
قرار حلّ حزب العمال الكردستاني وآفاق حلّ القضية الكُردية في تركيا
فؤاد عليكو
في شباط 2024، كتبتُ مقالًا بعنوان (حزب العمال الكُردستاني ومبررات حمل السلاح)، تناولتُ فيه أنّ هذا السلاح بات عبئًا على تطور القضية الكُردية في تركيا، ويُلقي بظلاله السلبية على القضية الكُردية في الأجزاء الأخرى من كُردستان.
ويقيني أنّ زمن الكفاح المسلح بالنسبة لحركات التحرر الوطني قد انتهى بفعل عاملين أساسيين:
أولًا: انتهاء الصراع بين القطبين العالميين، الغربي والشرقي، منذ بداية انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991، حيث تلاشت حركات التحرر المنتشرة في العالم تدريجيًا، لفقدانها الداعم الاشتراكي في ظلّ الصراع على مناطق النفوذ العالمي. وبفقدان هذا الدعم، أصبح من الصعب على تلك الحركات الاستمرار في النضال بالطريقة التقليدية (الكفاح المسلح).
ثانيًا: التطور التكنولوجي الهائل في صناعة الأسلحة الدقيقة، وخاصةً الطائرات المسيّرة، حيث أصبح أسلوب الاحتماء بالجبال أو الغابات غير مجدٍ كما كان سابقًا.
إضافة إلى ذلك، فقد مارس حزب العمال الكُردستاني (PKK) النضال العسكري والسلمي معًا في تركيا. وعلى الرغم من أنّ نضاله العسكري استمرّ لأكثر من أربعين عامًا، وقدّم خلاله عشرات الآلاف من الشهداء، إلا أنه لم يتمكّن من تحرير بقعة جغرافية صغيرة في تركيا. بل اضطرّ معظم مقاتليه إلى الخروج من تركيا واللجوء إلى دول الجوار، خصوصًا إلى جبال كُردستان العراق، واتخاذ جبال قنديل الوعرة مركزًا رئيسياً لقيادته، مما تسبّب في خلق مشاكل كبيرة لإقليم كُردستان العراق، ولا تزال مستمرة.
في المقابل، حقّق الحزب تقدمًا كبيرًا في الجانب السياسي، حيث استفاد جناحه السياسي، المتمثل سابقًا بـ HDP وحاليًا بـ DEM، من المناخ الديمقراطي النسبي المتاح في تركيا، وحقّق إنجازات مهمة في الانتخابات منذ انخراطه في النضال السلمي الديمقراطي. ففي انتخابات عام 2015، حصل على 81 مقعدًا، إضافة إلى فوزه بـ 104 بلديات، منها 14 ولاية. واليوم، لديه 57 مقعدًا في البرلمان التركي وعدد مقبول من البلديات، ويُدافعون بشجاعة عن قضية شعبهم رغم كلّ الضغوطات والتهم الجاهزة بارتباطهم بحزب العمال الكُردستاني، سواءً كانوا برلمانيين أو رؤساء بلديات.
إنّ تخلّي PKK عن السلاح وحلّ نفسه وتسخير الطاقات الكُردية في خدمة التنظيم السياسي سيحقّق تطورًا كبيرًا للقضية الكُردية في تركيا. كما أنّ عقد تحالفات سياسية مع القوى السياسية التركية سيزيد من دعم الأتراك للقضية الكُردية.
ولتحقيق ذلك، ينبغي على التنظيم الجديد إعادة النظر في أطروحاته ومشروعه السياسي، بما في ذلك التخلي عن المصطلحات الطوباوية مثل “المجتمع الإيكولوجي”، و”الأمة الديمقراطية”، و”أخوّة الشعوب”، لصالح التركيز على القضية الكُردية والديمقراطية في تركيا.
بحيث يكون المشروع أقرب إلى النبض الكُردي، وأن يحمل طابعًا قوميًا كٌرديًا متكاملًا داخل تركيا، متناغمًا مع القوى الكُردستانية العاملة فيها، من أجل بناء تحالف كُردستاني ديمقراطي عريض، ثم التحالف مع القوى التركية اليسارية والليبرالية الديمقراطية، ليشكّلوا معًا قوة سياسية فاعلة قادرة على تحقيق انتصارات كبيرة لصالح القضية الكُردية وتركيا الديمقراطية بشكلٍ عام.
وفي الجانب الآخر من الصورة، لا يمكن تجاهل أنّ المقاتلين الذين أفنوا زهرة شبابهم في القتال لا يرون أنفسهم إلا والبندقية على أكتافهم، ومن الصعب أن يُقال لهم فجأة إنّ المعركة انتهت ولم نعد بحاجة إلى السلاح، دون تقديم مبررات مقنعة لذلك.
فالمقاتل، والكُرد عمومًا، لا يعرفون شيئًا واضحًا عما تمّ الاتفاق عليه، باستثناء شذرات نسمعها من السياسي الكُردي المستقل عبد الرحيم السماوي، في حين كان من المفترض أن نسمع بنود الاتفاق من قيادات PKK تحديدًا، وهذا ما لم يحدث حتى الآن، مما يُربك المشهد أكثر بالنسبة للمقاتلين.
لذلك، يجب على قيادة PKK شرح مضمون الاتفاق السياسي والثقافي، وبيان مصير المقاتلين الذين سيلقون السلاح، وأين سيذهبون، وما مصير المقاتلين من بقية أجزاء كُردستان، وما شعورهم بعد عودتهم إلى بلدانهم.
ويُستشفّ من تصريح القيادي مراد قريلان الأخير أنهم على دراية بمضمون الاتفاقية، حين قال: “نحن نثق بقائدنا عبد الله وبكلامه، لكننا لا نثق بتركيا”. وهذا يعني أنهم مطّلعون على مضمون التفاهم، لكنهم يخشون من تنصّل حكومة أردوغان منه.
كما صرّح بعده المتحدث باسم العلاقات الخارجية في منظومة المجتمع الكُردستاني، زاغروس هيوا، بأنّ إلقاء السلاح يتطلّب من تركيا تعديل قوانينها والإفراج عن الزعيم عبد الله أوجلان.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا لا تُنشر بنود التفاهم بين الطرفين حتى تصبح واقعًا شعبيًا ودوليا واضحًا، واطمئنانًا للمقاتلين الذين سيتركون السلاح وأن يشعروا بأنهم أنجزوا شيئًا مفيدًا لشعبهم، أو أنّ دماء الآلاف من رفاقهم لم تذهب هدرًا؟
الخلاصة:
نحن مع عملية السلام وحل القضية الكُردية بالوسائل السلمية، عبر الحوار، بعيدًا عن قعقعة السلاح والدم والدموع. وقد آن الأوان أن تُدرك القوى التي تتقاسم كُردستان أنّ سلب حرية الكُرد وحقوقهم لم يعد مجديًا في هذه المرحلة من تطور البشرية، وعليهم أن يقبلوا بالواقع والحقيقة الكُردية، لا كما رسموها أو لا زال بعضهم يرسمها في مخياله.
فالشمس لم تعد تُحجب بغربال.
المقال منشور في جريدة يكيتي العدد “332”