قراءة في الأزمة السوريّة ونتائجها
مروان عيدي
ثورة الشعب السوري التي بدأت في آذار 2011 والتي إنطلقت شرارتها من درعا ، ولكن سرعان ما عمت أغلب المحافظات السورية وخاصةً المناطق الكردية وأخصها بالذكر لأن الظروف الموضوعية كانت تؤهلها أكثر من أي منطقة أخرى للإنضمام والقيام بهكذا ثورة ولم يكن قد مضى على إنتفاضة شعبنا في آذار 2004 اكثر من سبع سنوات تلك الإنتفاضة التي عمت جميع المناطق الكردية وحتى أماكن تواجدهم في باقي المحافظات ولولا القمع الذي مارسه النظام وزج أزلامه لسرقة ونهب البيوت والمحلات الكردية وتحريضهم ضد الشعب الكردي وخاصة من شبيحة النظام في المنطقة الكردية ، لكانت ثورة الشعب السوري أو ربيع ثورات شعوب المنطقة قد إنطلقت من هنا ولربما كانت مجريات الأمور والأحداث مختلفة عما هي عليه عند انطلاق الثورة السورية 2011 ، لأن النظام استعد لها بشكل جيد مستفيداً من دروس وعبر ما حدث في تونس ومصر وليبيا واليمن وفرض إيقاعه ومؤازريه من الإيرانيين، وبالتالي موقعه الجيوسياسي واعتماده على الحليف العتيد ( روسيا ) وتجربته المخابراتية في التعامل مع هكذا حدث ، بالإضافة الى تقاعس المجتمع الدولي ، وبكل تأكيد فقد تأثر الشباب السوري بثورات الربيع العربي في كل من تونس ، ليبيا ، مصر ، وربما هناك عوامل موضوعية وذاتية أثرت على مسار الثورة ، كل هذه المحددات فرضت سياسة الأمر الواقع على دول الجوار وبعض الدول التي كانت تنتهز الفرصة لفرض مشاريعها( كالمشروع الأمريكي- الشرق الأوسط الكبير) وفرض الهلال الشيعي ، وتطويق دول الخليج وتهديد الملاحة وخطوط إمداد أوربا بالنفط لفرض سياسة الأمر الواقع ونجحت بداية إلى حد كبير من خلال فرض حالة الفوضى ، وعدم الاستقرار في العراق رغم الاتيان بالديمقراطية الشكلية والاتيان بحكومات منتخبة ولكن ذات إيقاع إيراني طائفي دون فرض الاستقرار السياسي والامني والمعيشي لهذا البلد بسبب العقلية المليشياوية لهذه الحكومات التي تأتمر بأوامر إيران وفتح الطريق البري بين طهران وبغداد وصولا إلى الأنبار ، حيث الحدود السورية عدا عن حالة عدم الاستقرار الذي ساد لبنان منذ مقتل رفيق الحريري 2005 وهيمنة حزب الله وفريق 8 آذار على القرار السياسي والعسكري في هذا البلد ، وإنتشار المليشيات الإيرانية والعراقية واللبنانية الشيعية في سوريا بحجة الدفاع عن النظام الذي استنجد بالايرانيبن في مواجهة شعبه وثورته ولم يبق سوى أن يتحقق الحلم الإيراني والنظام الطائفي بتحقيق الهلال المزعوم حينها أحست الولايات المتحدة والتحالف الدولي من الاوربيين بالخطر القادم الذي يهدد مصالحها في المنطقة والخليج وكأن لابد من الحد للنفوذ الإيراني من خلال سياسات تركيا الخاصة بها وحتى المخالفة للاتحاد الأوربي وأمريكا وكذلك الحضور الروسي الذي قدم إلى سوريا للحفاظ على تواجده التاريخي كحليف منذ إن خرجت الإتحاد السوفياتي من الحرب العالمية الثانية وكانت سوريا هي منطقة نفوذها الوحيدة المتبقية بعد خسارة ليبيا والعراق وصربيا والكثير من الجمهوريات السابقة التي كانت تشكل الإتحاد السوفياتي سابقاً.
والإتفاق الأمني الذي جرى في بداية 2019 بين إسرائيل وأمريكا وروسيا وموافقة وقبول كل من إسرائيل وأمريكا بجعل سوريا من حصة روسيا على أن تعمل روسيا في تحجيم إيران وقطع يدها عن سوريا وإفشال مشروعها هناك كمرحلة أولى وهو ماحدث بالفعل وخاصة بعد مقتل سليماني العقل المدبر ومهندس التدخل وفرض المشروع الشيعي في أكثر من أربع عواصم عربية وبات النفوذ الإيراني ودورها في أسوأ وأدنى حالاته الآن ،وباتت العقبة التركية الوحيدة من حيث تواجدها في الشمال الغربي من سوريا من رأس العين وحتى عفرين وإدلب ولإحساس تركيا بمآلات تلك الاتفاقية الأمنية وخطورتها كونها تستهدفها بعد إيران تجاوزت بعض الخطوط الحمر من إتفاق آستانة وابقت على بعض الفصائل العسكرية الموالية لها لتحسين شروط تفاوضها مع الروس وما يحتاجه اردوغان وتركيا الآن وخاصة بعد أزمة إدلب الأخيرة والهجوم الروسي والنظام على تركيا ومقتل العديد من جنودها وعزوف حلف النيتو عن التدخل لصالح تركيا لانه يناقض وثيقة الدفاع المشترك بين دول حلف النيتو كون الإعتداء عليها قد حدث خارج اراضيها وهي لم تتدخل في سوريا بدعوة رسمية من الدولة السورية من جهة ، والتهديدات المستمرة بإجتياح المناطق الكردية الأخرى بذربعة وجود حزب العمال الكردستاني لجلب إنتباه الولايات المتحدة لأخذ تطمينات بإبقاء حدودها آمنة لحفظ ماء وجهها أمام الشعب التركي ، ومعارضتها في الداخل والحصول على هدنة ووقف إطلاق للنار ، والعودة إلى نقاط المراقبة وفقاً لإتفاقية آستانة
وربما ليصار إلى انسحابها لاحقاً بحجة فرض الحل السياسي في سوريا.
أخيراً الثابت في هذه الأزمة ان جميع الدول والأطر اف حاضرة عند الأزمة والحل إلا الشعب السوري ، وأن الحل يبقى رهينة تقاطع المصالح الدولية والإقليمية المؤثرة في الوضع السوري ، وتعويم صفقة القرن مع الفلسطينين وتحييد العرب والايرانيين والأتراك وربما تمهيد الطريق فيما بعد لفرض مشروع أمريكا( الشرق الأوسط الجديد).
المقال منشور في جريدة يكيتي العدد “٢٧٢”