قانون قيصر لا يفرض عقوبات على سوريا
محمد صبرا
يحاول إعلام النظام السوري وحلفائه في إيران وبيروت وموسكو، الزعم بأن قانون قيصر للحماية المدنية، يفرض عقوبات على سورية، وبأن هذا القانون سيشل الاقتصاد السوري، إلى آخر هذا الكلام المرسل الذي يهدف لتحميل هذا القانون مسؤولية الجوع وانهيار بنية الاقتصاد السوري وتراجع سعر صرف الليرة السورية مع أن القانون لم تبدأ مفاعيله التنفيذية بعد .
هذا الأسلوب الدعائي الذي درج نظام حافظ الأسد وامتداده بشار الأسد استخدامه لا يأتي بجديد، فعلى الدوام كانت ذريعة فشل الاقتصاد السوري وغياب التنمية وتوزيع الثروة العادل، يتم تعليقها على تلك المؤامرة الموهومة التي استخدمها النظام كأحد الآليات التبريرية لإخفاء عمليات النهب المنظم والواسع النطاق للمالية العامة وللثروات السورية خلال العقود الماضية، حتى تحول الاقتصاد السوري إلى مجرد لعبة يتم إدارتها بين مجموعة من المحاسيب والمافيات التي يقوم النظام كل فترة بالدفع بأحدها للواجهة وإلزام البقية بالتراجع كما يحدث الآن.
وادعاء النظام بمسؤولية قانون سيزر الذي لم يدخل حيز التنفيذ بعد كان من الممكن تجاهلها نتيجة توقعنا المسبق لها ولبنية تفكير النظام ووسائل إعلامه، لكن للأسف بدأنا نسمع أصواتا بارزة ومهمة تحذر من انعكاسات قانون سيزر على حياة المدنيين وبأنها ستتسبب بمعاناة إضافية لهم مستشهدين بأثر العقوبات الاقتصادية على العراق في عهد صدام حسين، وهذا قد يكون في بعض جوانبه كلام حق، لكن لا بد من توضيح مسألة على غاية من الأهمية وهي أن قانون سيزر لا يفرض عقوبات على سورية، ولا يضع سورية تحت الحصار كما كان الوضع في العراق بعد قيامه باحتلال دولة الكويت، فالنطاق الموضوعي لقانون سيزر يختلف تماما عن النطاق الموضوعي لنظام العقوبات والحصار الذي وضعه مجلس الأمن على العراق في مطلع التسعينيات من القرن المنصرم.
النطاق الموضوعي لقانون قيصر
من يقرأ قانون قيصر مجرد قراءة أولية يكتشف أن النطاق الموضوعي للقانون” أي النشاطات التي سيسري عليها القانون” محكوما بضابطين اثنين وهما:
الضابط الأول: ضابط موضوع النشاط والذي حدده القانون بخمسة مجالات، هي:
- توفير الدعم المالي والتقني للنظام السوري أو لأي من الميليشيات والمرتزقة الذين يقاتلون في سورية ويتبعون الحكومتين الروسية الإيرانية.
- أن يقدم سلعا أو خدمات تكنولوجية تساعد النظام على صيانة وتوسيع الإنتاج المحلي للغاز أو النفط أو المنتجات البترولية.
- يقدم للنظام قطع تبديل الطائرات التي تستخدم لأغراض عسكرية من قبل النظام أو من أي من القوات العسكرية المتحالفة معه.
- يوفر الخدمات والسلع اللازمة لتشغيل الطائرات التي تستخدم لأغراض عسكرية من قبل النظام أو القوات المتحالفة معه.
- يقدم بشكل مباشر أو غير مباشر خدمات بناء أو خدمات هندسية مهمة للنظام.
الضابط الثاني: هو ضابط شخصي محدد في ثلاث حالات:
- أي أن ينخرط أي شخص بصفقة مالية أو من أي نوع آخر مع حكومة النظام أو مع شخصية سياسية رفيعة في النظام.
- أن يتعاقد أي شخص في صفقة مع مقاول عسكري أو مرتزق أو قوة شبه عسكرية تعمل في سورية لصالح النظام أو لصالح روسيا وإيران.
- أن يتعاقد أي شخص مع شخص آخر خاضع للعقوبات الأمريكية فيما يتعلق بسورية.
إذا حتى يمكن معاقبة الأشخاص يجب أن يمارسوا خرقا للقانون إما بممارسة النشاط الموصوف في الضابط الأول أو الدخول بعلاقات تعاقدية مع الأشخاص المذكورين في الضابط الثاني.
وبالتالي فإن القانون الأمريكي لا يفرض حصارا كما يتوهم البعض ولا يمنع دخول أو خروج السلع من سورية ما دامت لا تدخل ضمن مجالات النشاط الموضوعي لسريان القانون أو ما دامت لا تتم بصفقات من قبل الأشخاص المذكورين بصفاتهم في هذا القانون أو لصالحهم أي أولئك المرتبطين بالنظام أو بميليشيات المرتزقة التابعة لإيران أو روسيا أو تعمل لصالخ أيا من هذه الأطراف الثلاثة.
العقوبات في قانون قيصر شخصية
يعاقب القانون الأشخاص والشركات الذين يدخلون في علاقات تعاقدية مع النظام السوري، والجديد في الأمر أن تحديد نطاق هؤلاء الأشخاص كان استنادا إلى صفاتها وليس ذواتهم وهذه نقلة أساسية في هذا القانون تجعله يختلف عن لوائح العقوبات السابقة التي كانت تعاقب أشخاصا محددين بذواتهم، بينما في هذا القانون فإننا نجد نوعين من الذين سيفرض عليهم العقوبات، وهما:
- أولئك الذين يتعاقدون مع النظام أو مع أحد شخصياته السياسية البارزة أو يتعاقدون مع الميليشيات والمرتزقة والقوات التي تقاتل في الداخل السوري لصالح النظام أو لصالح روسيا أو إيران.
- الأشخاص الذين ينتهكون قانون قيصر بإبرام صفقات تدخل في إطار مجالات النشاطات الخمسة المحظورة التي تحدثنا عنها في شرح النطاق الموضوعي للقانون، وجميع هذه المجالات تدخل في إطار السماح للنظام باستئناف أعماله العسكرية أو الاستفادة من نتائج هذه الأعمال وإعادة ترميم نفسه.
وجميع العقوبات التي تحدث عنها قانون قيصر تدخل في إطار حجب ملكية الأشخاص الذين ينتهكون القانون إذا كانت هذه الملكيات في الولايات المتحدة أو في حوزة أو سيطرة شخص من الولايات المتحدة الأمريكية، ومن المعلوم أن جميع الشركات الكبرى أيا كانت جنسيتها تخشى الدخول في أي علاقة تعاقدية مع أي جهة تعاقبها الولايات المتحدة الأمريكية وذلك بسبب ارتباط النظام الاقتصادي العالمي بالاقتصاد الأمريكي وبالنظام المصرفي الذي تسيطر عليه الولايات المتحدة الأمريكية.
باقي العقوبات هي عبارة عن منع الشخص الذي ينتهك القانون من دخول الولايات المتحدة الأمريكية وحرمانه من التأشيرات، وهذا أيضا هو عامل ردع نفسي لكثير من رجال الأعمال الذين قد يفكرون في انتهاك القانون.
الإعفاءات الإنسانية في القانون
أيضا لمعالجة الأثر السلبي الذي قد ينتج عن تطبيق القانون فإن هناك فصلا كاملا استثنى النشاطات التي تقوم بها المنظمات غير الحكومية والعاملة في المجال الإنساني، بل إن القانون نفسه قد ألزم الرئيس الأمريكي بوضع استراتيجية مناسبة للمساعدات الإنسانية في بدء سريان المفاعيل التنفيذية له، وهذه أيضا نقطة مهمة جدا تكذب ادعاءات النظام بأن القانون يفرض عقوبات وحصارا كاملا على سورية.
تعليق العقوبات
القانون يتيح للرئيس الأمريكي تعليق العقوبات بشكل كلي أو جزئي لمدة 180 يوما في حال تحققت الشروط التالية:
- أن يتوقف النظام وروسيا عن قصف المدنيين بالبراميل المتفجرة وبالأسلحة الكيميائية أو التقليدية أو الصواريخ.
- رفع الحصار عن جميع المناطق السورية سواء كان مفروضا من قبل النظام أو روسيا أو إيران أو أي قوة عسكرية تتبع لأي منهما، والسماح بحرية وصول المساعدات الإنسانية والرعاية الطبية وضمان حق السفر والتنقل للجميع.
- قيام النظام بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين والمختفين قسريا، والسماح لمنظمات حقوق الإنسان الدولية بإجراء التحقيقات اللازمة.
- توقف قوات النظام وقوات روسيا وإيران والميليشيات المتحالفة معهم، عن استهداف المرافق الطبية والمدارس والمناطق السكنية وأماكن التجمعات المدنية بما في ذلك الأسواق.
- قيام النظام بالالتزام بالاتفاقيات الدولية بحظر انتاج وتخزين واستخدام السلاح الكيماوي، والتوقيع على اتفاقية حظر انتاج السلاح البيولوجي.
- أن يسمح النظام للاجئين بالعودة الآمنة والطوعية والكريمة.
- أن يبدأ مسار حقيقي وجدي لمحاسبة مجرمي الحرب وتحقيق العدالة للضحايا الذين سقطوا نتيجة جرائم الحرب التي ارتكبها بشار والبدء بعملية حقيقية للمصالحة والحقيقة.
طبعا لا يخفى على أحد أن القانون سيسري لمدة خمس سنوات من تاريخ إقراره.
ختاما
لا يمكن إغفال أن المواطن السوري منذ مطلع عام 2011 يعيش في ظل حرب فرضها عليه نظام مجرم جيّر كل مقدرات سورية الاقتصادية والعسكرية والبشرية لخدمة حربه الظالمة على السوريين، ولا يخفى على أي إنسان سوري أن الاقتصاد السوري الذي كانت تعمل عصابات ومافيات النظام على نهبه إلى الحد الذي أوصل مستوى الفقر في البلاد إلى أكثر من نصف السكان في عام 2005 باعتراف النظام في ذلك الوقت، وبالتالي فإن الادعاء أن قانون سيزر سيتسبب في إفقار السوريين وتجويعهم هو أسوأ دعاية يمكن أن يستخدمها نظام مجرم كنظام بشار الأسد، فالسبب الأول والأخير في تجويع السوريين هو ممارسات هذا النظام وجرائمه على الصعيد الاقتصادي والسياسي والإنساني، وكما بينا سابقا فإن القانون لا يمس بحياة المواطن أو عجلة الانتاج ولا يفرض أي عقوبة على سورية، بل هو يفرض عقوبات انتقائية في مجالات محددة تخدم النظام المجرم وتسمح له باستئناف جرائمه ضد السوريين.
من المؤكد أنه لا يوجد عاقل في الدنيا يمكن أن يعول على أن القانون بحد ذاته سيسقط بشار الأسد، لكن حماية روح إنسان سوري واحد والحد من قدرة النظام وحلفائه على استخدام آلة الحرب الهمجية، تكفي لتأييد القانون، ولا ننسى أن الفظائع التي ارتكبها النظام في معتقلاته والتي وثقها المصور المنشق قيصر هي السبب في مأساة السوريين وليس القانون الذي صدر باسم هذا المصور الشجاع الذي فضح للعالم أجمع مستوى همجية وعنف نظام بشار الأسد من خلال صور 11 ألف شهيدا قضوا بالتعذيب في معتقلات هذا النظام المجرم.
الجسر