كوباني مرة أخرى
عدنان بدرالدين
تسلل عصابات – داعش – الإرهابية إلى كوباني، بعد ستة أشهر من تحريرها بجهود كردية ودولية مشتركة، وإرتكابها لمجازر مروعة بحق السكان المدنيين، يفضح مرة أخرى، وبجلاء،عجز المنظومة الأمنية والدفاعية لسلطة الأمر الواقع الأوجلانية عن حماية كردستان الغربية وشعبها. التبريرات التي تسوقها هذه السلطة الإشكالية هي واهية وغير مقنعة، إن لم تكن إستخفافا بعقول الناس. فسواء كانت عصابات الفاشية الدينية/القومجية المسماة داعش قد دخلت إلى كوباني من معبر – مرشد پينار – الحدودي الذي يفصل بين شطري الوطن الكردي المقسم، أو أنها تمددت إلى المنطقة من أماكن سلطتها في جرابلس والرقة، أو من كليهما معا، وهو الأمر المرجح، فإن القضية هي فشل أمني وعسكري كبير تتحمل مسؤوليته الإدارة الأوجلانية وملحقاتها، التي رغم تنوع أسماءها وألوانها الكثيرة، ليست أكثر من سلطة إكراهية مموهة لحزب العمال الكردستاني الذي يتموضع بوضوح لاتخطئه العين في محور موسكو – طهران – دمشق – بغداد. حتى أن التنسيق الأمريكي مع الميليشيات الأوجلانية في سورية، والإستعانة بخدماتها في محاربة داعش، يجب أن يقيم من هذه الزاوية بالتحديد، وعلى الخصوص من زاوية العلاقات الأمريكية الإيرانية التي تسير نحو المزيد من التنسيق والتعاون في ظل إدارة أوباما حول ملفات المنطقة، بما فيها حصرا الملف السوري، عشية التوقيع المرتقب على “الإتفاق النووي” مع إيران، الذي أصبح أمر حسمه مسألة أيام وحسب.
مابعد الهاوية
السياسات المغامرة واللامسؤولة لسلطة الأمر الواقع الأوجلانية زجت كردستان الغربية في أزمة وجودية ذات أبعاد ديمغرافية وأمنية وإقتصادية وإجتماعية شاملة أفرزت شللا شبه تام للهياكل الإجتماعية والسياسية القائمة إلى درجة أصبحت معها إمكانية تجاوز هذه الأزمة بالجهود والطاقات الذاتية لمجتمع كردستان الغربية أمرا في غاية الصعوبة، إن لم تكن مستحيلة. حوالي ثلث الشعب الكردي هجر، وإرتفاع منسوب القمع الذي تمارسه سلطة الأمر الواقع حتى مقارنة بسلطة الأسد تفاقم من هذا النزيف البشري المرعب مع مرور كل يوم، كما أن الفشل في إدارة الحياة الإقتصادية بما يوفر أشد حاجات المواطنين إلحاحا، مضافا إليه إزدياد الحصار المطبق على كردستان من كل الجهات بفعل كل هذه السياسات الخرقاء القائمة على إستعداء كل المحيط الكردي، بالجملة والمفرق، كل ذلك يجعل من بلادنا رهينة لطموحات حزبية ضيقة باتت تهدد بتهجير ماتبقى من أبناء شعبنا، أي تصفية القضية الكردية من الأساس على مذبح ثورة مزعومة.
كل حسب حجمه
يجب البدء بتغيير موازيين القوى داخل الوطن بما يؤدي إلى وضع الحركة الأوجلانية في كردستان الغربية في الموقع الذي تستحقه. فالواقع أن أنصار أوجلان، ورغم كل الضجيج الإعلامي الذي تضخه وسائل دعايتهم الضخمة، هم مجرد تيار من جملة تيارات سياسية تتقاسم النفوذ في هذا الجزء من وطننا، وهو ذو قاعدة إجتماعية متواضعه، أزعم أنها تقلصت كثيرا خلال السنة والنصف الأخيرة، بعد أن توضحت للعلن توجهاته السياسية الكوسموبوليتية، وممارساته القمعية على الأرض، وتحالفاته المريبة مع أوساط وتيارات معادية للحقوق الكردية صراحة، لابل ضمها إلى إدارته الذاتية، ناهيك عن تحالفه المموه مع أجهزة النظام حتى في المناطق التي يفترض أن “ثورة روجآفا” قد طهرتها منه في قامشلو والحسكة وغيرهما.
والواقع أن زعماء الحركة الأوجلانية وحلفائهم على إدراك تام بهذه الحقيقة، ولهذا فهم يفشلون على الدوام كل المحاولات التي من شأنها أن تؤدي إلى أي إتفاق كردي – كردي يفتح الطريق أمام ممارسه ديمقراطية حقيقية، لأن ذلك سيؤدي إلى كشف حجمهم الحقيقي داخل مجتمع كردستان الغربية، وبالتالي تقويض كل أسس دعايتهم القائمة على وجود ثورة شاملة في “روجآفا” “يتفاني الشعب” من أجل تحقيق أهدافها في “الإداره الذاتية الديمقراطية” و “الأمة الديمقراطية” و “أخوة الشعوب” وغيرها من البدع الفكرية الذي لاتعني أي شيئ على الإطلاق.
مقاومة بطولية… ولكن!
مقاتلو وحدات حماية الشعب والمرأة الأوجلانية العاملة في كردستان الغربية أثبتوا كفاءة جيدة في ساحات المواجهة مع تنظيم – داعش – الإرهابي، وهزموه في أكثر من معركة، وهم لذلك يستحقون كل الثناء والتقدير. بطولات هؤلاء الفتية الشجعان يجب أن تسجل بحروف من ذهب في تاريخ المقاومة الأسطورية للشعب الكردي من أجل نيل حريته المسلوبة، لا أن يتم إستثمارها في دعاية حزبية لصالح مشاريع طوباوية والترويج لثورات مزعومة جاءت وبالا على الكرد وقضيتهم. ليس هناك أي إشكال على أداء هذه القوات إلا من زاوية العقيدة القتالية التي يتم تقلينها إياها والقائمة على “حماية مكتسبات ثورة روجآفا”، والتفاني من أجل تحقيق أهدافها في “الإدارة الذاتية الديمقراطية” وبناء “الأمة الديمقراطية” كتعبير عن الإلتزام ب “فكر القائد أوجلان”، وهي قضايا تعتبر مثار خلاف حاد في المجتمع الكردي في سورية، وتعارضها أغلبية شعب كردستان الغربية ويجعل من هذه القوات، رغم كل بطولاتها، مجرد “ميليشيا حزبية”، وهنا بالضبط تكمن الخطورة. إذ أن بسالة هؤلاء المقاتلين، وهي بالمناسبة خصلة كردية أصيلة ميزت الفرد الكردي عبر التاريخ، وليست “صناعة حزبية” كما تروج له التيارات السياسية الكردية المتنافسة، نقول أن هذه الخصلة الحميدة يمكن أن تستغل في إراقة الدماء الكردية، وتدمير المجتمع الكردي من خلال مواجهات دامية بين “الأخوة الأعداء” وهو أمر تكرر مع الأسف حدوثه كثيرأ في الماضي بما فيه القريب. أي أن هذه العقيدة القتالية الخطيرة يمكن أن تدفع بالمقاتل الكردي الذي يستبسل في المواجهة اليوم مع قطعان داعش الإرهابية أن يفعل الشيئ ذاته غدا في في مواجهة أخيه الكردي وإهدار دمه. ولاء المقاتل الكردي، أيا كان هو، يجب أن يكون للوطن والشعب وليس للحزب والقائد، حتى لو كان هذا القائد بقامة مسعود بارزاني أو عبدالله أوجلان أو غيرهما من زعماء شعبنا ورموزه الذين نكن لهم كل تقدير وإحترام.
ما العمل؟
المطلوب إتخاز جملة من الإجراءات والتدابير الفورية في سبيل الخروج من الأزمة القائمة من أهمها:
– إستنفار كل الطاقات المتوفرة من أجل التصدي لتمدد داعش بإتجاه المناطق الكردية، بما في ذلك إستقدام بيشمركة – روجآفا- للمشاركة في حماية كردستان الغربية وشعبها دون الإكتراث بموقف الإدارة الأوجلانية الذي كما هي معلوم معارضة بشدة لهذا الأمر لأسباب معروفة. والواقع أن هذا لن يتم إلا بقرار من إقليم كردستان، وعلى الخصوص رئاسته التي أشرفت ورعت مشكورة عملية تشكيل هذه القوة الوطنية الكردية تدريبا وتسليحا وتوجيها.
– التفكير جديا بإيجاد بديل للمجلس الوطني الكردي الذي ثبت فشله وعدم فعاليته على كافة الأصعدة لأسباب بنيوية وسياسية وتنظيمية عميقة جعلته غير قابل للإصلاح. والواقع أن الأداء الرديء للمجلس العتيد الذي، لايزال قادته، بإستثناءات قليلة، يفكرون و “يخططون” بعقلية الستينيات والسبعينيات من القرن المنصرم، أدى منطقيا إلى مآلت إليه أوضاع شعبنا من تهجير وقمع وتجويع ، إذ أن سياساته الإتكالية، وسلبيته المفرطة، وإفتقاده للإستراتيجية كان موضوعيا وراء صعود الحركة الأوجلانية من حزب هامشي صغير إلى حركة سياسية وعسكرية مهيمنة على كردستان الغربية بالتشارك مع نظام الأسد. شعبنا بحاجة إلى تنظيم سياسي عصري، ليس مبنيا على أساس المحاصصه الحزبية، ذو بنية تنظيمية جماهيرية مرنة، ولكن قائمة على أساس مركزي، وبقيادة كاريزماتية ذات صلاحيات واسعة، تمنح مايكفي من الوقت لإنجاز مهام المرحلة الراهنة المتمثلة في تخليص البلاد من الإستبداد والإرهاب، وإقامة البديل الديمقراطي المتمثل في سورية ديمقراطية تعددية لامركزية يتمتع فيه الشعب الكردي بكافة حقوقه القومية. وللأحزاب الحالية أو المستحدثة أن تمارس نشاطها الإعتيادي بصورة مستقلة خارج هذا الإطار، إن هي إرتأت ذلك.
– بالنظر إلى حجم الأزمة الراهنة وخطورتها لدرجة أصبحت مسألة التصدي لها بحكم الظروف السائدة تفوق الإمكانيات الذاتية لشعب كردستان الغربية، فإن هناك حاجة ملحة تستدعي قيام إقليم كردستان العراق، كونه القوة الكردية الوحيدة التي تحظى بحد كبير من الإعتراف الدولي، و تتمتع بصوت مسموع في أروقة صناعة القرار في عواصم العالم الكبرى، نقول أن الأمر يستدعي قيام الإقليم بتقديم شتى أنواع الدعم المادي والعسكري والدبلوماسي إلى كردستان الغربية بما في ذلك نشر بيشمركة إقليم كردستان العراق في كردستان الغربية مما سيؤدي إلى عودة الأمن والأمان، ويسرع من القضاء على إرهاب داعش وأخواتها، ويمهد الطريق أمام عودة المهجرين من كردستان العراق وتركيا إلى بيوتهم، كما أنه سيخفف من العبأ الذي يتحمله الطرفان المذكوران في إيواء مئات الآلاف من اللاجئين، ويقطع الطريق أمام خطط الحكومة التركية للتدخل العسكري في كردستان الغربية بذريعة “درء قيام دولة كردية تابعة لحزب العمال الكردستاني في شمال سورية”.
– على الكتلة الكردية داخل الإئتلاف الوطني السوري أن تواجه بحزم توجهاته العنصرية الحاقدة التي بدأت تظهرعلى السطح مؤخرا، خاصة بعد طرد تنظيم داعش الإرهابي من تل أبيض بمساعدة سلاح الجو التابع للتحالف الدولي بما في ذلك تحت التهديد بالإنسحاب منه. فقد قام الإئتلاف الذي يسكت عن جرائم داعش ويعتبر جبهة النصرة التي هي فرع للقاعدة “تيارامقاوما”، قام بحملة تضليلية شرسة قائمة على نشر الأكاذيب والنفخ في نار العداء للشعب الكردي بمزاعم عارية عن الصحة حول “قيام القوات الكردية بعمليات تطهير عرقي للسكان العرب في مناطق تل أبيض وريف الحسكة الجنوبي” . والواقع أننا، وفي الوقت الذي نسجل فيه ملاحظاتنا على تمدد قوات الحماية الشعبية إلى مناطق ذات أغلبية عربية بما في ذلك تل أبيض والتي تقف ورائها بالدرجة الأولى مصالح حزبية ضيقة تلهث وراء الحصول على بركات “الإمبريالية الأمريكية” التي يلعنها أخوتنا الأوجلانيين في وثائقهم وتصريحاتهم صباح مساء، فإننا واثقون بأن إتهامهم بإرتكاب المجازر بحق عرب هذه المناطق هي مجرد أكاذيب لا أساس لها تكشف للأسف عن الوجه القبيح لقسم كبيرمن المعارضة العربية التي بدأت تزايد حتى على النظام الإستبدادي في عدائها للكرد، وهو أمر لايجوز القبول به، تحت أي مبرر. ولهذا فإننا ندعوها إلى الإبتعاد عن مثل هذا النهج الخطير، إذ لابديل عن التلاحم والتكاتف بين سائر المكونات السورية وفي مقدمتهم العرب والكرد من أجل دحر الإستبداد والإرهاب وبناء مستقبل أفضل لأجيالنا الآتية.