لا مساومة على الحقوق القومية للشعب الكُردي في كُردستان سوريا
جيان عمر
عرضت الهيئة العليا للمفاوضات المعارضة وثيقة المبادئ الخاصّة بها في لندن وقد تضمّنت عدّة نقاط فيها تعسّفيةٌ كبيرة بحق المكونات غير العربية وغير المسلمة، حيث تُشدّد الوثيقة على أنّ (سوريا جزءٌ لا يتجزأ من “الوطن العربي” وتُشكّل الثقافة العربية والإسلامية معيناً خصباً للإنتاج الفكري والعلاقات الإجتماعية) ضاربةً بذلك التعددية الإثنية والعرقية والدينية في سوريا بعرض الحائط، مُلغيةً حقيقة نسيجها الفسيفسائي الخصب بحضاراتٍ وثقافاتٍ أخرى كالحضارة والثقافة الكُردية والآشورية وغيرها ساهمت إلى جانب العربية في إثراء تاريخ وحضارة سوريا، هذا علاوةً على أنّه لم يكن هناك عبر التاريخ وطنٌ اسمه “الوطن العربي” بل هناك جمهورية سورية فيها شعبٌ كُرديٌ هو جزءٌ من الأمة الكُردية وشعبٌ عربيٌ هو جزءٌ من الأمة العربية وذلك بنسبٍ متفاوتة، إضافةً إلى أقليات تركمانية وآشورية وأرمنية.
هذا التشديد من قبل المعارضة السورية العربية على قضية الوطن العربي الغير موجود أصلاً، نرى فيه استنساخاً لعقلية حزب البعث العنصري ونظام الأسدي الشمولي، ويدفع بإتجاه إغلاق الباب أمام بقية المكونات السورية للإنضمام إلى هذه الهيئة المعارضة التي من المفروض أن تُمثّل الثورة وجميع المكونات السورية. على المعارضة العربية السورية أن تعلم ألا مساومة بعد اليوم على الحقوق القومية المشروعة للشعب الكُردي في كُردستان سوريا، هذه قضية شعبٍ كامل حُرم من أبسط حقوقه على مدى أكثر من نصف قرن وسُرقت كامل خيرات أرضه وجٰرّد من هويته الإنسانية في ظل صمتٍ مُطبق من النُخب المعارضة آنذاك والتي كانت حتى زمنٍ ليس ببعيد جزءاً من هذا النظام. التضحيات الكبيرة التي قدّمها الشعب الكُردي أكبر بكثير مما تُصرّح به المعارضة السورية على نيتها منحه للشعب الكُردي بعد سقوط النظام، مع العلم أنّ ما تُطالب به المعارضة الكُردية السورية ليس صدقةً بل هي حقوقٌ مشروعةٌ تكفلها كل العهود والمواثيق الدولية ذات الصلة.
انتصار القضية الكُردية العادلة في سوريا هو جزءٌ أساسي من انتصار الديمقراطية في سوريا وعلى المعارضة العربية السورية السياسية منها كما العسكرية -التي أصبحت بحكم التدخلات الإقليمية والدولية تُمثل ثورة السوريين في المحافل الدولية- عدم إستغلال وضع الشعب الكُردي والمجلس الوطني الكُردي الواقع بين ديكتاتورية حزب الإتحاد الديمقراطي وشوفينية المعارضة فإذا تمّ تخيير الشعب الكُردي سيُجبر على القبول بديكتاتورية شقيقه الكُردي مهما كان الأمر مُرّاً ومن ثم الثورة عليه وتحقيق الديمقراطية فهو على الأقل لا يُنكر وجوده وإنتماءه الكُردي، ونحن سنقف خلف إرادة الشعب الكُردي وقراره أياً كان، وإحتراماً للدماء الزّكية التي أُريقت في الثورة السورية ضدّ نظام الأسد لن نقف مع النظام ولكن إذا اضّطرنا الأمر حينها لن نقف أيضاً مع المعارضة المتمثلة في الهيئة العليا والتي تتنصل من الوثيقة الموقعة بين الإئتلاف والمجلس الوطني الكُردي، وسنكون مُجبرين كمعارضة كُردية سورية على الوقوف على النضال على جبهتين ضدّ نظام الأسد وضدّ المعارضة والسعي لتحقيق حقوق الشعب الكُردي بالطرق والوسائل المُتاحة، وحينها ستتحمّل الأصوات العنصرية العروبية ضمن المعارضة السورية بمختلف مسمّياتها مسؤولية الشرخ الذي سيُقسّم المعارضة السورية إلى معارضتين، واحدة كُردية وأخرى عروبية، وما ربما سيتبعها من تقسيم للبلاد لاحقاً.