ماكينة الفساد وتفريخ الاحزاب!
كفاح محمود كريم
عرفت النخب العراقية النظام الحزبي مع مطلع القرن الماضي وتأسيس جمعية الاتحاد والترقي، وباستثناء ذلك لم تكن هناك خارطة سياسية حزبية الا بعد تكوين المملكة العراقية، حيث بدأت بعض النخب بتأسيس جمعيات واحزاب عمودية لا علاقة لها بالاهالي الا بالاسم فقط، وباستثناء الحزب الشيوعي العراقي وما تلاه من ولادة احزاب قومية يسارية، هذه الاحزاب في غالبيتها لم يكن لها أي علاقة بالاهالي الا وقت الانتخابات كما يحصل الان بعد ما يقرب من مائة عام.
لقد ساد العراق من 1921 وحتى 1958 نمطا من تداول السلطة على الطريقة الغربية، حيث نجح البريطانيون في اقامة نظام ملكي برلماني تتبادل فيه النخب السياسية حينذاك كراسي الحكومة والبرلمان، لكنها ما لبثت أن انتهت بانقلاب عسكري دموي نفذته مجموعة من الضباط بتأييد بعض الاحزاب التقدمية والقومية وفي مقدمتها الحزب الشيوعي العراقي وحزب البعث العربي الاشتراكي والحزب الديمقراطي الكوردستاني، هذا الانقلاب او الثورة كما اطلق عليها، اجرت تغييرا حادا في بنية النظام السياسي واعلنت بديلا للمملكة العراقية جمهورية عراقية اختلف مؤيدوها وعناصر تكوينها فيما بينهم لتتحول الجمهورية الخالدة الى بحر من الدماء إثر انقلاب آخر اطاح بها وبزعيمها الاوحد في الثامن من شباط 1963 لتبدأ سلسلة من الحروب والصراعات لم تنته حتى يومنا هذا!
بعد هذه النبذة السريعة نعود الى ايامنا المنحوسة هذه في ظل احزاب الزينة وحسد العيشة التي تكاثرت وانشطرت بشكل سرطاني مذهل يعبر بشكل واضح عن تكالب مجاميع البحث عن السحت الحرام تحت يافطات بدأت بمنظمات او دكاكين المجتمع المدني، وانتهت الى احزاب بيتية وعشائرية لا تمت بأي صلة الى الواقع الاجتماعي ولا الى حاجيات الاهالي، لانها منتوج سيئ لمنتِج فاسد ومرحلة بائسة اختلطت فيها الالوان والاذواق، حتى لا يكاد المرء يميز بين الصالح والطالح!
في بلاد مثل الولايات المتحدة او بريطانيا او فرنسا والعشرات من الدول والمجتمعات الشبيهة بدولتنا ومجتمعاتنا لديها مجموعة احزاب رئيسية لا تتجاوز الخمسة احزاب، تتداول السلطة فيما بينها حسب ادائها وتنفيذها لبرامجها المعلنة للجمهور ورضائه عنها، وبذلك حافظت على رصانة هذه المجتمعات واستقرارها وامنها وسلمها الاجتماعي،بينما ونحن وبعد ما يقرب من مائة عام على تأسيس مملكة العراق وخمسة عشر عاما من ( التطبيق الديمقراطي في تداول السلطة ) لدينا عشية انتخابات البرلمان الاخيرة 204 كيان سياسي يندر ان يجد الباحث بينهم اكثر من عشرة احزاب بمفهومها المعروف سياسيا وتاريخيا في العراق وكوردستان، مما ادى الى انتاج برلمان معاق يعاني اصلا من شلل نصفي اساسا كونه يعمل بنصف هيئته ( النصف الثاني المجلس الاتحادي مرفوض من قبل الحيتان المذهبية والقومية ) ويتمتع اعضاؤه رغم عوقه بامتيازات لصوصية لا مثيل لها في كل دول العالم الغنية والفقيرة، مما جعل التكالب على تلك المواقع وتأسيس الاحزاب واحدة من اكثر عمليات الفساد بشاعة في العالم السياسي.
إيلاف
جميع المقالات المنشورة تُعبر عن رأي كتابها ولاتعبر بالضرورة عن رأي Yekiti Media