لا كرامة لكم … إن سَقَطَتْ عفــرين .!
عنايت ديكو
بعد أن خرجت تركيا مُذلّة وبأدواتها الإرهابية وأذرعتها العسكرية الجلبابية السوداء من سوريا، وتَمركز القوات الأمريكية في الجانب الشرقي لكوردستان سوريا وعدم السماح لتركيا بقيادة ملف مناطق البترول والتحكّم بمفاصلِ المعادلة ورسمها للخرائط ومناطق النفوذ الجديدة، واستبعادها المُهين في المشاركة بالحرب على داعش، وكأن دول التحالف قد قالت لها يا ” تركيا “: أنتِ لا تسطيعين محاربة نفسكِ … لأنكِ ربيبة داعش الأساسية . فعلى ضوء هذه المعطيات على الساحة وعلى الأرض، تُحاول تركيا وبكلّ الطرق والوسائل، العودة العسكرية إلى الداخل السوري بعد أن خسرت وجودها السياسي، مهما كلَّفَها هذا المجيء من تضحياتٍ ومقامرات وانهيارات. حاملة شعار ” إما أن أكون شريكاً في اللعبة السورية… وإما أنني سأضرب وسأقلب الطاولة وسأخرّب اللعبة برمتها “، مستغلة الصراع والتاقضات الكوردية – الكوردية والكوردية – العربية في الشمال السوري.!
لقد بات معلوماً اليوم، للقاصي والداني، بأن تركيا وبعد هذا الدور الكومبارسي الذي أنيطت به كحامية وداعمة للثورة السورية اليتيمة، تريد اليوم، الحصول على حصتها من الكعكة السورية المتعفّنة، وخاصة بعد مساهمتها الكبيرة والواضحة والعلنية مع روسيا بتسليم واستسلام مفاتيح مدينة ” حلب ” معقل المعارضات للنظام البعثي ، ودورها الكبير في انتزاع أسنان المعارضة المسلحة، وتسفير عناصرها على متن ” باصات الذّل الخضراء ” الى شتى أصقاع العالم .
فبعد أن خسرت تركيا الكثير من مجسّاتها وأدواتها وأذرعتها للتحكّم بالتناقضات والسياسات البينية، باتت تقول اليوم وعلناً : نحن سنقبل بالشياطين والجنّ والعفاريت، لكننا لا نقبل بحكمدارية الـ ” ” PYD ” على الشريط الحدودي الممتد من عفرين الى ديريك. وهنا تبدأ الإرهاصات ورحلات الموت والجولات الجديدة من الضحايا، والفصول الجديدة من الحروب والقتال وحبك المؤامرات وارتفاع نسبة الضحايا من السوريين، فتركيا تضغط وبكل الوسائل العسكرية والسياسية والأمنية والإعلامية على روسيا والمعارضة المأجورة والمستأجرة للمشاركة في رؤيتها، وتحشد بـ ” 20 ” الف مقاتل على تخوم عفرين ، وتريد ترتيب الأوراق وفتح الآفاق أمام بلورة مشروعٍ جديد لخلق توازنات جديدة ومختلفة تخدم مصالحها وأمنها، والقيام بضرب العمق الاستراتيجي لحكمدارية الـ ” PYD “، خاصة منطقة كورداغ، التي تحتل المرتبة الجيوستراتيجية الأولى في المعادلات اليوم، وبحسب المعطيات على الأرض تتحرك تركيا وتراقب عن كثب ذاك الحجم الهائل والكبير لتكديس القوات والأسلحة والعتاد والذخائر التكتيكية والاستراتيجية في كانتون عفرين، وتحاول تركيا هنا وعلى وجه السرعة وقبل الذهاب إلى الآستانة، أن تستغل الظروف الموجودة في المنطقة من معمعة الدول الخليجية وتضميد جراحاتها الداخلية والدعم الإيراني لها والعلاقات الطيبة مع روسيا في المساهمة الكلية بتسليم مفاتيح منطقة ” كورداغ ” للنظام السوري، والنظام السوري هو بدوره أيضاً ليس بغافلٍ عما يجري في الريف الشمالي من حلب وتحديداً منطقة كورداغ الجبلية، كما هو بدوره -أيضاً- يُراقب اللحظة المناسبة للانقضاض على عفرين مستغلاً المعارك المجانية والجانبية في الرّقة والبادية السورية. وعلى طرفٍ آخر ترى تركيا أيضاً بأنها ستضرب مجموعة عصافيرٍ بحجر واحد. فقبل كل شيء ستبرئ ساحتها من ” دم يوسف” وعلاقاتها القطرية والخليجية ولائحة الارهاب والفصائل المتشددة والمدعومة تركياً وستقوم لبعض الوقت بلجم تلك الفصائل العسكرية الإسلامية التي جاءت أسمائها على لائحة الارهاب مقابل سكوت الدول الخليجية أمام الدخول التركي إلى الشمال السوري، والنقطة الثانية ، بناء تحالفٍ استراتيجي مع روسيا وايران ومغازلة النظام السوري والقول بأنها تستطيع وبشكلٍ كبير مساعدة نظام ” بشار الأسد” بالعودة الميمونة الى كل المناطق في الشمال السوري والقضاء على الكانتونات وحكمدارية الـ ” PYD ” والتي باتت تتحول رويداً رويداً الى عدوٍ مشترك لتركيا وللنظام السوري. وعبر هذا التحالف بين ( روسيا – ايران – تركيا – النظام السوري ) تُحاول تركيا جاهدة لأن تتحول هذه الدول في المستقبل الى عامل ضغطٍ كبير وعامل فرملة أمام الاستحقاقات الكبيرة في كوردستان العراق، ووقف هذا التدحرج الكوردستاني السريع باتجاه الاستقلال، الذي يُهدد الموازين الجيوسياسية الكبيرة لهذه الدول في المنطقة برمتها.
لقد قلت في السابق، وأقولها اليوم وسأقولها غداً: مَن يُسيطر على كورداغ … يملك مفاتيح حلب ، ومَنْ يُسيطر على حلب …سَيُسيطر على سوريا .!!!
لكن السؤال الذي يفرض نفسه هنا اليوم وبقوة ، ما هو دور روسيا في بناء ونسج هذه العلاقات الخفية بين تركيا والنظام السوري وايران ، وما هو سرّ سكوتها المطبق على هذا القصف والعدوان التركي على منطقة كورداغ والسماح لتركيا بضرب المعسكرات في منطقة عفرين وقراها، وترهيب أهاليها بحجة محاربة الـ ” PYD “، علماً بأن الـ ” PYD ” نفسه، كان بمثابة الطفل المُدلّل يوماً ما عند روسيا وسيّدها فلاديمير بوتين.؟
وعلى الطرف الآخر: لماذا لم نَسمع الى اليوم ، أي ردود فعلٍ سياسية من جانب النظام البعثي في دمشق، كون منطقة عفرين لا زالت جزءاً من سوريا ومحسوبة على العروبة بحسب خرائط ” خالد عبّود “، ولا يزال موظفو هذه المنطقة وإداريوها يقبضون الرواتب من مؤسسات هذا النظام، وما زالت الأمهار والأختام سارية المفعول هناك في الأوراق والطلبات والثبوتيات الرسمية .؟
في الأخير وقبل أن يقع الفأس بالرأس، نقول: هل تعي حكمدارية الـ ” PYD ” ما يُنسَجُ لها على وجه الخصوص وللكورد على وجه العموم من دسائس ومخططات ومؤامرات في الخفاء والعلن ؟ فإن لم تستدرك هذه الحكمدارية اليوم ، ستدركها يوماً ما ؟، وستعلم بأن تمتين البيت الكوردي الداخلي هو من ضرورات وأساسات المقاومة والعمل النضالي المشترك، فبمصادرتها للقرار الكوردي السوري ولجمها للرأي وللشارع الكوردي وقيامها بزج قيادات ونشطاء الحركة الكوردية في السجون والمعتقلات، قد وضعت القضية الكوردية برمتها على فوهةِ برميلٍ من النار والبارود . هنا وقبل أن نَتَرَحَمْ على أيام كيسنجر عندما سَلَّمَ مفاتيح الثورة الكوردية للصدام حسين عن طريق إيران ، علينا القول والصراخ عالياً بأن حكمدارية الـ ” PYD ” مطالبة وعلى وجهة السرعة والإسعاف، الدعوة الصريحة والعلنية والعاجلة الى فتح كل الأبواب المغلقة والمنغلقة والمتصدئة والموصودة داخلياً وإقليمياً وخارجياً، والجلوس بدون قيدٍ أو شرط مع المجالس الكوردية الأخرى والفعاليات الشعبية والثقافية والاجتماعية المستقلة، لرسم الأولويات في هذه المفصلية التاريخية الهامة والدقيقة التي يمر بها الشعب الكوردي. ودعوة الـ ” ENKS ” ومؤسساته على وجه الخصوص والتحديد، الى المشاركة الجادّة والفعّالة في ترتيب هذا البيت الداخلي والتفكير جلياً وسوياً في رسم الأساسيات والاستراتيجيات، وتفضيل العام على الخاص وانتهاج لغة المنطق والعقل والتعقّل، ووضع المصلحة الكوردية العليا فوق كل الاعتبارات والتَحزّبات والمجالس والأفكار والكيانات. ووضع ميثاق شرفٍ كوردي للالتزام به كإطارٍ قومي، للخروج بأقل الخسائر من هذه الحرب القاتلة والطاحنة، التي باتت تلتهم أطفالنا وأزهارنا وحياتنا برمتها وكل يوم.
– فلا كرامة لكم … يا سادة يا كرام …. إن ذَهَبَتْ عفرين … أو أحتلتْ .؟!
جميع المقالات المنشـورة تعبــر عــن رأي كتـابهـا ولا تعبـر بالضــرورة عــن رأي Yekiti Media