آراء

في ذكرى الرفيق اسماعيل حمي الذي رحل عنا باكراً

عبدالباقي يوســـــف
يصعب التعبير عن كل ما يختلج النفس عند التفكير برحيل رفيق كاسماعيل حمي، أهي الغصة في الحلق من صديق عزيز رحل عنا باكرا، تاركا ورائه ناسا يفتقدونه بشدة؟!، أم حسرة في القلب على كل من سلك هذا الدرب الشائك، لكن لم يمهله القدر لأن يرى نهايتها، وينعم بما أثمره نضاله؟!، وما أكثرهم في تاريخ قضيتنا!،أم هو الحزن على هذه الايام التي ما أحوجنا فيها الى رفيق كاسماعيل؟!.
شاء القدر ان تعارفنا بعضنا على بعض قبل نحو ربع قرن، كانت حينها الحركة الوطنية الكردية تمر في حالة غليان شديد نتيجة الانشقاقات المتتالية التي طالت جميع احزابها، في وقت كان يتطلب منها التوحد فيما بينها حول برنامج سياسي ونضالي كي تشكل قوة سياسية فاعلة، خاصة وأن الرؤية السياسية نحو مستقبل المنطقة كانت تنذر بتغيرات عميقة في الشرق الأوسط نتيجة بدءتفتت المنظومة الاشتراكية السابقة وذراعها الدفاعية حلف “وارسو”،وليلحق بها الاتحاد السوفيتي السابق أيضاً، متحولا بذلك إلى منظومة اتحاد الجمهوريات المستقلة، كخطوة مهمة نحو نهاية الحرب الباردة، وإنتقال العالم إلى نظام القطب الواحد.
كان ذلك في أوائل عام 1992 عندما تعرفنا عن قرب أثناء الإجتماعات واللقاءات التمهيدية، لتوحيد ثلاثة أحزاب كردية، والتي تمخضت عنها إعلان القيادة المشتركة، أثمرت فيما بعد عن إنعقاد المؤتمر التوحيدي لتلك الأحزاب عام 1993 وإنبثق عنها الحزب الديمقراطي الكردي الموحد (يكيتي ). هذا الحزب الذي شيد على أسس نضالية تبنى خطابا سياسيا كرديا جديدا، متعهداً بالممارسة الفعلية للنضال الديمقرطي السلمي من مظاهرات وإعتصامات، لنقل عدالة القضية الكردية إلى الشارع السوري، وإيصالها إلى القوى والمؤسسات الدولية المعنية.
كان الرفيق إسماعيل واحداً من القياديين الأوائل الذين إندمجوا في الحزب الجديد بسرعة تاركين هوياتهم التنظيمية السابقة، ومقبلين بكل جهد على ترسيخ الوحدة التنظيمية والسياسية للحزب الجديد. امتاز بالجرأة في طرح آراءه بغض النظر عن رأي الأغلبية، واحترام قراراتها حتى إذا ما اختلف معها، ورغم أن الرفيق إسماعيل كان أحيانا سريع الانفعال، إلا أنه كان يعود وبسرعة إلى صوابه، ويعيد الهدوء إلى الأجواء من خلال نكاته المرحة والدمثة.
لم يكن الرفيق إسماعيل فقط واحداً من قيادات حزب يكيتي وسكرتيراً للحزب بين اعوام 2009 وآذار عام 2013 ، بل شكل أحد أركان الحزب بفضل رؤيته السياسية الثاقبة، وتحليله السياسي المنطقي بعيداً عن سياسة الفعل ورد الفعل، فهو يعتبر بحق واحداً من بين قلة من الرفاق الذين ساهموا في وضع وصياغة إستراتيجية حزب يكيتي بعد النكسة التي أصابت الحزب، والإنطلاقة الثانية لـ يكيتي، ، فقد ساهم بفعالية بوضع وصياغة الموضوعات الاساسية للحزب في عام ١٩٩٨-١٩٩٩، والتي صدقت من قبل مؤتمر الحزب عام 2000 .
ناضلنا معاً في ظروف صعبة، وأجواء من الاستبداد الشعبوي البعثي، شاركني فيها الرفيق إسماعيل بمهام حزبية حساسة سواء داخل الوطن أو بالسفر سرا خارج البلاد، وفي اوقات صعب جدا التحرك فيها نتيجة الملاحقة الأمنية الشديدة وانحصار آفاق الحل للقضية الكردية، أو الافتقار الى أصدقاء مساندين لقضيتنا خلال عقود حكم البعث، بكل تأكيد الجرأة وروح التضحية كانتا خلف اقباله على تلك المهام.
يمكنني القول وبكل ثقة إن الرفيق المرحوم إسماعيل حمي قد ترك إرثاً نضالياً خلفه، فقد ساهم في تأسيس مجلة قضايا وحورات، ولديه العديد من الإسهامات الفكرية، وشغل لوقت طويل في هيئة تحرير جريدة يكيتي، وغيرها من أدبيات حزب يكيتي الكردي. وكان صاحب قلم بارع، ترك خلفه الكثير من المقالات السياسية والفكرية، فهو موضع فخر واعتزاز ليس فقط لعائلته وأبناءه وأهله، بل لجميع رفاقه، وأنصاره من بعده.
فألف تحية إلى روحه الطاهرة في مثواها الأخير.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى