كي لا تبقى الحقيقة غائبة (رداً على هذيان صلاح بدرالدين)..الجزء الرابع
فؤاد عليكو
– النظام والانتخابات:
كان النظام وحتى عام 1990 يشكّل قوائم جاهزة مغلقة بأسماء المرشحين لعضوية مجلس الشعب وكان يسخّر كلّ موارد الدولة والأجهزة الأمنية لدفع الناس للذهاب إلى صناديق الاقتراع ليدلوا بأصواتهم دون الذهاب للغرفة السرية، إضافةً لتوجيه قواعد البعث وشبيبة الثورة التابعة لهم واستنفارهم للقيام بالدعاية وتوزيع البطاقات الانتخابية في المدن والقرى وعلى أبواب مراكز الاقتراع إضافةً إلى تعيين جميع اللجان المشرفة على الصناديق من البعثيين، وكانت الحركة الكُردية تشارك في الانتخابات وتقدّم مرشّحيها دون الأمل بالفوز نهائياً ، بل لاستغلال هذه الفرصة لمدة شهرٍ كامل كلّ أربع سنوات للقيام بالنشاط العلني والتواصل المباشر مع جماهيرها وإثبات ذلك للنظام بأنّ الشارع يقف مع حركته السياسية وعدم ترك الساحة مفتوحةً للبعث، وكان يتمّ اختيار عدة مرشّحين حتى من الحزب الواحد للقيام بهذه النشاطات،ثم يوجّه ناخبيه للتصويت للشخص المعتمد.
لكن في عام 1990 وبعد التغييرات الكبيرة التي حدثت في أوروبا الشرقية من هدمٍ لجدار برلين وسحل شاوشييكو في ساحة بخارست حينها…شعر حافظ الأسد بالهلع من أنّ رياح التغيير والبروسترويكا ضدّ الأنظمة الدكتاتورية قد هبّت وستطال جميع الأنظمة الدكتاتورية في العالم، لذلك عمل على امتصاص نقمة الشارع بطريقةٍ ذكية حيث أصدر الأسد قراراً بإفساح المجال للمستقلّين بنسبة الثلث للدخول للبرلمان وللجبهة الوطنية التقدمية نسبة الثلثين، وهذه النسبة المخصّصة للجبهة قادرة بأن لا يُسمح للمستقلّين بتمرير أيّ قرارٍ يعاكس توجّهات النظام، حتى وإن كان جميع المستقلين مع اقتراحٍ ما ،وهذا ما يُعتبر من المستحيلات ، وبذلك حقّق النظام أمرين هامين:
الأول: إبقاء القرار بيده دون منازع والثاني: تنفيس الاحتقان في الشارع السوري إلى حدٍّ ما .لكن بعد أن انحصر التغيير في أوروبا ، ولم يمتد عالمياً لجأ النظام إلى ستخدام أسلوبٍ جديد للسيطرة على قائمة المستقلّين، بحيث يتمّ إدراج أسماء مستقلّين محدّدين مقبولين منه ضمن قائمة الجبهة، وهكذا تنتفي فرص النجاح للمستقلّين الحقيقيين مجدّداً نتيجة ذلك ، وطبّق هذا الأسلوب عملياً في انتخابات 1994 ولا يزال.
– حول ترشيحي للانتخابات :
عقدت اللجنة المركزية جلسةً خاصة أواخر نيسان 1990 وقرّرت ترشيح الرفيق بشار آمين عضو اللجنة المنطقية كمرشحٍ للحزب بدايةً، لكن بعد يومين أو ثلاثة تفاجأت بقدوم الرفيق المرحوم نذير شيخموس عضو اللجنة المركزية إلى منزلي في رأس العين وتحدّث قائلا (بأنه وصلت إليه معلومات من جهةٍ موثّقة، بأنّ انتخابات هذا العام ستكون حرة بالنسبة للمستقلّين دون تدخل السلطة، وأنّ قائمة الجبهة لن تكون كاملة وذلك لإفساح المجال لثلث مرشّحي المحافظة بالفوز من خلال المنافسة الحرة بينهم، أي بين خمسة أعضاء من أصل خمسة عشر عضواً لممثّلي محافظة الحسكة وتأكيداً لهذا الكلام فقد ترشّح الأستاذ حميد درويش والأستاذ كمال درويش للانتخابات وهما سكرتاري حزبيهما،لذلك من الضروري أن يترشّح أحد من اللجنة المركزية ؛كي ندخل في حوارٍ مع الأحزاب من منطقٍ أقوى وأنا تواصلت مع رفاق حلب فهم مع ترشيحي أو ترشيحك وأنا أعرف أنّ الأستاذ حسن والأستاذ عبدالباقي لن يوافقا على ترشيحي، لذلك أعتقد أنت المرشّح المقبول لنا جميعاً). فقلت : لا أستطيع أن أعدك إلا بعد أن آخذ رأي الرفيقين في الموضوع، وهكذا سافرت إلى القامشلي والتقيت بهما ووافقا على الاقتراح دون تردّد، ثم عدت من القامشلي إلى الحسكة، وقدّمت ترشيحي للمحافظة وعدت لرأس العين لممارسة عملي في التدريس، دون أن اكترث للموضوع بتاتاً، وبقي الأستاذ حسن والأستاذ عبدالباقي يديرون الحوارات مع أحزاب الحركة الكُردية للاتفاق على قائمةٍ موحّدة.
– حوارات الحركة الكُردية والقائمة الموحدة :
كان هناك خمسة مرشحين لخمسة أحزاب وهم المرحوم الأستاذ حميد درويش مرشّح التقدمي.
المرحوم الأستاذ كمال درويش مرشّح البارتي
والأستاذ صالح عمر مرشّح البارتي جناح المرحوم الأستاذ إسماعيل عمر.
والأخ أشرف الملا مرشّح الحزب اليساري
وأنا ممثّلاً عن الاتحاد الشعبي .
بالإضافة إلى وجود حزبين آخرين ليس لهما مرشحين. هما حزب الشغيلة وحزب العمل الكُردي ، لكنهما كانا يقفان معنا في كلّ شيء.
وأثناء الحوار اعترضتهم مشكلتان :
الأولى الاتفاق على عدد المرشّحين حيث كان يصرّ التقدمي والبارتي بأننا يجب أن نعمل ضمن القائمة المسموح بها للمستقلّين لأنّ التصادم مع قائمة الجبهة غير عملي ، ولايؤدّي بنا إلى نتيجةٍ مرضية والنظام سيفرض قائمته شئنا أم أبينا، لذلك يجب الاكتفاء بتقديم مرشّحين اثنين ونتفق مع شخصيتين عربيتين وشخص مسيحي، وهكذا تكون القائمة عملية ومقبولة وتمتلك فرص النجاح ،والشخصيتان بالتأكيد سيكونان من سكرتيري الحزبين لأنهما يعتبران من أكثر الأحزاب الكُردية تأثيراً على الشارع الكُردي حينها ،وهذا يعني على الأحزاب الأخرى التنازل لهما تلقائياً وسحب مرشيحهم وهذا ماكان يلقى رفضاً قاطعاً من قبل بقية الأحزاب ،ويقترحون البديل كالتالي:بما أنّ قائمة الجبهة العشرة كلها عرب ما عدا كُردي شيوعي واحد وهذا يعني أنّ من أصل 15 مرشح يكون هناك 6 أكراد فقط وهذا أقل من استحقاقنا السكاني في المحافظة ، لذلك علينا تشكيل القائمة الكُردية من خمسة المرشّحين. وإلا فنحن أمام قائمتين كُرديتين وهنا حصلت ضغوطات كبيرة على الطرفين من الشارع الكُردي بتشكيل قائمة موحدة، وعندها تنازلت الأحزاب الثلاثة عن شروطها وطالبوا بإضافة ممثل واحد عن الأحزاب الثلاثة لتصبح القائمة من ثلاثة أشخاص.
المشكلة الثانية :مَن هو المرشح الثالث من بين المرشّحين الثلاثة سيتمّ اختياره ،وبعد مداولاتٍ طويلة تمّ اختياري كمرشّحٍ ثالث إلى جانب المرحومين حميد وكمال مع حفظ الألقاب، بعد ذلك اتصل معي الأستاذ عبدالباقي وطلب مني المجيء إلى قامشلو للبدء بالدعاية الانتخابية، وإذا افترضنا انحياز الأستاذ حسن لهذه المعلومات فبإمكان أي شخصٍ التواصل مع الأستاذ خيرالدين مراد سكرتير الحزب اليساري حينها وكان يعيش أدق تفاصيل تلك المرحلة والحمد لله لازال يحتفظ بذاكرةٍ قوية والأهم يملك ضميراً. بعكس صلاح الذي بات يفتقر للذاكرة ولا يملك ضميراً اصلاً من بداياته.
وهكذا دخلنا الانتخابات بقائمةٍ واحدة والتفّ الشارع الكُردي، حول حركته السياسية بشكلٍ منقطع النظير، وحصل كلّ واحدٍ منا على أكثر من 50 ألف صوت وبفارقٍ كبير عن بقية المرشّحين ،لكنّ مشكلة أخرى اعترضتنا،حيث استدعى محافظ الحسكة مصطفى ميرو الأستاذ حميد درويش والأستاذ كمال وطلب منهما أن يتنازل فؤاد لأحد المرشّحين العرب بداعي أننا أخذنا نسبةً أعلى من استحقاقنا،وهنا كان الجواب أما نحن الثلاثة أو لا أحد وقد أوصل الأستاذ حميد الخبر لي عن طريق أحد رفاقنا بأن اتوارى عن الأنظار ليومين حتى لا أتعرّض لضغوطاتٍ من السلطة، وقد وصل الموضوع للقيادة القطرية ولحافظ الأسد؛ لكن في النهاية رضخوا للأمر الواقع وتمّ إعلان النتائج كما هي.
وحصل الموقف نفسه 1992 حين وزّعنا ملصقا (بيان ) باسم القيادة المشتركة للأحزاب المتحاورة من أجل الوحدة الاندماجية ( الموحد-الاتحاد الشعبي -الشغيلة) وعلى أثرها اعتُقل عدد كبير من الرفاق ، أفرج عن الكثيرين وأحيل 21 رفيقاً إلى المحاكمة من بينهم الرفيقان القياديان سليمان اوسو وعبدالباقي يوسف والكاتب المعروف وليد عبدالقادر.
حينها طلب وزير الداخلية محمد الحربا من عبد القادر قدروة رئيس مجلس الشعب برفع الحصانة عن فؤاد ليتمكّنوا من اعتقاله وعندما استشار قدورة الزميلين المرحومين الأستاذين حميد وكمال حول الموضوع رفضا بشكلٍ قاطع الفكرة وقالا له: حينها سنستقيل نحن أيضاً وذهبا لوزير الداخلية لنفس الأمر وطوي الموضوع ).
هذا كلّ ماحصل ،فأين محمد منصورة ياسيد صلاح من كلّ هذا ؟.
ثم انك اتهمت اثنين من ثلاثة من مرشحي الحركة الكُردية بالعمالة للنظام ،ألا يُعتبر ذلك إهانة لكلّ الحركة الكُردية وللشعب الكُردي الذي منحهم ثقته وأصواته ؟.
وأين موقع الأستاذ المرحوم كمال من تحالفه مع (العملاء ) حسب تصنيفك السخيف؟.
قليلا من الخجل يارجل.
خاصةً وانت تدين نفسك من فمك، ففي المقابلة حين تقول في الدقيقة 42 إلى 48 من الجزء الثالث للمقابلة (بأنه نتيجة تعاظم دور الحزب محلياً ودولياً أرسل حافظ الأسد محمد منصورة كرئيس للأمن العسكري برتبة ملازم خصيصاً لشقّ حزب الاتحاد الشعبي)
حقيقةً لا أستطيع ان اصنّف هذا الكلام في أي خانة، هل هو الخرف يرفع برأسه أم هذيان نتيجة سهرة مجونية كعادتك، لذلك اعتبرتها هذيان في عنواني للرد، وذلك للحقائق التالية :
– كل أهل الجزيرة يعرفون بأنّ محمد منصورة انتقل للقامشلي في أواسط السبعينات برتبة ملازم أول كما تفضّلت، وحينها لم أكن عضواً في الحزب أصلاً كما ذكرت سابقاً نتيجة وجودي في الخدمة العسكرية.
– لم يكن حينها وجودٌ لحزبٍ باسم الاتحاد الشعبي اصلاً إذ تمّ اختيار الاسم سنة 1980 كما تعلم.
– لم يكن وقتها رئيساً للأمن العسكري وبعد التقصي عن الحقيقة فقد كان المقدم أو العقيد يحيى رئيساً للفرع ومنصورة ضابطاً في الفرع وأصبح رئيسا للأمن العسكري برتبة رائد عام 1981.
هذه هي الحقيقة ياسيد صلاح وبسبب هذا الهذيان لم يعد بإمكان كلابك المسعورة أن يعضّوا كما اعتدنا عليهم وتشكر عليه.
أما لقاءاتي بالسيد محمد منصورة فكنا نلتقي به نحن الثلاثة معاً كلما اقتضت حاجة شعبنا، مثل مجزرة سجن الحسكة 1993 وغيرها.
لكنني التقيت به مرةً واحدة لمدة خمس دقائق فقط ، ففي عام 1993م قام الحزب في تشرين الأول بتوزيع منشور بمناسبة الإحصاء وقد طلب مني الرفيق محمود صابر ابو صابر السيارة ليتمكّن من توزيع المناشير بالسرعة الممكنة، وأثناء توزيع المناشير برفقة الرفيق عبدالباسط حمو (وكانا أعضاء في لجنة منطقية شرق قامشلو) اكتشف أمرهم وتمّت ملاحقتهم وفي لحظةٍ ما استطاع عبدالباسط الهرب من السيارة وتمّ اعتقال أبو صابر واحتجاز السيارة (بيكاب).
وتعرّض أبو صابر لتعذيبٍ شديد ولم يعترف على رفيقه وبقي 7 أشهر في السجن، وتوارى عبدالباسط عن الأنظار لفترةٍ معينة ثم قابلني وقال بأنني سأغادر سوريا فقلت له أنت حر في قرارك وهكذا استقرّ في ألمانيا حتى اليوم.
أما عن السيارة فقد ذهب المرحوم رمو شيخو أبو جنكو بعد أسبوعٍ من احتجازها إلى منصورة (دون أن يطلب رأيي ). فقال له منصورة : ليأتي فؤاد الساعة العاشرة صباحاً ليأخذ سيارته وذهبت في الموعد المحدّد على بوابة الأمن العسكري وبعد الاتصال معهم قالوا ليأتي إلينا مساءً لأنّ (المعلم) مشغول، حينها اتصلت بأبو جنكو وقلت له لن أذهب مساءً واحتجاز السيارة ليس بأفضل من اعتقال رفيقي وفي المساء ذهب أبو جنكو وطلب السيارة فلم يلبٍ طلبه وأصر أن أذهب أنا اليه، وهكذا بقيت السيارة محتجزة عندهم لمدة أكثر من شهرين لا أعرف التاريخ، لكن التاريخ مرتبط بمجيء المرحوم الرئيس جلال الطالباني إلى قامشلو، وفي جلسة العشاء بين منصورة والرئيس طالباني طلب منه حضور أبو جنكو للعشاء فقال له هو زعلان مني وشرح السبب وحسب ما نقله أبو جنكو لي فيما بعد بأنّ الرئيس جلال طالباني قال له أليس عيباً أن تحجز سيارة عضو مجلس شعبك حينها اتصلوا بأبو جنكو وحضر إليهم ثم اتصل ابو جنكو معي وقال تفضل محمد منصورة معك فقال لي منصورة تعال خذ سيارتك غداً وفي الصباح ذهبت ولم يقل إلا كلمة واحدة كنت مشغولاً ذلك الصباح لماذا لم تأتٍ مساءً لأخذها؛ رديت عليه و قلت له : ربما كنتم بحاجة للسيارة وهنا سكت ولم يقل كلمة واحدة وطلب من سكرتيره إعطائي مفتاح السيارة.ثم غادرت. وبعدها لم ألتقٍ به إلا أثناء الانتفاضة 2004.
في الحلقة القادمة( بعد أسبوع ) سنتحدّث عن هذيانك ولقائك مع اللواء محمد ناصيف وحديثك عن رابطة كاوا وغيرها من المواضيع.