قراءة في كتاب( للتاريخ) للرئيس مسعود بارزاني
فرحان مرعي
أيّ شعبٍ، مؤهّل للمطالبة بحق تقرير المصير بما فيه إقامة دولته المستقلة إذا حقّق الشروط التالية :
أن يملك ذلك الشعب لغة أو ثقافة متميّزة أو ديناً متميّزاً.
أن يكون هناك إحساس بالتاريخ المشترك بين أفراد الجماعة.
أن يرتبط ذاك الشعب بإقليمٍ محدّد
قدرة المحافظة على الهوية الذاتية. ( تقرير منظمة الأمم المتحدة _كريتسكو.
في ١٧ أيلول ٢٠١٧ سلّم السفير الأمريكي في بغداد رسالة استفزازية للرئيس مسعود بارزاني :”العالم تغيّر، اليوم ليس كالأمس، يجب مراجعة أنفسكم” .
وكان الردّ من الرئيس بارزاني في ٢٠ أكتوبر ٢٠١٧ بعد معارك بردي وسحيلة البطولية : “اليوم ليس كالأمس وغداً لا يكون كما اليوم”
في هذا الكتاب التاريخي، الوثائقي يريد الرئيس مسعود بارزاني أن يؤكّد على أحقّية وشرعية الاستفتاء على استقلال كُردستان العراق وفق الدستور العراقي الذي سُنّ عام ٢٠٠٥، حيث جاء ذلك في ديباجته : الالتزام بالدستور شرط لبقاء وحدة العراق-ووفق جميع القرارات و المواثيق الدولية الخاصة بحقّ الشعوب في تقرير المصير، ويأتي ب أمثلة من الزمن القريب لشعوبٍ استقلّت، مثل: ناميبيا، فنزويلا، تيمور الشرقية، سنغافورة، كوسوفو، جنوب السودان، الجمهوريات السوفيتية السابقة، يوغسلافيا، تشيك وسلوفاكيا، رغم أنّ هذه الدول لم تكن من الشعوب المستعمََرة وبعضها كانت ضمن فيدراليات، اتخذت قرارها بشكلٍ منفرد، دون تأثير ذلك على السلم العالمي، لأنه أصلاً، حقّ الشعوب أعلى من السلامة الإقليمية، وخاصةً أنّ هذه الأمثلة كانت قضايا داخلية وليست دولية. عبر محاور الكتاب العديدة يؤكّد بارزاني، أنّ الكُرد كانوا دائما مع وحدة العراق، ومع التعايش الأخوي مع كافة المكونات العراقية، وأياديهم كانت ممدودة دوماً من أجل الحوار والحلّ السلمي للقضية الكُردية، إلا أنّ الحكومات العراقية المتعاقبة ومنذ تأسيس الدولة العراقية ١٩٢١، وإلحاق جزءٍ من كُردستان بها، لم تتعامل بالمثل مع الكُرد، بل أنه وخلال مائة سنةٍ تعرّض الكُرد في كُردستان الجنوبية لكلّ أنواع الحرب والتدمير والإبادة والصهر والتغيير الديمغرافي، حتى بعد سقوط نظام صدام حسين، وسنّ دستورٍ فيدرالي للعراق ٢٠٠٥ ، و النتيجة في كلّ مرةٍ لا الحكومات العراقية استطاعت إنهاء الكُرد، ولا الكُرد أسقطوا الحكومات، إنّ تهميش الكُرد واضطهادهم وخرق الدستور الجديد في أكثر من ٥٥ من مواده؛ دفع الكُرد إلى التفكير في سبيلٍ آخر، وهو الاستفتاء على استقلال كُردستان أسوةً بباقي شعوب العالم، فكان قرار الاستفتاء، في ٢٥ أيلول ٢٠١٧-وتصويت أكثر من ٩٢ ٪ من الناخبين بنعم لاستقلال كُردستان الجنوبيةعن العراق العربي، و سؤال الاستفتاء، “هل تريد أن يصبح إقليم كُردستان والمناطق الكُردستانية خارج الإقليم دولة مستقلة”، بعد سلسلةٍ من اللقاءات مع الأحزاب الكُردستانية، والحكومة العراقية، وزيارة بلدان العالم، في أوربا وأمريكا لشرح المشكلة الكُردية في العراق منذ ١٩٢١ ومبرّرات الاستفتاء وشرعيته القانونية والدستورية، فكان هناك إجماع للأحزاب الكُردستانية دون استثناء حول إجراء الاستفتاء، ، و كانوا مع الرئيس بارزاني في زيارة أمريكا ليكونوا شهوداً على الموقف الأمريكي، ونقل الصورة إلى الشعب الكُردي، حيث التقوا مع أوباما وجو بايدن نائب الرئيس عام ٢٠١٥ ولم يعترض أوباما قائلاً : إني أتفهّم المشكلة الكُردية والطموح الكُردي في الاستقلال، وفي لقاءٍ مع بايدن الذي قال ٠:اننا معاً سنرى دولة كُردستان، ولكن وبعد تحديد قرار الاستفتاء في ٢٥ أيلول ٢٠١٧، حصل اعتراض أمريكي على موعده، دون أن تقدّم أمريكا بدائل وضمانات من أجل التأجيل، وبعد أن أصبح قرار الاستفتاء قضيةً وطنية وشعبية ، وليست فردية أو حزبية، طلبت أمريكا التأجيل وبدء الحوار مع العراق قائلين: عند عدم نجاح الحوارات، فإنّ أمريكا تحترم إرادة الشعب الكُردي، ولكنّ الرئيس مسعود بارزاني طلب من الأمريكان ضمانات مكتوبة، وبدلاً من كلمة” تحترم” أن يتضمّن موقفهم “دعم” إرادة الشعب الكُردي، ولكن الأمريكان رفضوا الصيغة، وزادت الضغوطات على إقليم كُردستان من أجل تأجيل موعد الاستفتاء، إلى جانب تهديدات الحكومة العراقية و تركيا وإيران باستخدام القوة والحصار، ووصلت الضغوطات إلى درجة إهانة الشعب الكُردي، عندما طلب عبادي إلغاء نتائج الاستفتاء، أي إلغاء إرادة ٩٣٪من الناخبين الكُرد، ثلاثة ملايين ناخب!!!
ولعب البريطانيون والأمريكان والفرنسيون دوراً سلبياً في الضغط(اجتماع سحيلة ١٤ أيلول ٢٠١٧) بل المشاركة في الحرب بعد الاستفتاء إلى جانب الحشد الشعبي وإيران وبأسلحةٍ أمريكية، وأُشيع في ذلك الوقت،أنّ هناك رسالة من وزير الخارجية الأمريكي تيلرسون ، وكأنّ هناك ضمانات أمريكية عند تأجيل موعد الاستفتاء، إلا أنّ الحقيقة لم يكن هناك رسالة، بل مسوّدة رسالة قدّمها ماكورك المبعوث الأمريكي في المنطقة دون ضمانات تُذكر .
في كتاب( للتاريخ) يركّز الرئيس مسعود بارزاني على نقطتين أساسيتين اولاً : استحالة العيش المشترك مع العراق العربي، وحجّة ذلك سنوات طويلة- تمتدّ لقرنٍٍ من الزمن- من الظلم والحرب والقتل والإقصاء والتهميش، الذي تعرّض له الكُرد على أيدي الحكومات العراقية المتعاقبة، بدءاً من تجزئة كُردستان، وإلحاق جزء منه بالدولة العراقية دون رغبة الكُرد، مروراً بالحروب التي تعرّضت لها كُردستان، من حملات الإبادة والأنفال والكيماوي وانتهاءً بانتهاكات الدستور، الفيدرالي، وقطع حصّة الإقليم من الموازنة العامة لتجويع الشعب الكُردي، وعدم تنفيذ المادة ١٤٠ من الدستور، المتعلّقة بتطببع الأوضاع في كركوك والمناطق المتنازعة عليها، وغزو داعش واحتلال المناطق المتنازعة عليها وشنغال والإبادة والسبي الذي تعرّض له الكُرد الإيزيديون، رغم كلّ ذلك، لم يخضع الكُرد، بل كانوا دائماً في حالة الثورات والانتفاضات، وقدّموا آلاف الشهداء والجرحى، وآخر قوافل الشهداء عند تحرير شنغال والمناطق المتنازعة عليها، ١٩٢٠ شهيداً، وبحدود ١١٠٠٠ جريح وعدد من الأسرى، إلى المقاومة البطولية في بردي وسحيلة وإسقاط أسطورة الدبابة الأمريكية ابرامز بعد الاستفتاء، عند محاولة عبادي والحشد احتلال أربيل، بعد الهجوم الغاشم من قِبل الحشد الشعبي والايرانيين والعراقيين وبدعمٍ من أمريكا وبريطانيا واحتلال كركوك والمناطق المتنازعة عليها، كلّ هذه الظروف الصعبة والمعاناة دفعت الكُرد إلى فكرة الاستفتاء على استقلال إقليم كُردستان العراق.
ثانياً: الأسس الدستورية والقانونية للاستفتاء واستقلال كُردستان وفق القوانين والتشريعات الدولية.
يؤكّد الرئيس مسعود بارزاني أنّ الدستور العراقي منح الكُرد حق الاستفتاء على استقلال كُردستان، حيث جاء في مقدّمة الدستور: إنّ الالتزام بالدستور شرط لبقاء وحدة العراق، وبما أنّ الحكومات العراقيةالمتعاقبة منذ ٢٠٠٥ لم يلتزموا بتطبيق القانون والدستور وانتهكوه في أكثر من ٥٥ مادة وخاصةً المادة ١٤٠، مع قطع موازنة الإقليم، دفع الكُرد إلى الاستفتاء على استقلال كُردستان الجنوبية ،وأن يكونوا مع العراق جارَين متفاهمين متعاونين.
وقبل ذلك كان مؤتمر المعارضة العراقية في لندن ٢٠٠٢ ك١، :اتفقنا – يقول الرئيس – أنّ العراق الجديد سيكون ديمقراطياً تعدّدياً، فيدرالياً، على أساس الشراكة والتوافق. إلا أنّ خيبة أمل الكُرد كان العنوان الأساسي من كلّ المراحل التي مرّ بها الكُرد من السياسات العراقية، وتأكّد لنا، يقول الرئيس، أنّ العراق يسير نحو الهاوية، ولم يعد بالإمكان العيش معاً، ثم يستعرض بارزاني الأسس القانونية والدستورية وفق المواثيق الدولية وحقّ الشعوب في تقرير مصيرها مع إعلان المبادئ الدستورية لدولة كُردستان القادمة ،و الذي يتضمّن حقوق الشعوب والقوميات والأديان التي تعيش في كُردستان.
وفي الختام يُظهر خيبة أمل الكُرد ليس فقط من الحكومات العراقية، وإنما من المجتمع الدولي والنظام العالمي الذي لا يقف مع الحقّ والقانون ،وإنما مع القوة والمصالح، كماأنّ خيبة الأمل الكبيرة والتي قصمت الظهر، هي العامل الداخلي الكُردستاني، والطعن من الخلف، والتنسيق مع العدو، ففي لقائه مع الأحزاب الكُردستانية بعد عودته من أمريكا، وشرح نتائج زيارته، يقول بارزاني باجتماع الأحزاب الكُردستانية : إنني أتحمّل مسؤولية تبعات الاستفتاء، بشرط أن لا يتمّ طعنها من الخلف، إلا أنّ هذا ظهر جلياً مع الأسف – في اجتماع دوكان ١٥ أيلول ٢٠١٧ قبل يوم واحد من الاستفتاء، بين المكتبين السياسيين الديمقراطي، والاتحاد الوطني حيث تأكّد أنّ هناك مؤامرة لتسليم كركوك والمناطق المتنازعة عليها للعراق من أطراف في الاتحاد الوطني – وللمفارقة المؤلمة، إنّ الذين دعوا إلى إجراء الاستفتاء في كركوك هم أنفسهم سلّموا كركوك للحشد والايرانيين!!!! ، وبالتنسيق مع إيران والحشد الشعبي، والعراق و بدعمٍ من الدول الإقليمية والدولية.