في خفض التصعيد وخفض سقف المواقف
وليد حاج عبد القادر
لا يكاد يمر يوم إلا وتتكشف مزيد من الخفايا والتوجهات المتموضعة كخطط تنجز في الصراع السوري والمفترضة أنها سورية – سورية، ومعها تنجلي الإنجازات على الأرض لتطرح ومن جديد قضايا ومواقف، لا بل إن الطبيعة والآلية التي تتم من خلالها – انقياد – الوضع السوري إلى – واقعية – إيجاد حل ووضع حد لأزمتها الدموية، هذه الأزمة التي أربكت الرأي العام العالمي ووضعتها في سياقية أكبر الأزمات العالمية، وهنا وبعيداً عن التنظير وترافقاً مع كمية الضخ المتشابكة تفاؤلاً أو تشاؤماً، وما بدا بديهياً في هذا السياق هو إيجاد ساحة / ساحات تحولت إلى حاضنة / حواضن، وكل الأطراف غرقت بشكل أو آخر في أتون أزمتها يرى فيها سوريا المفيدة له.
ورغم حجم الخسائر البشرية الكبيرة والتدمير شبه الكامل للبنية التحتية في بلد تمزق مجتمعياً أيضاً، طفت على سطح أزمتها مبادرات وتوجهات منها إقليمية وأممية، فشلت على مدار سنين في إيجاد ولو صيغة أولية يمكن الارتكاز عليها، سوى تلك الثنائية التي تبلورت أمريكياً وروسياً منذ عهد إدارة أوباما، والذي وإن غابت إدارته إلا أن اتفاق كيري / لافروف هو الوحيد الذي يسير كما هو مخطط له رغم مغادرة كيري، والذي على أساسه تم تقطيع سوريا الحاضنة الأوسع إلى حواضن وبدأت عملية القص واللصق التي ابتدأت من الزبداني والمعضمية وداريا وعبرت مناطق عديدة.
هذا الاتفاق / العهدة التي كانت قد أخذت مسارين ولكنها ما لبثت أن تفرعت إلى مسارات عديدة وبتوجهات أيضاً متعددة (في الظاهر)، رأى فيها كثيرون أموراً مذهلة ما لبثت أن تحولت إلى شكوك حول خاصية وهدف أمريكا / روسيا كما وجدية تناقضاتهما وإن كانت أمريكا قد أوضحت ولا تزال بأن هدفها الرئيس هو محاربة داعش واستمرت هذه السياسة حتى بعد قدوم إدارة ترامب، وليبدو الأمر وكأن ماتيوس وتيلرسون ليسا سوى موظفين تنفيذيين في إدارة أوباما، وهنا وبالرغم من حالة التقاطع الظاهري بين الدولتين (أمريكا وروسيا).
إلا أن الأمور ومنذ منتصف الشهر السابع من 2017 بعد اتفاق وقف إطلاق النار في الجنوب السوري / هدنة الجنوب، أخذت تتضح أكثر في بداية إبراز وفرز كثير من ملامح الفترة التي تلتها وصولاً إلى مرحلة ما بعد داعش وتجميع بقايا التطرف الراديكالي في مربع محافظات حلب حمص حماة وإدلب حيث كانت هدنة الجنوب الاختبار الناجح للانطلاق منها إلى حالة تجريبية أوسع، بدت ظاهرها وكأنها هي خفض للتصعيد ولكنها انكشفت أيضاً على مسألة تقطيع أوصال مناطق محددة كما أسلفنا، سيما للمجموعات الإرهابية، وبدا التركيز أوضح في مسألة تحييد داعش عسكرياً وتصفيته كرغبة وأولوية عالمية ومجتمعية سورية أيضاً وقابلها من جديد تجميع للراديكاليين المتطرفين.
وباختصار شديد، كل هذه الخطط العسكرية أوضحت بما لا يقبل الجدل، أولوية القضاء على الإرهاب وتصفيته في البؤر التي استقرت فيها وسط غياب أي طرح جدي لحل سياسي على الرغم من مخاضات جنيف المتعددة والتي تلتها فتح سلسلة اجتماعات جديدة في آستانة على أن تختص بترتيبات خفض التصعيد بجانبها العسكري تحديداً، وهنا باتت الأمور تؤكد على أمرين وقد أثبتتها يوميات الصراع بين المعارضة والنظام، لا بل إن كل آليات الصراع العسكري أخذت منحى التطبيق العملي وفي تركيز راسخ على تنفيذ مقولة محاربة الإرهاب والقضاء عليه وعدم توفير أية رؤية / مشروع لحلول سياسية إن في العراق أو سوريا.
الملمح الأكثر الذي لا يزال يفرض ذاته هو تمسك روسيا وأمريكا الصارم بضبط إيقاع الأزمة التي تمتد على خارطة المسألة الشرقية من حدود روسيا وتتماس مع أقاليم تصل إلى الصين وغالبية دول رابطة الدول المستقلة، وبالتالي التعامل الحازم مرحلياً وعدم المساس وبأي شكل بالخرائط الجغرافية المتموضعة، وعلى هذا الأساس رأينا كيف تلاشت / مثلاً / مظاهرات إيران واختفت توترات أخرى، وبالعودة إلى الأزمة السورية خاصة بعد إنجاز خطط خفض الصراع كما خفايا التوافقات والتنازلات التي كشفت عن مقايضات مناطقية عديدة كان الأبرز فيها إسقاط حلب من ناحية وتعامل أمريكا مع قوات وكتائب كانت قد أنشأتها ودربتها وسلحتها لمحاربة داعش، وبعد القضاء على داعش في مناطقهم ورفضهم التنقل إلى مناطق أخرى، كيف أن أمريكا هددتهم ومنعتهم من محاربة النظام / كتائب أحمد العبدو، جيش مغاوير الثورة، كتائب شهداء القريتين .. إلخ /، وطالبتهم بإعادة الأسلحة المسلمة لهم.
هذه الحالة التي حاولنا مراراً حث وحدات الحماية الشعبية و”ق س د” الانتباه لها وأخذ الحيطة، وسط استهجان وسخرية واضحة منهم، ولتكشف حرب إردوغان على عفرين بأن هناك مناطق أخرى ستشهد بالتأكيد تدخلات عسكرية عنيفة كتطبيق عملي واضح لمتلازمة خفض التصعيد والارتكاز عليها إلى مسألة الخفض السياسي للمواقف والمدرجة هنا كرؤى وبآفاق أخرى فتبدو وكأن الهدف الرئيس من كل تلك العمليات العسكرية كانت للحد من سطوة / أمراء الحرب كشخوص وكيانات بمافيه النظام / وبالترافق معها إيجاد نوع من التناقض في مخرجات التوجهات السياسية التي تتالت، سيما بعد الإفراز السياسي لآستانة، وأعني بها مؤتمر سوتشي، والذي على الرغم من تأكيدات روسيا وبشخص بوتين بأنه سيكون متمماً لاجتماعات جنيف الأممية التي لاقت دعماً ملفتاً ومؤشراً صريحاً بتجاوز عقد معينة، وأعني به الاجتماع الأخير الذي عقد في فيينا وورقة / لا ورقة / التي حملت تصورات خمسة دول غربية وعربية، هذه الورقة التي حملت مشروعاً لحل سياسي في سوريا ضمن نطاقية الحفاظ على الإطار الخرائطي كقاعدة صلبة غير ممكنة العبث بها مرحلياً، وبالترافق مع فسحة مجال لدول إقليمية مثل إيران في كوردستان العراق وتركيا في عفرين مع تغييب أولويات هامة لكل أطر المعارضة مع إعادة صياغتها كنتاج للفرز العسكري الجديد وتغليب نزعة الإصلاح السياسي من خلال دستور حديث وعصري مع آليات إنتاج شكل النظام عبر انتخابات نزيهة وبفاعلية ومراقبة أممية صارمة.
وفي الختام، فإن كل هذه الحروب الصغيرة ومآلات خفض التصعيد لم تكن سوى / لضبضبة / القوة التي تضخمت وتأشكلت في الأساس لتنفيذ مهام لها وكيل تنفرد أو تخرج من طور التحكم فكانت لكل قوة جينة مضادة والعنوان الأوضح لها من جديد: الحرب التركية على عفرين.