مابين ميشيل كيلو و عبدالرزاق عيد
د.زارا صالح
ذكر المرحوم الدكتور نورالدين زازا( مؤسس ورئيس اول حزب كردي في سوريا1957)، في كتابه “حياتي الكردية” حول حزب البعث ومؤسسه ميشيل عفلق بانه كان مروجا للفكر النازي في تلك الفترة من بدايات ذلك الحزب والذي اسس لعقيدة و فكر ايديولوجي شمولي مثله الحزب ثقافة و ممارسة وكان استمراراً لحقبة الانظمة التوتاليتارية فكانت مرحلة طغيان الأيديولوجيات بحديتها تحت شعارات قومية -ثورية التقت بالايديولوجيا الدينية المتطرفة والتي اجتمعت اليوم ودوما في كافة اشكال تناولها للسلطة ومكونات مجتمعاتها وبالتالي كنا شهود على ظهور داعش وبقية التنظيمات التكفيرية مع بقايا البعث ومن على شاكلته سواء في سوريا او العراق. حقيقة لم استغرب البتة من مواقف البعض من ادعوا تصدر المشهد السياسي و الثقافي معارضة سورية ( ميشيل كيلو و عبدالرزاق عيد مثالاً)،بل الطامة الكبرى في انهم من ( فطاحلة المفكرين السوريين) وعلى انهم ديمقراطيين وعلمانيين، لكن الحقيقة التي هي ليست غريبة في هذا المشهد هي انهم ينتمون إلى نفس المدرسة الشمولية – الاقصائية رغم ادعاء اليسارية التي التقت في النهاية مع نظيرتها الحدية الاخرى مثل داعش وهذا بطبيعة الحال لا يختلف عن رؤية وتصور حزب البعث حول كافة القضايا.
الحقيقة ان تلك الشخصيات لم تكن قد اختبرت في مواقفها وسقط القناع سريعاً في الامتحان الكردي و ( الوطني) مع تحويل وتصور الصراع في سوريا على انه طائفي -قومي.
طغيان النزعة القومجية – الطائفية في خطاب هؤلاء افقدتهم البوصلة حتى في ابسط الأمور فعبدالرزاق عيد كان في كتاباته يصف سوريا بانها مزرعه للاسد و لا ينطبق عليها حتى تعريف الوطن، لكنه اليوم يتباكى على اطلال وهمية قسمت بيد جماعته السنية من التنظيمات الجهادية والبغدادي و قبلها من قبل النظام لتعود خارطة سوريا الى سابقها دويلات ولن تعود وطناً لا شعباً و لا ارضا مادامت هذه العقلية تقود مستقبل العلاقة في سوريا. كان الاولى بالعيد وهو المفكر العتيد في مواجهة ( الرعاع العلوي الشبقي المراهق الداعشي الحالشي) كما يورد في القاموس الاصطلاحي له ان يتمعن جيدا في ثقافته الشمولية عندما يفقد بوصلته لجهة نزعته القومية ويصف الكرد باوصاف غير لائقة له اولا وهو يعلم جيداً بان اولئك الشرفاء من تلك الطبقة العاملة كانوا سيكونون اطباء او مهندسين او كوادر علمية مثل بقية الكرد لولا سياسات النظام الشوفينية والذي حرمهم من ابسط شروط الحياة لتقوم انت اليوم وتعيب الكرد فيما قمتم انتم بفعله. فكان السقوط المدوي انسانيا قبل ادعاء الوطنية. ثم اذا كنتم تختلفون مع سياسة حزب الاتحاد الديمقراطي فيمكن تناوله نقديا و سياسياً وان موضوع التعميم لم يأتي صدفة، انما هو خروج المستور من اللاشعور في لحظة الحقيقة لتكون النية واشكالية العلاقة والعقد الاجتماعي حول سوريا التي ستقسم الى اكثر من خمس دويلات وفق لرؤيتكم السياسية وستكون دولة الخلافة افضلها و خيار من تدافع عنهم.
حتى بعيداً عن النزعة القومجية فان ظاهرة الجهل التي يحمله العيد وكيلو حول الواقع السوري والكردي ايضاً يحمل اكثر من علامة استفهام، فهم لا يعلمون حقيقة الرؤية السياسية الكردية وطبيعة الأحزاب و مطالبها و لا يفرقون بين طرح حزب الاتحاد الديمقراطي وكذلك المجلس الوطني الكردي الذي هو شريكه ضمن الائتلاف السوري ولعل ميشيل كيلو يعلم جيداً وفقط اريد أن اذكره بان الفيدرالية هو المشروع الكردي وتم مناقشته مع اعضاء الائتلاف ونحن نجده حلا مناسباً للواقع السوري، لكن ان تجهل عن قصد مشروع حزب الاتحاد الديمقراطي المتمثل في ” الامة الديمقراطية ” والذي لا يحمل بعدا قوميا فانها مصيبة كبرى فقط لانه يمتلك قوة عسكرية قوية على الارض يستطيع هزيمة داعش!!!!!
تلك الرؤية القاصرة و العنصرية لدى كيلو تحمل اكثر من بعد سياسي و عليه مستقبل العلاقة بين المكونات السورية في ان ( المعارضة) للنظام ليس معيارا بل الفهم السليم لشكل النظام السياسي و شكل العلاقة والدستور و فهم الاخر كل هذه الأمور ستكون مفصلية بالنسبة لنا الكرد ولن يكون هناك مستقبل لاية علاقة اذا لم تكن واضحة في ان سوريا لن تكون مسرحا لإعادة انتاج دكتاتورية جديدة على شاكلة البعث وان الكرد لن يقبلوا الا بعلاقة تقر وتعترف بحقهم في تقرير مصيرهم بما فيها الانفصال وعندها يحدد الكرد شكل تلك العلاقة اي بمعنى اننا لن نلغي هويتنا القومية في بوتقة العروبة باسم سوريا وهذا ما على جميع اطراف المعارضة السورية فهمه جيدا ونحن عندما نطرح الفيدرالية شكلاً للنظام في سوريا اليوم فان ذلك قد يناسب المرحلة وفق ارادة جميع المكونات ولكننا قد نجد انفسنا امام استحالة هذا الطرح في اقامة فيدرالية مع دويلة داعش او النصرة او من على شاكلتهم و عندها سيكون التقسيم حقيقة واقعة في سوريا التي لن تبقى حتى اسما لانه مرفوض من قبل تلك الجماعات التكفيرية وسيكون على امثال كيلو والعيد العودة للكورد مرة أخرى ليكونوا عامل وحده وتوازن كما لعبه الكرد في العراق.
الى جانب الواقع التقسيمي سلطة الميليشيات على الارض هناك العامل الدولي ومصالحهم في المنطقة واستراتيجية التغيير القادمة التي سترسم خريطة جديدة ستلغي بها خريطة سايكس-بيكو وهذا بحد ذاته لن تبقي لا سوريا و لا العراق بصورتها الحالية حسب العديد من مراكز الدراسات والاستخبارات العالمية ويبدو ان اولئك ( المفكرين العظام) بعيدون كل البعد عن تلك المتغيرات وماسيحدث مستقبلاً، ثم ان ان اعادة التموضع وتصحيح اخطاء الماضي باتت مصلحة وضرورة دولية ويتم العمل عليه ودولة كردستان احدى اهم محاور الاستراتيجية الجديدة.
في النهاية هل باتت القضية الكردية جسراً للجمرات لأغلب اطياف المعارضة كي تختبر في مصداقيتها و فهمها للشراكة التي تبدو بعيدة عن التحقيق الا وفق مبدأ الانصهار حسب عقيدة البعث وثقافة بلاد العرب أوطاني التي مايزال يتبناها امثال العيد وكيلو وهم بذلك يساهمون فعلياً في ترسيخ فكرة التقسيم عندما يرفضون التشارك الا وفق منطقهم الذي اصبح من الماضي و لن تنطلي اكذوبة ( دولة المواطنة) على احد لانها شكل اخر لدولة البعث الاسدية وهذا لن يخدم مستقبل العلاقة في سوريا وعندها ستبحث جميع المكونات عن خياراتها المناسبة وفق ارادتها و قرارها في تقرير مصيرها.
سقطت خرافة سيادة الاوطان و وحدة الشعوب والتاخي وبان الجميع ابناء وطن واحد وبان الحكومات الوطنية هي صمام أمان في مواجهة العدو ونظريات المؤامرة ومفاهيم الخناجر القائمة في الخاصرة العربية واسرائيل الثانية لان اصحاب تلك الشعارات كانوا اول من قتلوا شعوبهم سواء كان براميلا او نحرا او على الهوية طائفة وقومية.. في النهاية لايمكن حجب الحقيقة بالغربال و العيش على اوهام و اطلال ماضي لم يحمل سوى القمع والاعتقال و حياة العبودية في ( اوطان) كانت سجونا و مزارعا لحزب وجماعة ومن ثم لأشخاص وهي زائلة في حتميتها التاريخية.