آراء

لماذا اختار رئيس الوزراء العراقي زيارة دمشق في هذا التوقيت؟

علي تمي
كاتب وسياسي

في منتصف هذا الشهر ، قام رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، بزيارةٍ رسمية إلى العاصمة السورية دمشق، للتواصل والتشاور مع رئيس النظام السوري بشار الأسد لتعزيز العلاقات بين العراق وسوريا.

وتتمحور أهمية هذه الزيارة حول تأكيد وحدة سوريا والعراق، والتشديد على التعاون المشترك في مواجهة التحديات الأمنية والسياسية في المنطقة.

كما تأتي هذه الزيارة في ظلّ الحاجة الملحّة إلى تعزيز التنسيق والتعاون بين البلدين لمواجهة التهديدات المشتركة مثل “الإرهاب والتطرف والتأثيرات الإقليمية”. بحسب ما صرّح به الطرفان السوري والعراقي.

مع ذلك، لا يمكن تجاهل التوترات والتحديات التي تحيط بالمنطقة في الوقت الحالي وخاصةً التصعيد القائم في دير الزور، تهريب المواد الممنوعة من الحدود الأردنية والتصعيد المتواصل مع قسد على الحدود الشمالية.

كما أنّ التواجد العسكري المستمرّ للقوات الأمريكية والتوترات المتصاعدة بين القوى الإقليمية له بُعد آخر. بالإضافة إلى ذلك، هناك مخاوف متعلقة بمخططات واشنطن لتغيير الوقائع على الأرض في شرق الفرات، بما في ذلك إبعاد الميليشيات الإيرانية وقطع إمدادات التهريب والضغط على (قسد) للانسحاب من المناطق المحيطة بنهر الفرات، وإفراغ القرى المحيطة بها من الضفة الشرقية بشكلٍ كامل ،خلال مدة أقصاها ثلاثة أيام.

تعكس هذه الزيارة تحديات القيادة العراقية في التعامل مع الأوضاع المعقدة في المنطقة، حيث يسعى “السوداني” إلى فهم نوايا النظام السوري ،والتأكّد من عدم وجود تنافس أو تناقض في الجهود المشتركة لمحاربة التطرف والإرهاب والحفاظ على الأمن والاستقرار في العراق وسوريا.

من الجانب الآخر، يعتبر الرئيس العراقي شريكًا معترفًا للولايات المتحدة، حيث تمّ تعيينه كرئيس للوزراء بعد الموافقة الأمريكية.

وهذا يثير بعض التساؤلات والمخاوف حول استقلاليته وتأثير الضغوط الخارجية على سياسته الداخلية والخارجية.

كما أنّ هناك العديد من الأسئلة باتت تطرح نفسها على الملأ حول التطورات المستقبلية والتوجهات الإقليمية في المنطقة. ومن هنا يجب أن تستفيد دول المنطقة من هذه التحديات لتعزيز التعاون الإقليمي، وبناء تحالفات قوية لمواجهة التهديدات المشتركة وضمان الأمن والاستقرار في المنطقة.

لا شكّ أنّ توقيت هذه الزيارة ملغوم للغاية، وخاصةً أنه يتزامن مع مخططات واشنطن لتغيير قواعد اللعبة في شرقي الفرات من خلال القيام بما يلي خلال ثلاثة أشهر المقبلة وهي:

1- إبعاد الميليشيات الإيرانية من الشريط الحدودي مع نهر الفرات.

2- قطع إمدادات التهريب، وخاصةً المواد البترولية والغذائية عن مناطق النظام.

3- مطالبة قسد بإخلاء الشريط الحدودي المحاذي لنهر الفرات في دير الزور من الشرق بشكلٍ كامل.

4- وصل مناطق سيطرة قسد بمنطقة التنف التي تسيطر عليها قوات (سوريا الحرة).

مخططات واشنطن باتت علنية.

“واشنطن مستمرة في مشروعها في سوريا والعراق، حيث حشدت في منتصف هذا الشهر أكثر من 2500 عنصر جديد من المارينز واستقدامهم إلى سوريا. مبرّرة ذلك بمحاربة تنظيم داعش والقضاء على الخلايا النائمة في المنطقة. ومع ذلك، يتجلّى الجانب المظلم في أنّ واشنطن ترغب في البقاء في سوريا والعراق لفترة طويلة، وتسعى لإحداث تغييرات جديدة على الأرض بغضّ النظر عن التسميات والعناوين. لذلك، يواجه سكان المنطقة خيارين صعبين: إما الهجرة ، أو القبول بالواقع الجديد على الأرض.

وفي المحصلة، لم يتطرّق رئيس النظام السوري بشار الأسد في المؤتمر الصحفي الذي عقده مع السوداني في دمشق إلى تواجد القوات الأمريكية في سوريا ،ولم يطلب منها بشكل مباشر المغادرة فقط يركّز على الانسحاب التركي الكامل من سوريا وهذا إن دلّ إنما يدلّ على أنّ “بشار الأسد” جزء من هذا المشروع وليس العكس، حيث يمثّل وجود القوات الأمريكية الجانب المظلم للمشروع الإسرائيلي في المنطقة، وبقاء الأسد في السلطة هو لتنفيذ مخططات محددة ،والتوقيع عليها في نهاية المطاف، تماماً ،كما حدث مع عمر البشير في السودان قبل الإطاحة به.

من المهم أن يبادر السوريون بتشكيل معارضة وطنية متوافقة مع المعايير الدولية، تتميّز بخطابها غير المتشنج وتوجّهها السياسي المنفتح على العالم، وتسعى إلى بناء شبكة علاقات مع أصحاب القرار بطرق دبلوماسية أكثر واقعية ، ويجب أن تكون واضحة المعالم في أهدافها وتعاملها مع جميع المكونات والقوميات والمذاهب بشكلٍ إيجابي، وعدم الخوف من طرح هذه القضايا علنًا، لأنها ستكون جزءاً من الحل وليس العكس.

بالمحصلة ، اعتماد الشعوب في المنطقة على المنظومات الفاسدة التي تحكمها بأوامر دولية، يساهم في تفتيت المنطقة وجعلها جزءاً من المشكلة بدلاً من الحل.

وفي الختام، الكرة باتت الآن في ملعب القوى الوطنية السورية المعتدلة للتعامل مع هذه الوقائع بطريقة ديناميكية، والعمل على عقد مؤتمر وطني شامل وتقديم الضمانات للجميع بأنّ سوريا لن تكون مركزاً ومنطلقاً للإرهابيين، ولن تشكّل خطراً على جيرانها، وضرورة الاهتمام بالتنمية والبنية التحتية، ووضع دستورٍ جديد وفق المعايير العالمية التي تحترم حقوق الانسان والحريات العامة في البلاد.

 

المقال منشور في جريدة يكيتي العدد “310

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى