كي لا تبقى الحقيقة غائبة (رداً على هذيان صلاح بدر الدين )……الجزء الثاني
فؤادعليكو
خرج الحزب منهكاً بعد التشظي الكبير و انضمام الكثير من الرفاق إلى القيادة المرحلية .كما ذكرنا في الجزء الأول ، بالإضافة لذلك فقد فقدَ الحزب القاعدة الشعبية الواسعة في وسط الشارع الكُردي، من الشخصيات الثقافية والاجتماعية المؤثّرة ، وانحصر دور الحزب بين الطلبة في المدارس والجامعات والعمال الزراعيين ، وبدلاً من أن يتمّ تقييم المرحلة وما حصل من أخطاء في فشل عملية الدمج ؛ مارسَ صلاح سياسة الهروب للأمام ،حيث بدأ بتحضير الحزب لتبنّي الفكر الماركسي- اللينيني منهجاً فكرياً للحزب تماشياً مع (الموضة)الدارجة للحركات اليسارية في السبعينات ظناً منه بأنّ ذلك سوف يبرز هوية الحزب اليسارية،وضمن هذا الجو عُقِد المؤتمر الثالث للحزب في بداية 1973م. وأتذكّر حينها بأنّ ندوةً عُقِدت للطلبة في شقتنا (انا والأستاذ يوسف علي وعبد الفتاح حسو) في حلب ، وأدار الندوة المرحوم ملا محمد نيو ،وعندما سُئِل :ما هي الماركسية-اللينينية؟.
وما انعكاساتها الإيجابية على القضية الكُردية؟
وكيف يتقبّل شعبنا هذا الفكر ونحن نعيش ضمن مجتمعٍ محافظ ومتديّن إلى حدٍّ ما، كما أننا أيضاً لا نفهم شيئاً من الفكر والثقافة الماركسية ؟
فكان جوابه: إنّ صلاح قد ادخل هذه البدعة إلى برنامج الحزب ، وهو يقول بأنّ له فوائد مستقبلية كبيرة. لذلك علينا جميعاً قيادةً وقواعد أن نحسّن أنفسنا بهذا الفكر في المرحلة المقبلة. لكنّ باستخدامه لعبارة (البدعة) أدرك الجميع بأنه غير مقتنع به ، علماً انه يُعتبر الشخص الثاني في الحزب ، ولم يدم الأمر طويلاً، حتى دبّ الخلاف في قيادة الحزب ،ففي عام 1974 أصدر صلاح بياناً بمفرده دون استشارة القيادة
متهماً فيه الثورة الكُردية بالرجعية والعشائرية ومحمّلاً مسؤولية فشل الحكم الذاتي على القيادة الكُردستانية و ليس على النظام العراقي، وهذا أكُده الأخ عزبز أومري أحد القادة الأساسيين للحزب انذاك في مذاكرته .بالاضافة لذلك قال: طرح علينا صلاح بدرالدين بأنّ هناك جهة دولية ستدعمنا بقوة ، وطلب رأينا في الموضوع ،دون الإفصاح عن تلك الجهة، لكننا ضغطنا عليه حتى يكشف لنا اسم تلك الدولة لكنه رفض بشكلٍ قاطع وبسبب ذلك البيان وعدم الكشف عن مصدر الدعم انسحب القياديون المخضرمون الثلاثة من الحزب (ملا محمد نيو وعزيز أومري ومحمد عباس )ولم يبقَ من القيادة القديمة سوى المرحومين عصمت سيدا ويوسف ديبو، حيث دبّ الخلاف مجدداً بينهم وبين صلاح 1975 بُعيد المؤتمر الرابع مباشرةً،
وكان الانقسام هذه المرة أكبر وقعاً وأكثر تشظياً، ولنفس الأسباب السابقة تقريباً وأصبح هناك حزبان يعملان تحت نفس الاسم ، وتحوّل صلاح إلى الآمر والناهي في الحزب ، وبهذه المناسبة فإنّ معلوماتي عن صراع الأجنحة داخل الحزب في تلك المرحلة مأخوذة
من الرفاق لأنني كنت خارج التنظيم من اواسط(1973-1978 بسبب تعييني كمدرس خارج المنطقة الكُردية والخدمة العسكرية )ثم استقرّ بي الأمر بالتدريس في مدينة رأس العين واخترت العمل مع (جناح صلاح) لاعتبارات سياسية دون أن أهتمّ بالصراع الدائر بين الطرفين وأسباب الخلاف وهذا ربما كان خطأ ارتكبته.(ومن الممكن أن يؤرّخ لمرحلة 1975-1980) الرفيقين مصطفى جمعة ومصطفى اوصمان لأنهما يعرفان تفاصيل دقيقة كما أعتقد لأنهما كانا يعيشان في بيروت حينها ومطّلعان على الكثير من التفاصيل )أتمنّى أن لا يبخلا بمعلوماتهما عن تاريخ تلك المرحلة وبموضوعية، لأنها مسؤولية تاريخية.
– المؤتمر الخامس للحزب بيروت 1980:
عُقِد المؤتمر الخامس للحزب في بيروت في آب 1980م من 35 عضواً وكنت العضو الوحيد ممثلاً عن فروع منظمة الجزيرة كلها،كما أنه كان أول محفل كبير للحزب أحضره بالإضافة لذلك سألتقي بصلاح لأول مرة.
جرى سير عمل المؤتمر دون انتقادٍ يُذكر إلا من رفيقين من منظمة أوربا هما السيدان عبدالباقي يوسف وخالد برازي، وكان خالد برازي أكثر حديةً في انتقاده وطرحه، وقال بالحرف : لديّ وثائق سأعرضها على المؤتمر حول تورّط صلاح في التعامل مع النظام العراقي ،لكنه لم يعرضها في الجلسات التالية وبقي ساكتاً ،وحسب المعلومات المتوفرة بأنه تعرّض للتهديد، فيما إذا تحدّث عن الموضوع، وهذا ما أكّده لي المرحوم محمد كرو 1990 أحد حراس مقر الحزب في بيروت،وبقي أبو آشتي ينتقد بطريقةٍ مهذبة دون توجيه اتهامٍ مباشر،ثم أخذ المؤتمر كلّ الوقت في مناقشة التقرير السياسي الطويلة ومقولة مبدأ حق تقرير المصير وهكذا تمّ انتخاب قيادةٍ جديدة للمؤتمر.
– في عام 1981 تمّ تعييني عضوا للجنة المنطقية ممثلاً عن منظمة رأس العين ، حيث كانت الجزيرة لجنة منطقية واحدة،وبهذا التعيين أصبحت قريباً من مطبخ القرار في اللجنة المركزية ودهاليزها.
وفي تلك السنة انضمّ إلينا الرفيقان المهندسان عبد الباقي يوسف والمرحوم رزو أوسى بعد عودتهما من الاتحاد السوفيتي وقد عَيّن رزو مرشحاً للمركزية، وكان ذا كارزمية خاصة وثقافة واسعة، لكنه تركنا في وقتٍ مبكر تنظيمياً وتفرّغ للعمل الثقافي وأصدر مجلة ستير للحزب باللغة الكُردية بالتعاون مع الرفيقين زكروس حاجو والمرحوم عبد الصمد أبو داوود.
استمرّ عمل الحزب بشكلٍ اعتيادي حتى 1986م حينها كنا نسمع بوجود خلافاتٍ بين قيادة أوربا ممثلةً بالدكتور سعدالدين ملا وسكرتير الحزب والتسريبات كان ينقلها الينا الرفيق ابو آشتي دون البوح بموقفه صراحةً لقناعته بأنّ المنطقية منحازة لصلاح بدر الدين ، لكنه كان واضحاً من عدم ارتياحه منه وكان يشير أحياناً بالنقد الهادي عن بعض اعماله.
ثم استفحلت الخلافات تدريجياً لكننا تمكّنا من الوصول الى المؤتمر السادس 1987.
– عُقِد المؤتمر في حلب دون حضور صلاح وقد أرسل الرفيق سعد الدين برسالةٍ إلى المؤتمر يشرح أسباب خلاف المنظمة ككلٍّ تقريباً مع صلاح بدرالدين ، وأنه يجب ان يتّخذ بحقه العقوبة المناسبة ، وحينها دافع ابو آشتي عن الرسالة بقوةٍ وشرح الكثير من ممارسات صلاح، وهنا حصلت ضجة كبيرة داخل الموتمر وتمّ الهجوم بالأيدي على عبد الباقي من قبل موسى اوسكى ومحمد أمين عمر وغيره،لكن تدخّل الأخ مصطفى جمعة ومصطفى اوصمان وانا والرفيق جلال منلا وغيرهم في الموضوع ،حيث عملنا على خط التهدئة ونجحنا في ذلك ،لكننا خرجنا من المؤتمر منقسمين داخل هرم اللجنة المركزية الجديدة نفسها والتي انتخبت قيادةً جديدة حينها من بينهم أنا والأخوة عبدالباقي يوسف والدكتور أمين سليمان والأستاذ نذير شيخموس وموسى أوسكى وجلال منلا والمهندس جميل حسن بالإضافة للقيادة السابقة .
في عام 1988 كلّفنا الدكتور أمين سليمان بالذهاب إلى أوربا لتقييم الوضع حول الخلافات بين منظمة أوربا من جهة وصلاح من جهة أخرى ، ثم بعث للمركزية برسالةٍ يؤكّد فيها على تحميل المسؤولية على صلاح في أزمة منظمة أوربا.
بعد ذلك انتقلت تفاصيل الصراع تدريجياً من المركزية إلى القاعدة الحزبية التي توسّعت بشكلٍ ملحوظ،حينها اضطررنا إلى عقد كونفرانسٍ للحزب في تموز 1990م لمناقشة أزمة الحزب وبعد نقاشاتٍ حادة قرّر الكونفرانس تشكيل لجنة تحقيق من داخل الكونفرانس للذهاب إلى أوربا وفعلاً تشكّلت اللجنة برئاسة عضو المكتب السياسي الأستاذ حسن صالح وعضوية المهندس جميل حسن وأنا والأستاذ نذير شيخموس والمرحوم حواس علو ممثلاً عن منطقيات الحزب.
في الحلقة القادمة نتحدّث عن عمل اللجنة في بلغاريا وعودتها وتداعياتها.