“لو كان الخزنويُ حياً اليوم”
ديار حاجي
في ظهيرة الأول من حُزيران من العام 2005 رن جرسُ الهاتف في منزلنا,كان المتصلُ أحد أصدقاء أبي أخبرهُ على الفور بأنهُ قد تم اغتيالُ الشيخ معشوق الخزنوي وذلك بعد عشرين يوم من اختطافه وتم العثور على جُثته في مدينة دير الزور بالقرب من احدى الكراجات ثم انتهت هذه المكالمة الصادمة ليبدأ الترقب بعدها.
شكل هذا الخبر صدمةً كبيرةً جداً للشارع الكوردي السياسي في سوريا وبدأ بالغليان من جديد وهو الذي لا زال يعيشُ على روح الانتفاضة الشعبية التي اندلعت في مدينة قامشلو في آذار من العام 2004 وكانت حالةٌ من الترقُب بعدها يسودُ المشهد فلم يكُن أحد يعتقدُ أن عملية الاختطاف التي تعرض لها سماحةُ الشيخ الجليل محمد معشوق الخزنوي أن تتم نهايتها بهذا السيناريو البشع جداً خصوصاً أن آثار التعذيب كانت واضحةً وبشكلٍ كبير على جُثته وسط تناقضً كبير بين الرواية الرسمية للنظام السوري وهي ما أدلى به شخصان اعترفا بأنهم اختطفاه من دمشق وقتلاه في حلب ودفناه في دير الزور وكانا من تلامذته مُدعين أن سبب ما قاما به خروجه عن النهج الخزنوي ورواياتً أُخرى لبعض من شهود العيان أكدت بأن عمليات التعذيب تمت في احدى المراكز الأمنية في العاصمة السورية دمشق كما أنهُ تم نقل الخزنوي إلى احدى المشافي العسكرية لتلقي العلاج من شد التعذيب الذي تعرض له قبل وفاته.
باعتقادي أن النظام السوري كان مُتردداً في الكشف عن مصير الشيخ ولرُبما فكر جلياً بأن يُكرر السيناريو الذي قام به العقيد عبد الحميد السراج مؤسس الدولة الأمنية في سوريا حينما اعتقل جهازه الأمني في الخمسينات من القرن الماضي المُناضل الشيوعي اللبناني “فرج الله الحلو” والذي توفي تحت التعذيب فألقت بجُثته في مياه الآسيد للتخلص منه وعدم الكشف عن مصيره خشيةً من أي ردة فعل قد تحدث إلا أن النظام السوري سعى أن يجعل من مقتل الخزنوي نواةً لإشعال فتنًة كوردية عربية جديدة.
الشيخ محمد معشوق الخزنوي سليلُ العائلة الخزنوية الدينية المعروفة في منطقة الجزيرة السورية والدول المجاورة والذي عُرف بمواقفه الرافضة للظُلم على الشعب الكوردي في سوريا وخُصوصاً بعد انتفاضة مدينة قامشلو في وجه النظام السوري خرج هذا الشيخ بنموذجٍ كوردي سوري قل نظيره في تاريخ سوريا الحديث مُتخذاً الإسلام والعقيدة الدينية المرجعية الأساسية في توجهه.
بعد حادثة الإغتيال البشعة دفعتني رغبة قوية إلى التعرف على هذا الإنسان عن كثب من هو وما كان تفكيره وهل بالفعل أنه كان يودُ تشكيل حزبٍ إسلامي كوردي في سوريا دفعني كل هذا الفضول لأقرأ كتابهُ الأشهر “ومضاتٌ في ظلال التوحيد” فوجدتُ فيه تبسيطاً جميل لكافة أصول ومفاهيم الدين الحنيف وشرحٍ رائع ومُفصل لبعض المسأئل التي كانت تُثير الجدل دوماً بين المُتخاصمين في الأمور الدينية باسلوبٍ عصريٍ بعيد عن التشدُد والتكلُف مقولاته وخُطبه السياسية الدينية وكأنهُ النموذجُ الكوردي لخطابات فارس المنابر الشيخ المصري الشهير بانتقاده للسُلطة “عبد الحميد كشك” والذي تعرض للاعتقال والفصل من عمله بسبب خُطبه اللاذعة والمُنتقدة لأسلوب الحكم في أيام الرئيسين المصريين عبد الناصر والسادات.
ما أودُ قولهُ اليوم واستفسر عنه لماذ استعجل النظامُ السوري في تصفية الشيخ معشوق الخزنوي وبكل تأكيد كانت لديه فكرة كاملة عن الردود العكسية التي قد تحصل …. ولماذا قام النظامُ بهذه المُجازفة الخطيرة وهل كان الخزنويُ قد شكل هذا الخطر الكبير عليها …… أما الجواب فيأتي أمام الواقع السياسي الحالي الذي نعيشه اليوم في المناطق الكوردية في سوريا وغياب الشخصية الكوردية السياسية القادرة على التأثير في جموع الجماهير الكوردية وغياب كارزيما القائد الذي ترى فيه الجماهيرُ قدوتها …..وبدون أدنى شك هذا ما كان يحمله الشيخ معشوق من صفات بالإضافة إلى امتلاكه للمكانة الدينية النافذة والقادرة على التأثير كل هذا الأمر دفعت بالدولة العميقة في سوريا إلى أخذ القرار الفوري والتحلص منه لأنه كان ظاهرة ان استمرت فكان سيفرض واقعاً سياسياً جديداً في ذلك الوقت.
باعتقادي لو كان الشيخ معشوق الخزنوي حياً اليوم لكان الواقع السياسي الكوردي في سوريا مُختلفا بشكلٍ كبير جداً عما هو عليه اليوم من تشرذم أثر على جميع نواحي الحياة الأجتماعية والفكرية التي نتجت مع التأثر بواقع الثورة السورية وانعكاساتها ولاضير إن قادت شخصية دينية حركةً سياسية فمعظم الثورات الكوردية انطلقت من رجال دين كالبارزاني الخالد والشيخ محمود الحفيد والشيخ عبيد الله نهري خصوصاً وان الخزنوي كان لسان الحقيقة وأدرك بالفعل حقيقة قول الرسول الكريم صلوات الله عليهوأفضل التسليم “إن أعظم جهادٍ عند الله هي كلمةُ حق عند سُلطانٍ جائر” وهو الذي قال إن الحقوق لا يتصدق بها أحد إنما الحقوقُ تُؤخذ بالقوة.