لبنان المُهان
حازم الامين
قررت جامعة الدول العربية عقد القمة الاقتصادية في لبنان، دولة المقاومة التي لقنت وتلقن كل يوم العدو الإسرائيلي دروسا في حماية الحدود والسيادة والكرامة الوطنية، ولبنان الجيش الذي دحر الإرهاب في جرود عرسال في وقت عجزت فيه جيوش العالم عن دحره في سوريا والعراق وليبيا.
باشر لبنان استعداده لاستضافة القمة. حدد موقع انعقادها في فندق فينيسيا في وسط بيروت. المناسبة تستدعي استحضار همم الضيافة مشفوعة بمقدار عال من الكرامة الوطنية، ذاك أنه من المفترض أن يحضرها قادة الدول العربية، أو عدد منهم على الأقل.
علقت أعلام الدول المشاركة، وبدأت اللجنة المنظمة استدعاء وسائل الإعلام وشرعت تشرح لها مستوى التنظيم الدقيق لفعاليات الحدث. أعلن يوم الجمعة في 18 كانون الثاني/يناير، يوم عطلة رسميا، فالدولة ستكون منشغلة في ذلك اليوم بهذا الحدث الذي لم تشهده بيروت منذ سنوات طويلة، ورئيسا الجمهورية والحكومة أمامهما مهمة شاقة تتمثل في إقناع العالم بأن بيروت ما زالت تصلح لاستقبال حدث من هذا النوع.
وسط هذه الانشغال اللبناني بالحدث، كان مناصرون قليلون للمقاومة ولدولتها، في أحياء قريبة من موقع الفندق يستعدون للتعبير عن غضبهم جراء دعوة ليبيا إلى حضور القمة. فليبيا القذافي سبق أن خطفت الإمام موسى الصدر قبل نحو 40 عاما، وليبيا الجديدة، وعلى رغم أنها أطاحت القذافي وقتلته، لم تعطِ الاهتمام الكافي للكشف عن مصير الإمام ورفيقيه.
توجه مناصرو المقاومة إلى موقع القمة، وانتزعوا علم ليبيا وعلقوا مكانه علم حركة أمل. جرى ذلك في موقع من المفترض أنه يشهد أعلى درجات استنفار السيادة الوطنية، أي السيادة التي عمدها لبنان بنصريه على إسرائيل وعلى الإرهاب، والتي بذل في سبيلها ماء وجهه وشكل في ظلها حكومات لم يخل بيان وزاري واحد من بياناتها من تذكيرنا بمعادلة “الجيش والشعب والمقاومة”.
موقع القمة، أي فندق فينيسيا، من المفترض أن يكون موقعا محصنا أمنيا، ذلك أن رؤساء وملوك عرب سيأمونه بعد أيام، وعلى رغم ذلك نجح الغاضبون في الوصول إلى العلم وانتزاعه.
“الشعب والجيش والمقاومة” معادلة جرى تعميدها في لحظة انتزاع علم ليبيا على النحو التالي: الشعب غضب من مشاركة ليبيا فأوكل إلى المقاومة انتزاع العلم، وفي هذا الوقت مارس الجيش أعلى درجات ضبط النفس منعا لانفراط عقد هذه المعادلة الفريدة من نوعها في العالم.
في هذا المشهد بعد خيالي. ثمة لهو وسهولة في انتهاك الشروط التي تقوم على أساسها فكرة الدولة. مستوى غير مسبوق من الاستباحة مترافق مع ارتفاع في منسوب قيم السيادة المنتزعة من فم العدو ومن فم الإرهاب. إنها دولة المقاومة، صاحبة البيان الوزاري الذي يجيز لحزب ولطائفة في الإبقاء على سلاحها. وهي اللحظة التي يتاح فيها لجماعة حزبية أن تنتهك سيادة الدولة على فندق ويُهان فيها رؤساؤها المنتخبين، ومؤسساتها الوطنية، والتي يُبذل فيها ماء وجه السيادة لتبديد غضب عناصر من حزب يتزعمه رئيس مجلس النواب.
والحال أن فاتورة السلاح غير الشرعي الذي أجازته البيانات الوزارية اللبنانية لا تقتصر على إهانة الدولة ورؤسائها، إنما تمتد لتصل إلى كل مجالات العيش في لبنان. المقاومة تعترض الاقتصاد عبر مرافئها غير الشرعية، وتستورد الهواتف النقالة والسيارات، وتعرض النظام المصرفي لمخاطر العقوبات، وتعيق جباية مؤسسة كهرباء لبنان الفواتير. والمقاومة، بالإضافة إلى تحريرها الأرض ودحرها الإرهاب ومنعها ليبيا من المشاركة في القمة الاقتصادية العربية، تمنع تشكيل الحكومة وتؤلف مسرحيات ركيكة تستخف عبرها بعقول اللبنانيين حول ظاهرة “الوزير السني” تارة، وضرورة التطبيع مع النظام السوري تارة أخرى.
لبنان اليوم هو فعلا “دولة المقاومة”، وكل ما يمكن فعله حيال هذه الحقيقة هو محاولة إقناع هذه المقاومة بضرورة القبول بشركاء صغارا. هذا ما يفعله جبران باسيل؛ أما رئيس الحكومة المتعثر تأليفها سعد الحريري، وهو من يفترض أن يكون شريكا ثالثا في معادلة شركاء “المقاومة” الصغار، فلا يبدو أنه قادر على انتزاع حصة صغيرة من شريكه الأكبر.
هل من إهانة لسيادة بلد أكبر وأوضح من الكشف عن عجز هذا البلد عن حماية علم دولة ضيفة؟ الغريب أن هذا الإهانة مرت مرور الكرام على الجميع. والغريب أيضا أن الدرس الذي نتفادى معاينته كل يوم تكثف في يوم استبدال علم الدولة الضيفة بعلم حركة أمل، وعلى رغم ذلك لم يشعر رؤساء لبنان، وما أكثرهم، بأن الإهانة قد طاولتهم.
الحرة
جميع المقالات المنشورة تُعبر عن رأي كتابها ولاتعبر بالضرورة عن رأي Yekiti Media