كي لاتبقى الحقيقة غائبة (رداً على هذيان صلاح بدرالدين )…
فؤاد عليكو
عندما يختلط، على شخصٍ ما، الأسماء والتواريخ ويتداخل الزمن، ويتكرّر الحديث في نفس الجلسة، فمن المؤكّد أنّ هذا الشخص قد تقدّم بالعمر ،ويعاني من مرض (الخرف)، وهذا المرض يصيب كثيرين من البشر، وكما يقول المثل: لاشماتة في الموت والمرض، والمصيبة أنّ الأشخاص المصابون بالخرف لايعرفون بأنهم مرضى، لكنّ المحيطين بهم أو المستمعين إليهم يشعرون بذلك بكل بساطةٍ، لذلك يتطلّب من أهل المريض أو أصدقائه العمل على التقليل من اختلاطه بالناس، منعاً من أن يتعرّض مريضهم للسخرية في الجلسات العامة، وهذا ما يتعرّض له صلاح بدرالدين الآن، لذلك أنصح أهله وأصدقائه وكلابه بنصحه بالابتعاد عن إعطاء التصريحات والظهور في وسائل الإعلام، حتى لايصبح أضحوكة بين الناس، بعد تاريخٍ حافل بالبهلوانيات و الحالات الزئبقية في التحولات السياسية، ولكي لا يكون كلامي تجنّياً على الرجل، فإنني سأكتفي بإيراد أربعة أمثلةٍ فقط مما قاله في المقابلة، مع تصحيح هذه الوقائع، وأترك للقارىء التقييم.
يقول السيد صلاح :(-الحملة على كُردستان العراق بقيادة اللواء حمد عبيد.
-أقول للتاريخ رموز يسار البعث موقفهم كان يختلف، أقصد كان موقف يسار البعث نسبياً أفضل من البقية. ثم يستطرد فيقول ًفي عهد حافظ الأسد أكثر الاعتقالات صارت للحركة الكُردية، أكثر شيء الناس حُرِموا من الجنسية، أكثر شيء ناس حُرِموا من الحقوق المدنية.
-لأول مرةٍ في عهد حافظ الأسد قتل مناضلين أكراد محمد أمين مثلاً.
– نحن كحزب قرّرنا مواجهة الحزام بالطرق التي تقدر عليه ،أصدرنا بيانات، في يوم واحد وزّعنا منشورات في كلّ المنطقة، كمقاومة “علي فرو – كَري بري، ويقول حتى الشيوعيين تضامنوا معنا وهم في الجبهة ”
– حزب اليمين قيادة المرحوم حميد درويش كانوا يشتغلون مع النظام ، ولم يطرحوا في يومٍ من الأيام لا إسقاط النظام ،ولا تغيير النظام. ).
وللتوضيح على ذلك :
1- في معرض الحملة على إقليم كُردستان العراق، كانت الحملة بقيادة اللواء فهد الشاعر ، قائد لواء اليرموك، (البرزاني والحركة التحررية الكُردية الجزء الثالث ص98),ولا أعرف من أين جاء صلاح باسم اللواء حمد عبيد، حيث لم أعثر على هذا الاسم في تلك الحملة القذرة، لكن ماهو معروف أنه أصبح وزيراً للدفاع السوري 1965، ثم عُزِل وسُجِن بعد حركة 23شباط 1966.
ولا يفسّر هذا الخلط بالأسماء إلا لدى المرضى المصابين بالخرف، وتكرار الأمر نفسه حيث ذكر اسم محمد أمين الذي لا يوجد شهيد بهذا الاسم في عهد حافظ الأسد، وأعتقد هو يقصد به الشهيد (سليمان محمد أمين آدى) ذي ال19 ربيعاً الذي استشهد في مظاهرة يوم نوروز أمام القصر الجمهوري 1986.
2- حول سياسة البعث وتفضيله لليسار: للحقيقة أستطيع القول إنّ سياسة البعث العنصرية سياسة منهجية تجاه الكُرد والقوميات الأخرى، وهي سياسة الصهر القومي وهذه السياسة نابعة من المبادىء الأساسية ال 16 لدستور الحزب منذالتأسيس1947، ولايجوز تبديلها في أي مؤتمر، لذلك فإنّ القول بأنّ هذا أفضل من الآخر يعتبر خداعاً للنفس أو لغايات أخرى نجهلها، لكن في النتيجة قلب للحقائق لا أكثر.
ومن خلال المتابعة لسياسة البعث تاريخياً، نلاحظ بأنّ مشروع الإحصاء الاستثنائي العنصري الذي جُرّد بموجبه الكُرد من الجنسية السورية نُفّذ في عام تشرين الاول 1962 في عهد الانفصال، وأعلِنت النتائج في عهد بعث اليمين في 1963، وليس كما يقول صلاح بأنّ أكثر الناس حُرِموا من الجنسية في عهد حافظ الأسد، وأعتقد هنا بأنه اختلط عليه الزمن بسبب المرض لا أكثر.
وانتُزِعت الأراضي من الكُرد في عهد البعث اليساري 1966-1969،وإنّ حملة اعتقالات الكبيرة طالت القيادات الكُردية من السياسيين والوجهاء الاجتماعيين الذين بلغ عددهم 59 شخصاً، تحسباً لأيّ رد فعلٍ من الشارع الكُردي جراء قرارات انتزاع الأراضي ولجنة الإعتماد السيئة الصيت من الكُرد وتحويلها إلى مزارع الدولة، لتستثمرها الدولة ،ريثما تقوم بتوزيعها على فلاحين عرب، وتهجير الكُرد منها، ومن بين من اعتُقِل على ما أتذكّر وما ساعدني الأصدقاء مع حفظ الألقاب والرحمة لهم ( حاج دهام ميرو، حميد درويش، حمزة نويران، الشاعر يوسف برازي،إسماعيل البرازي ، حاج أمين اوسكان، الأستاذ صبغت الله سيدا،صالح شويش، حاج خلف ملا صالح الولو، حسين صالح الملا، كنعان عكيد آغا، محمد بك جميل باشا، مصطفي جميل باشا ، محمد عيسى آغا القطنة،بوبو خليل ايانة ، شيخ محمد باقي شيخ محمود، خضر حاج حسين برو، خالد داشي، سليمان كالو،علي شيخ موسى،سعيد حاج شيخموس هسو، شيخو جاجان،حسني لجي ملا مصطفى،عبدي جعفرآغا، جميل حاجو آغا، مجيد حاجو آغا ، عبدالفتاح عبد الكريم، دياب ميرو،محمد إسماعيل،عبدالعزيرحسو، محمد حيتو،…..الخ وأستميح العذر ممن لم أتذكّر اسماءهم، كما سحب الجنسية من بعض الشخصيات الكُردية من بينهم :حاج دهام ميرو ومحمد إسماعيل باشا وفيصل دقوري .
لكنّ المشروع استكمله حافظ الأسد بعد انقلابه على رفاقه في 1970، وذلك ببناء 40 قرية نموذجية على نفقة الدولة، وتمّ استقدام مواطنين عرب من محافظتي حلب والرقة تحت ذريعة غمر أراضيهم بمياه سد الفرات 1973، ثم استكمل إبنه بشار المشروع بإصدار المرسوم 49 لعام 2008، والذي منع بموجبه الكُرد من بناء كوخٍ صغير في قرية في منطقة الحزام العربي. وأكثر الاعتقالات حصلت في عهد بشار الأسد على خلفية الانتفاضة الكَردية 2004 ،حيث تجاوز عدد المعتقلين عدة آلاف في غضون شهرٍ واحد ، كما ذكرنا في فصل الانتفاضة.
وهكذا نجد أنّ سياسة البعث العنصرية عبارة عن سلسلةٍ مترابطة متكاملة، لم تتغيّر حتى اليوم منذ 60 عاماً.
3- في معرض رده على سؤال موجّه له حول مقاومة “الحزام العربي” .
هنا يختلط عليه الأمر كثيراً، فيقول : قمنا بتوزيع بيان ٍفي يومٍ واحد في جميع المناطق، ثم يستشهد بمقاومة قريتي علي فرو وكري بري، ولتوضيح هذه النقطة فهو يتحدّث عن البيان الذي قمنا بتوزيعه في ايلول 1973 أثناء البدء في بناء المستوطنات، والذي اعتُقِل على أثره الرفاق التالية أسماءهم:
1-المرحوم أحمد عربو مسؤول تنظيم الدرباسية 8 سنوات سجن والد الدكتور كاوى آزيزي.
2 – المرحوم حسن حسين (حسي) 8 سنوات من ريف عامودا.
3 المرحوم عادل يزيدي 8 أشهر سجن، من رأس العين عضو لجنة قيادة الحزب في رأس العين.
4- المرحوم يوسف ديبو 8 أشهر عضو قيادة الحزب. وبنفس التوقيت ولنفس السبب، تمّ اعتقال نصف قيادة البارتي لمدة 8 سنوات تقريبا وهم:
1- سكرتير البارتي المرحوم حاج دهام ميرو.
٢- السيد خالد مشايخ.
3- السيد عبدالله ملا علي.
4- المرحوم الأستاذ نذير مصطفى.
5- المرحوم السيد محمد فخري.
6-السيد شيخ أمين كلين.
7- المرحوم كنعان عكيد.
أما السيد صلاح يستشهد بحادثتي علي فرو وكري بري واللتين حدثتا في عام 1967 وحينها رفض صلاح فكرة المقاومة التي طرحها المرحوم العم(آبو) أوصمان صبري، حيث أدّى طرح الفكرة إلى طرده من الحزب 1968، أما مقاومة على فرو وكري بري فهي مقاومة الفلاحين في التشبث بأرضهم ذاتياً، وكان هناك تحريض وتأييد من الشيوعيين ، والذين لم ينضمّوا للجبهة التقدمية حينها، وجُرِح في قرية علي فرو رفيقنا المرحوم صبرى عمري والشيوعي عابد شريف وتمّ اعتقال 43 شخصاً من قريتي علي فرو ونيفNêf ، أما قرية كَري بري فكان معظم شبابها شيوعيبن ، ولم يكن لليسار الكُردي وجود يُذكر فيها، ويقول الأستاذ عصام الحوج عن هذه الواقعة (صلاح بدر الدين ينبش القبور (2)
– الحقيقة عن الشيوعيين السوريين وقضية الحزام والإحصاء –
استكمالاً للبوست السابق (صلاح بدرالدين ينبش القبور)
(أما من الناحية العملية، فقد صدر قرار حينذاك يمنع أي رفيق بمغادرة قريته، أو ترك أرضه، وبموجب ذلك فقد حصل حتى فلاحون محرومون من الجنسية على الأرض، وما زالت تلك الأراضي بحوزتهم، وهذا ما أسّس لأهم معارك الفلاحين في وجه الحزام، في العديد من القرى، التي كانت تتواجد فيها منظمات شيوعية قوية وعلى رأسها (علي فرو – وكري بري..) اللتان أتى على ذكرهما السيد صلاح في مقالته، محاولاً التخفيف من أهميتهما، وكأنهما حدث عابر، طالما ليس من مجال ليقول إنه كان يقود تلك البطولات بينما سواه: متخاذل جبان إلى آخر شيطنة المختلفين معه، كما بات معروفاً عن كتاباته التي تدعو للسخرية، حيث حدثت مواجهات مباشرة، وتعرّض الرفيق عابد شريف في قرية” علي فرو” إلى جراح خطيرة بعد استهدافه بالسلاح الحي مباشرةً من قبل مدير الناحية المدعو يوسف طحطوح، ونحن إذ نتحلّى بالأمانة على عكس السيد صلاح ، ذي الذمة والخيال الواسعين، حتى في كتابة تاريخ لاعلاقة له به، فلا نبخس الفلاحين غيرالشيوعيين قدرهم وحقهم وتضحياتهم في تلك المواجهات، ولكن الأغلبية الساحقة منها كانت بإدارة وإشراف الشيوعيين السوريين في الجزيرة.). هذه هي مقاربة حقيقية لما حصل، لذلك أقول بأنّ اختلاط الزمن والتاريخ أصبح حالةً تتكرّر عنده في كلّ حديثٍ يتحدّث به.
4- يقول السيد صلاح في معرض رده حول الخلاف بين اليمين واليسار (بأننا كنا نطالب بإسقاط النظام وتغيير النظام ).
والسؤال متى كنا نطالب بإسقاط النظام ياسيد صلاح؟ هل تستطيع أن تأتي بوثيقةٍ واحدة للحزب أو مقال في جريدة تؤيّد كلامك؟ أم الموضوع كله شطحات بهلوانية، واستعراضات جوفاء، بعيدة عن الحقيقة، أم الموضوع من تداعيات الخرف ؟.
أكتفي بهذا القدر من الإجابة على ترهات صلاح، رغم أنني تغاضيت عن الكثير منها، وأترك لمتابعي مقابلاته استكمال الرد.
لكنني في الختام أكتفي بتقييم الكاتب القدير الأستاذ ابراهيم محمود في توصيف شخصية السيد صلاح المُصاب بمرض الخرف من جهة، وبجنون العظمة من جهةٍ أخرى.حيث يقول: ((السيد صلاح بدرالدين الذي يطلق العنان لأوهامه هانئاً بها، وهو الذي طلّّق الحزب في مناسبة فالتة من تاريخٍ لا يلتزم به، وهيَّأ نفسه للنشاط الثقافي والسياسي في وسطه الكُردي، دون أي خوفٍ مما يكتب أو مراجعةٍ لما يكتب في ضوء المستجدات، ولزوم التدقيق في عباراته واستطراداته، لم يتخلّف لحظةً واحدة عما يصله بحزبه أو ما يبقيه” صلاح” الحزب” و” بدره” و”دينه”، إذا أجيزَ لنا الحديث عما ينسبه إلى نفسه وخدماته الكُردوارية عموماً ولحزبه خصوصاً، ومظلة” البارزانيزم” التي مدَّ فيها على قدر رغباته الخدمية” وكلُ ذلك بحسابٍ، ليته التزم الصمت في البقية المتبقية من عمره، وهو قاب قوسين أو أدنى من الرحيل الأبدي ليترك في إثره بعضاً من ذكرى الترحم عليه في التواضع، على الأقل، وكما هي شيمة اليساري المعتبرَة، لتحقيق نوعٍ من الضمان الأخلاقي، لأنّ الكُردوارية لا تحمل دمغته وحده، إذا كان له دمغة واقعاً.
كما لو أنّ ثمة مَن يستجيب له مريدياً، ويحذو حذوه، لا بل ويصفّق له، وهو لا ينفكُّّ يغمره طربٌ عجبٌ في كلّ ذلك!أقول أخيراً وليس آخراً: نِعْمَ امرىءٍ ٍعرف حدَّه فوقف عنده! والسيد صلاح، كما يبدو، استثناء من ذلك، كما هو استثناء فيما عُرِف به تاريخياً بين غرب كُردستانه، وغرب بيروته، وغرب بغداده، وغرب أربيله…الخ، تبعاً للمثل الكُردي القائل، مع تخفيف حدَّة العمومية فيه)).