ملفات و دراسات

ما هي معركة كربلاء التي يحيي الشيعة ذكراها؟

يكيتي ميديا – Yekiti media
امتلأت الصحافة العالمية أمس بصور لأطفال وكبار يضربونَ أنفسهم ويُدمون رؤوسهم وظهورهم، في حالةٍ طقوسية شائعة لدى الشيعة يقومون بها في ذكرى كربلاء، يوم عاشوراء حيث قتل الحسين بن عليّ وبقية آل بيتهِ إلا واحدًا في كربلاء، في واحدة من أبشع المجازر التي حدثت في تاريخ الإسلام. فما هو يوم كربلاء ولماذا يتعامل معه الشيعة هكذا؟ وما أصول هذه الشعائر؟ لنقرأ هذا التقرير.
<<أما إنَّ الدُّنيا قد أدبَرَت وتَنَكَّرَتْ وتَغَيَّرَت وانشَمَرَتْ ولم يبقَ منها إلا صُبابَةٌ كصُبابةِ الإِناءْ وإلا خسيسُ عيشٍ كالمَرعَي الوَبِيلْ. ألا ترونَ الحَقَّ لا يُتآمَرُ بِه، والمُنكرُ لا يُتناهَي عنه. أما إِنِّي لا أرى الموتَ إلا سعادةً، والحياة مع الظالمينَ إلا بَرَمًا>>
من خطبة الحسين رضي الله عنه

معركة كربلاء أو معركة الطُفّ، هي المعركة التي قتل فيها الحسين بن عليّ – رضي الله عنهما – بسيوف جيش الأمويين في العاشر من محرم “عاشوراء“. يقوم الشيعة بإحياء ذكراها باعتبارها حدثًا هامًّا ومؤسِّسًا في التاريخ الشيعي عن التضحية والثورة والجهاد في سبيل الحقّ والعدل. أحداث المعركة مؤسفة، ولا يوجد خلاف كبير على خطوطها العريضة بين الشيعة والسنَّة، بعيدًا عن المبالغات التي طالت الروايات التي تتحدث عن المعركة.
من طقوس محاكاة كربلاء، الجندي باللون الأحمر جيش يزيد، والجندي باللون الأخضر جيش الحسين
وفقًا لكتب جميع المؤرِّخين تخلَّى الحسن بن عليّ رضي الله عنهما عن الخلافة لمعاوية بن أبي سفيان على أن تؤولَ إليه الخلافة بعده، لكنّ الحسن بن عليّ مات مسمومًا وفقًا لبض المؤرخين، ولا تزال الطريقة التي توفي بها الحسن رضي الله عنه وقضية دس السم له موضع جدل تاريخي. وتمت تمرير بيعة ابنه يزيد الذي اشتهر بسيرة سيئة بالقياس بالصحابة وأبنائهم كأنس بن مالك وعبدالله بن عمر على سبيل المثال. انتهت عملية نقل السلطة من بعده وابنه يزيد. تصاعدت المعارضة لهذه البيعة وكان رؤوسهاالحسين بن علي رضي الله عنه وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن عمر. إلا أن الحسين رضي الله عنه هو الذي كان قد قرر أن يفعل شيئًا.
خرج من المدينة إلى مكَّة، راسلهُ أهل الكوفة أن تعالَ إلينا نحارب معك، فبعث لهم ابن عمه مُسلم بن عقيل ليأخذ له البيعة، سارت الأمور كما يحبّ فخرجَ إلى الكوفة في أهل بيته وبعضٍ من أصحابه (لم يتجاوزوا المائة) وهنا اعترضهم جيش الكوفة التابع ليزيد بن معاوية. كان أتباع الحسين قد تخاذلوا عنه بعد تشديد الأمويين لقبضتهم على الدعوة الحسينية في الكوفة وقتل مُسلم بن عقيل بن أبي طالب.
كان مع الحسين 32 فارسًا وأربعون راجلًا وأهل بيته من النساء والصبيان. وكان جيش الأمويين يصل أربعة آلاف جندي يكثر فيهم الفرسان. حاول الحسين أن يقوم بمحاولة نجاة آمنة، وعرض ثلاثة أمور:
1- إمَّا الذَّهَابَ إلى أحدِ ثُغور الإسلام ليجاهد فيها.
2- إما أن يقبل على يزيد في الشام فيضع يده في يده.
3- أو أن يرجع إلى المكان الذي جاء منه، ولكنّ قائد الجيش لم يرضَ إلا بالقتال.
ام جيش الأمويين بمنع وصول المياه عن الحسين وأتباعه، وتمّ القتال على ثلاثة أيَّام، قتل فيها جميع أصحاب الحسين وأهل بيته من الرجال والصبيان (لم يتبق إلا عليّ زين العابدين فقط من نسل أبيه) وقد قيل أن يزيد قد سيقت له النِّساء (آل بيت النبوة كالسبايا ، وهي رواية موضع جدل أيضًا ولكنها معتمدة تاريخيًّا حتى عند بعض مؤرخي أهل السنة.
ولماذا يحتفل الشيعة بذكرى عاشوراء؟
إن التطبير والطبل عادات ومراسم جاءتنا من أرثوذكس القفقاز وسرت في مجتمعنا كالنار في الهشيم
عالم الدين والفيلسوف الشيعي مرتضى مطهري
فيما يُعرف بالشعائر الحسينية يقوم الشيعة الإثني عشريَّة بإحياء ذكرى مقتل الحسين وأهل بيته في عاشوراء وفي يوم الأربعين (20صفر) مجموعة من الشعائر يقوم بها المنتمون لطائفة الشيعة، منها المشي على الجمر الحار لاستشعار آلام الحسين بن عليّ عليه السلام وأهل بيته، كما يشتهرون بعمليَّة اللَّطم والتَّطبِير، التطبير هو إسالة الدماء من الرأس باستخدام آلة حادَّة كالسيف أو أي أداة حادة تُسيل الدماء، يستندون في ذلك إلى الرواية الشيعية عن السيدة زينب بنت عليّ عندما رأت رأس أخيها الحسين مقطوعًا ضربت رأسها بمقدم محمل الناقة التي كانت عليها فسال الدمُ من رأسها، لكنّ هذه الرواية عند الشيعة فقط ولا توجد رواية مقاربة لها عند أهل السنة، والذي روى هذه الرواية هو محمد باقر المجلسي في كتابة بحار الأنوار، والذي يشكك فيه علماء شيعة معاصرون كأحمد الكاتب.
والحقيقة – على غير السَّائد – أن العديد من كبار علماء الشيعة والمراجع الدينية الشيعية يقفونَ ضدّ هذه الممارسة تحديدًا. نذكر منهم: محمد الأمين العاملي في رسالته الشهيرة التنزيه في تنقية الشعائر الحسينية كذلك ينقل عن الإمام الخميني منعه للتطبير، لكنّ البعض يرى أنَّه منعها فقط في ظروفٍ معيَّنة لعدم مواءمتها لممارسة هذه الشعيرة. العديد من العلماء الآخرين يحرِّمونه بينما يجيزه البعض ويرفعه البعض لمرتبة بوجوبه كفائيًّا (يكفي قيام البعض به عن بقية الشيعة).
ما هو أصل هذه العادات الـ «دينية»؟!
ذهب وزير الشعائر الحسينية إلى أوروبا الشرقية وكانت تربطها بالدولة الصفويَّة روابط حميمة يكتنفها الغموض، وأجرى هناك تحقيقات ودراسات واسعة حول المراسيم الدينية، والطقوس المذهبية، والمحافل الاجتماعية المسيحية، وأساليب إحياء ذكرى شهداء المسيحية، والوسائل المتبعة في ذلك، واقتبس تلك المراسيم والطقوس وجاء بها إلى إيران
علي شريعتي من كتابه: التشيُّع العلوي والتشيُّع الصفوي

يُقسِّم المفكر وعالم الاجتماع الشيعي علي شريعتي التشيُّع لقسمين، القسم الأوَّل: هو التشيع النقي وهو التشيع العلوي، بينما التشيع الآخر “المستخدم لأغراض سياسية“ هو التشيع الصفوي الذي استخدم الميراث الشيعي من الثورة والسعي نحو العدالة استخدامًا سياسيًّا للحصول على الدعم الشعبي في بلاد إيران. هذا الاستخدام الذي بدأه الصفويون (وبدأوا معه عادة سبّ صَّحابة والسيدة عائشة رضي الله عنهم) وصل لهذه الشعائر، بل إنّ هذه الشعائر ليست إلا تجلٍّ صارخ لهذا الاستخدام للموروث الشيعي وتطويره وإدخال الشعائر عليه ليستطيع الساسة أن يستفيدوا منه.
في القرنين السادس والسابع عشر كانت الإمبراطورية الإسلامية واسعة النفوذ وشكَّلت خطرًا جديًا على أوروبا، ممثلة بالطبع في الدولة العثمانية وكان على الصفويين أن يتحالفوا مع المسيحيين في أوروبا للقضاء على هذه الإمبراطورية وفقًا لشريعتي، وهنا بدأت مسيرة التلاقح والتناغم بين الفريقين. جعل الصفويين وزيرًا اسمه “وزير الشعائر الحسينية“ ذهب هذا الوزير إلى أوروبا الشرقية واقتبس المراسيم والطقوس التي يُحيون بها مأساة المسيح عليه السلام (كانت بعض المناطق في أوروبا تحييها حتى القرن الماضي)، وبمساعدة بعض الملالي استطاع أن يدخل بعض التعديلات على هذه المراسم لتنتقل إلى إيران وتكون مراسم محاكاة لإحياء مأساة آل البيت عليهم السلام في كربلاء. لكنّ بعض هذه المراسم التي كانت تتمّ كانت كما هي حتَّى أن الصليب كان يرتفع في بعضها، وألوان الستائر التي توضع في الكنائس أثناء المراسم كانت كما هي.
بالنهاية تُمارس هذه الشعائر لأسباب سياسية بحتة وليست دينية بالمرة، فقد عارضها العلماء الشيعة الحقيقيُّون منذ زمانٍ بعيد وفقًا لشريعتي، وبعضهم سكت عن اعتراضه خشية من السلطان أو العامَّة. وفي إيران مُنع التطبير بعد قيام الثورة الإسلامية في إيران جميعها طبقًا للمادة 638 من القانون الجنائي، خامنئي حرم التطبير كذلك في العلن والخفاء سواءً.
وهكذا؛ وفقًا لما يقوله بعض الشيعة المعتدلين كشريعتي ومرتضى مطهري فإن التطبير وغيره من العادات التي اعتبرت دينية ما هي إلا عادات مستعارة من دياناتٍ أخرى ودخيلة على المسلمين. وهكذا تحوَّلت ذكرى كربلاء الحسين من صوتٍ للثورة وصدعٍ بالحقّ، إلى أمرٍ ينكرهُ علماءُ الشيعةِ أنفسهم!

وكالات

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى