتٍ ، لا بل وحتى منظماتٍ ، مهما بلغت فيها براعة وسائل الإخفاء والتمويه ، لن تصمد مطلقاً امام الحقائق التي ستتمظهر بقوةٍ وتكشف بالتالي عن خفاياها .
وهنا في جانب البتر الخاصوي لظاهرة الإنتماء – كُردياً – ومحاولات الإسقاط التاريخي لتجربةٍ تعود الى فترة الحروب ـ الصليبية ـ حيث يذكر كثير من مؤرخيها ، على أنه بعد تقهقر ممالك بيت المقدس ، وأمام استقرار جند صلاح الدين وبالتالي تقدّمه على كافة الجبهات ، التجأ بعض من ملوك أوروبا وإقطاعاتها الى فرض ضريبة العشر باسم ضريبة صلاح الدين وذلك لخلق موازنة وايجاد مصادر للإمدادات ، وبالتالي سبل مجابهة صلاح الدين وجيشه .. ومع هذا فشلوا وسأختصر لأوضّح هنا ، أنه علينا ألا ندين صلاح الدين وننتقده وفق منطق وجدلية عصرنا هذا ، بقدر ما هو الأهمّ فعلياً هو دراسة ظاهرته في وضمن سياقه التاريخي ، وبهذه الحالة يُفترض بنا أن نرفض الآن ونحن في عصر المعلوماتية ، بأن تشطب- لابل – وأن تستخدم قضية أمةٍ تتجاوز في تعدادها أكثر من ٤٠ مليون فتُزال وتُبتَر كلاحقةٍ لتُستخدَم كرافعةٍ أيديولوجيةٍ وتُرمى بعد انتفاء الحاجة لها ، ولتبقى في إطارٍ مبهرَجٍ يظهروها حين الضرورة!.
إنّ سلخ الهوية والانتماء القوميتين وتعويمها في التنظيرات الأيديولوجية ، كحالةٍ تسبق إنجاز مرحلتها ، وعلى أرضية عشرات التجارب العالمية التي أثبتت أنها مَنْ أنتجت وأخرجت أبشع التراجيديات التي كان وقودها دماء الآلاف من أبنائها قُدِْموا كقرابين في مسارح اللامعقول كترفٍ لسفسطةّ أيديولوجيةٍ لم تنصف محيطها الرئيس بقدر ما ضاعفت من أزماته وخسائره في جوانب عديدة ، وعليه ، فكما تفترض علينا الواقعية في دراسة ظاهرة صلاح الدين ضمن سياقها التاريخي ! هكذا يفترض بنا تطبيق معايير عصرنا على شعبنا بتبنّي قضيته كأساسّ والبناء على ذلك ، لا جرجرته وزجّه في متاهاتٍ بعيداً عن حقوقه المشروعة كشعبٍ يعيش على أرضه التاريخية تحت أيّّ توصيفٍ أو مسمّى ، خاصةً أننا نعلم بأنّ جميع المعايير هي في تحوّلٍ دائمٍ كما الأحكام ومسائل القياس التي لها زمانها ومكانها ، كما وحيثياتها بنتائجها المتوافقة مع الصيرورة التاريخية ، التي يُفترٌض دراستها واستنباط المفيد منها ، ومن هنا فإنّ إجتزاء التاريخ ، وبخاصية أيّ شعبٍ ، كما وتقزيم قضيته لصالح أية نزعةٍ ، لا تلبث ان تنعكس بسلبياتها وتكشف معها نوايا تلك الجهات ودوافع اختزالهم لا بل بترهم للقضية الأساس التي أصبحت لاحقة ! . وأخيراً : إنّ مَنْ أراد التصوّف لأيديولوجيته ، وكمرياعٍ تاهت فيه آفاق التفكير السليم ، علينا ألا نلومه حينما يقتطع من معرفاته كترفيهٍ وترفٍ أيديولوجي انتمائه وكلاحقةٍ بصيغة دودةٍ زائدةٍ غير مفيدةٍ .
…
* şeva entere: ليلة عنتر وهي ليلة مشهودة من التراث الشفاهي الكوردي ، ويقال بأن الطقس يتغير سبعة مرات في ذات الليلة ..