كلّ «خيارات» إيران تعقّد أزمتها
عبد الوهاب بدرخان
فور انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، وحتى عشية قرار الرئيس دونالد ترامب، تغيّرت اللهجة الإيرانية ولم يذهب المرشد علي خامنئي أو مجلس الشورى إلى حدّ الردّ بقرار مماثل، ويبدو أن الرئيس حسن روحاني استطاع الحصول على فرصة يبرهن فيها «فوائد» الحفاظ على الاتفاق مع الدول الخمس الأخرى من دون أميركا. حاولت طهران استثمار الشهادات التي اعتبرتها «محترمة للاتفاق» وللمواثيق الدولية، لكن هذا يبقى أبعد من أن يقنع إصلاحييها قبل متشدّديها، ولئلا تكون هناك أي أوهام إيرانية فإن العقوبات الأميركية الإضافية وضعت الجميع أمام واقع صعب جديد، وبالتالي فإن «فرصة» روحاني لن تجدي سوى في كسب الوقت ريثما تستوعب طهران الصدمة وتحدّد وجهتها.
طُرح بين الخيارات الإيرانية التي قيل إنها كثيرة ووفيرة، للردّ على الإجراء الأميركي، استئناف البرنامج النووي ودفع تخصيب اليورانيوم إلى أقصى حدّ، وكرر روحاني نفسه أن أميركا «ستندم» وفي كل مرّة كان يرفع درجة الندم. كما جرى التلميح إلى خيارات عسكرية في سوريا والعراق ترمي إلى إخراج/ طرد الولايات المتحدة من المنطقة. وبطبيعة الحال فإن استهداف المملكة العربية السعودية أقلّه من اليمن يأتي في طليعة تلك الخيارات. ولدى التدقيق في أي خيار، مع افتراض أنها كلّها ممكنة، فإن جدواها لا تتعدّى ما أصبح معروفاً من السجل الأسود سواء داخل إيران أو في المنطقة. لعل طهران هي التي يجب أن تندم على قراءتها الخاطئة للاتفاق النووي الذي خاضت الجهاد الأكبر للحصول عليه، لأن ما تُسمى «خيارات» هي نفسها لم تتبدّل منذ التفاوض على الاتفاق وبعد توقيعه والآن بعد إلغائه. فكلّ ما تعتزمه طهران أو تخطّط له لا يخرج عن النهج التخريبي الذي بلغ أقصاه، وإذا دفعها جموحها إلى أبعد فإن الخطر سيرتدّ عليها في أرضها.
اختبرت إيران في الأسابيع الأخيرة حدود خياراتها في سوريا، خصوصاً في مواجهات اليوم التالي لقرار ترامب، بل أمكنها لمس محاذير كانت تعرّفها وتستخفّ بها في تخطيطها لإشعال جبهة “الجولان”، يمكنها طبعاً الإصرار على هذا الهدف، طالما أنها تستند إلى تأييدٍ من حليفها النظام السوري الذي يعتبر أن الجميع بحاجة إليه وأن لديه ما يكسبه من أي تصعيد. لكن روسيا لا يمكن أن تدعم تهديداً لإسرائيل تمارسه إيران من الأراضي السورية، وإذا فعلت ومكّنتها فإنها ستجازف بمواجهة مع الولايات المتحدة التي ستُحبط استخدام هذا التهديد لتثبيت النفوذ الإيراني في سوريا. وما أظهرته وقائع الأعوام الثلاثة الأخيرة أن روسيا أجازت الضربات الإسرائيلية للإيرانيين وفرضت قيوداً على ردّ هؤلاء عليها، ما يشير في المقابل إلى أن موسكو ربما فاتحت طهران سابقاً بأن تدخلها في سوريا لن يكون معنياً بـ «المشروع الإيراني» في المنطقة. لكن الحاصل الآن أن الأميركيين والإسرائيليين يرفضون الوجود الإيراني في سوريا، وأي ضربة لإسرائيل في العمق ستطرح حكماً خيار ضرب إيران نفسها في العمق.
ربما تعتقد إيران أن تحرّكات أتباعها متاحة أكثر ضد الأميركيين في العراق، أو حتى ضد السعودية، لكن الظروف تغيّرت في أميركا ما بعد باراك أوباما وتغيّرت سعودياً وتتغيّر وإنْ ببطء عراقياً، والمهم أنها لم تعد كما كانت في الداخل الإيراني. الأكيد أن طهران وضعت في حساباتها احتمال الاستفادة من الخلافات والمواجهات الحادّة التي تشوب علاقات الدول الكبرى مع أميركا ترامب، ومع أنها تعرف استحالة التدخل في وضع كهذا أو توظيفه للتخلّص من الضغوط التي تتعرّض لها حالياً إلا أن ذلك لن يمنعها من المحاولة. لذلك اعتبرت أن افتراق فرنسا وبريطانيا وألمانيا عن الولايات المتحدة مكسب ينبغي التمسّك به والبناء عليه، خصوصاً أن الدول الثلاث التقت في مواقفها مع روسيا والصين.
مناخ الحرب في سوريا والأزمة المتجدّدة في شأن البرنامج النووي الإيراني انعشا موسكو إذ لوّحا لها بدور يمكن أن تنبري له. لكن ماذا يمكن الدول الخمس أن تطرحه على إيران؟ نعم للحفاظ على الاتفاق النووي لكن مع تشديد قيوده ومدّ أفقه الزمني. وعلى افتراض أن طهران قبلت بذلك التعديل، فإن الانسحاب الأميركي، كما أعلنه ترامب، تجاوز عملياً حدود هذا التعديل ليضع البرنامج الصاروخي وملف سياسات إيران الإقليمية على الطاولة، كما أن ترامب نفسه قال إن إيران ستضطر في النهاية للتفاوض. إذا فهذا هو المسار المرسوم، ولا يمكن لإيران أن تغيّره بميليشياتها وأسلحتها ولا بهروبها إلى الأمام.
الاتحاد
جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عــن رأي Yekiti Media