
كونفرانس وحدة الصف والموقف: خطوة مهمة في تعزيز الحقوق الكُردية في سوريا
المحامي: أكرم شمو
شهدت الحركة الكُردية في سوريا تحولات كبيرة على مدار السنوات الماضية. فقد شهدت حركتها السياسية حالة من التشرذم والتناحر ؛ مما عرقل في تحقيق أهدافها الوطنية. ومع ذلك، ففي الفترة الأخيرة، وعلى إثر سلسلة من الاجتماعات والمشاورات التي جمعت بين الأطراف الكُردية وخاصة الرئيسية منها (المجلس الوطني الكُردي وحزب الاتحاد الديمقراطي)، تمّ التوصل إلى اتفاق على رؤية سياسية موحدة، وعلى تشكيل وفد كُردي موحد. ومن أجل توسيع القاعدة الشعبية والسياسية وإضفاء المزيد من الشرعية على ذلك الأتفاق، تمّ توافق آخر تمثّل في عقد “كونفرانس وحدة الصف والموقف الكُردي” لإشراك كافة الأحزاب والفعاليات الكُردية والشخصيات المستقلة في المصادقة، ودعم الوثيقة المتفق عليها بين الجانبين.
هذا الكونفرانس كان نقطة تحول مهمة، حيث أظهر التزاماً جماعياً من جميع الأطراف الكُردية بتحقيق وحدة حقيقية، ما يفتح الطريق أمام تحسين موقفهم في الحوار الوطني السوري.
ويأتي هذا التغيير في وقتٍ شهدت فيه سوريا تغييرات كبيرة في السلطة بعد سقوط النظام السابق. ففي ظلّ هذه التحولات، وجد الكُرد أنفسهم أمام تحديات جديدة، من أبرزها تأكيد حقوقهم القومية والسياسية ضمن إطار وحدة البلاد. ومع استمرار التصريحات المطمئنة من بعض المسؤولين في دمشق، فإننا لا يمكننا إغفال أنّ السنوات الطويلة من الاضطهاد والظلم التي تعرّض لها الكُرد في سوريا تفرض ضرورة اتخاذ خطوات عملية لتثبيت حقوقهم دستورياً. وهذا ما دفع بالحركة الكُردية إلى اتخاذ خطوات جادة نحو توحيد صفوفها في مواجهة هذه التحديات.
يجسّد “كونفرانس وحدة الصف والموقف الكردي” خطوة تاريخية على هذا الطريق. فقد تمّ الاتفاق على تشكيل وفد كُردي موحد للتفاوض مع دمشق، وهو ما يعدّ بمثابة تحقيق جزء مهم من الأهداف الكُردية، رغم وجود بعض الأخطاء الإجرائية الشكلية في عقد الكونفراس، إلا أنّ النتيجة كانت إيجابية للغاية، وأثبتت قدرة الكُرد على توحيد موقفهم بشكلٍ فعّال.
كان للضغط الشعبي الكُردي دور أساسي في دفع الحركة السياسية الكُردية نحو هذا التوحيد.
إن شعبنا الكُردي في سوريا أثبت أنه لا يزال يسعى لتحقيق حقوقه المشروعة من خلال مسار ديمقراطي وضمن إطار وحدة البلاد. لطالما كان الحوار الوطني هو المدخل الأساسي لحل القضية الكُردية، وهو ما تؤكّده كافة الأحزاب الكُردية عبر تاريخها.
من جانبٍ آخر، لعب التحالف الدولي ضد داعش، وخاصةً الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا، دوراً مهماً في دعم هذه العملية. فقد تابعوا عن كثب سير الحوار الكُردي الداخلي وقدّموا الدعم السياسي والمعنوي، وهو ما ساعد على تعزيز الثقة بين الأطراف الكُردية ودفع عملية التفاوض نحو النجاح. لقد شكّل هذا التعاون الدولي خطوة إيجابية ساعدت في تحقيق نتائج ملموسة في وحدة الموقف الكُردي.
كما لا يمكننا أيضاً إغفال الدور البارز للزعيم الكُردي مسعود بارزاني في هذا الإنجاز. فقد قدّم دعماً سياسياً ولوجستياً كبيراً، وساهم بشكلٌ فعال في إنجاح “كونفرانس وحدة الصف والموقف الكُردي”، وكان له تأثير كبير في توحيد الموقف الكُردي وتوجيهه نحو رؤية سياسية مشتركة.
إلى جانب ذلك، كان للسيد مظلوم عبدي قائد قوات سوريا الديمقراطية دور محوري في هذا النجاح. حيث كان له دور كبير في رعاية الحوار الكُردي الداخلي والإشراف المباشر على المفاوضات، مما ضاعف من فرص نجاح الاتفاق وفي تحقيق التفاهمات بين الأطراف الكُردية المختلفة لضمان أن تفضي هذه المحادثات إلى اتفاق شامل يلبّي تطلعات الشعب الكُردي في سوريا.
إنّ هذا التوحيد لم يكن مجرد خطوة سياسية، بل كان تعبيراً عن إرادة الشعب الكُردي في سوريا في نيل حقوقه القومية المشروعة. وعلينا أن ندرك أنّ الحوار الوطني السوري الشامل مع كافة المكونات، بما في ذلك الكُرد، هو الطريق الوحيد لتحقيق الاستقرار في سوريا. وفي هذا السياق، كان دور التحالف الدولي إيجابياً في دعم هذا التوجه. إلا أنه من الأهمية بمكان أن يستمرّ هذا الحوار من خلال شراكة حقيقية بين جميع المكونات السورية، بعيداً عن أي تدخلات خارجية قد تؤثّر على طبيعة الحوار الداخلي السوري.
وفي المستقبل، يبقى الهدف الأسمى أمام الحركة الكُردية هو تعزيز الوحدة الكُردية الداخلية، والعمل على توسيع قاعدة الدعم الوطني في سوريا.
إن نجاح “كونفرانس وحدة الصف والموقف الكُردي ” يمثّل بداية حقيقية لمستقبل أكثر إشراقاً للشعب الكُردي في سوريا، حيث يتطّلع الكُرد إلى تحقيق مطالبهم العادلة ضمن إطار وحدة البلاد، بعيداً عن طروحات الانفصال أو التقسيم التي يروّج لها البعض.
إن هذه الوحدة كانت وما زالت مطلب جميع القوى والأحزاب الكُردية عبر تاريخها، وتؤكّد على أنّ حلّ القضية الكُردية يتمّ عبر الحوار والتفاوض ضمن نطاق وحدة سوريا.
وتتمثّل رؤية الحركة الكُردية لنظام الحكم في سوريا وفق الرؤية السياسية المشتركة وفي إطار التفاهمات التي تمّ التوصل إليها خلال الكونفرانس، حيث ترى أنّ نظام الحكم الأنسب لسوريا المستقبل هو نظام ديمقراطي تعددي فيدرالي اتحادي، يضمن تمثيلاً عادلاً لجميع المكونات السورية. هذا النظام يعكس تنوع الشعب السوري ويتيح لكل قومية ومنطقة إدارة شؤونها وفقاً لخصوصياتها الثقافية واللغوية، ويعزّز من فرص الاستقرار والتنمية في البلاد دون المساس بوحدتها.
في النهاية، إنّ “كونفرانس وحدة الصف والموقف الكُردي ” يعتبر محطة مهمة في مسيرة الحركة الكُردية، ولكنه ليس نهاية المطاف. فالكُرد في سوريا قد حقّقوا مرحلة مهمة، ولكن ما يزال أمامهم الكثير من العمل لضمان تحقيق كامل حقوقهم وتحقيق السلام الدائم في سوريا.
المقال منشور في جريدة يكيتي العدد “331”