مظاهرات إقليم كُردستان حقائق مُرّة
عبدالله جعفر كوفلي /ماجستير قانون دولي
إنّ التظاهر السلمي يُعدّ و بحقٍّ وسيلة مهمة للغاية من وسائل التعبير عن الرأي والضغط على المؤسسات والجهات الرسمية و الحكومية لتحقيق مطالب معينة، أو من أجل طرح تلك المطالب بشكلٍ فعّالٍ.
فحقّ التظاهر من الحقوق الأساسية للإنسان , وهو يشمل حقّ الإنسان في التجمع وحرية الرأي والتعبير, وقد نصّت عليه جميع لوائح حقوق الإنسان والدساتير في الدول مهما اختلفت في أنظمة حكمها أو درجة نموها الاقتصادي والترابط الاجتماعي فيما بين أبنائها.
فالمظاهرة، تعني إعلان رأي أو إظهار عاطفة في صورةٍ جماعية، وتعني التعاون أيضاً والنزول إلى الشوارع والتجمع في الأماكن العامة والمسيرات الحاشدة للمطالبة بحقٍّ سياسي أو إداري أو اقتصادي أو طرحه على الملأ في سبيل إيصال صوتهم إلى الحكومة والجهات المعنية وقد نُظّم حقّ التظاهر في الدول وفق الأنظمة والقوانين بعدما كفلتها الدساتير.
والمظاهرات أنواع ،منها الصامته وأخرى مصاحبة بلصياح والهتافات و الأناشيد والصور والأعلام او الإشارات، ومنها ما تكون واقفة وأخرى سيّارة، وتختلف أنواع المظاهرات باختلاف طبيعة الحق المطالَب به، وهناك مظاهرات تحصل على الموافقات الرسمية، وأخرى غير مرخّصة وأخيراً مظاهرات سلمية وأخرى تحمل طابع العنف والشغب.
درجة وعي الشعوب والأفراد المتظاهرين وثقافتهم وحبّهم للوطن ومستوى شعورهم بالمسؤولية تجاه بلدانهم تلعب دوراً مهماً في تنظيم التظاهر وعدم تحويلها إلى أعمال شغبٍ وعنف.
بين حينٍ و آخر تخرج أرتال من مواطني إقليم كُردستان للمطالبة بحقٍّ أو لاستنكار وشجب قرارٍ أو لدعم موقفٍ. وتكفل الأجهزة المعنية بحمايتها ومنع تحويل مسارها إلى وجهةٍ أخرى، وفق القوانين والأنظمة المرعيّة.
تظاهرات إقليم كُردستان المطالِبة بضرورة دفع رواتب الموظفين بصورةٍ منتظمة، هذه المرة كسابقاتها تحمل تساؤلاتٍ عديدة، منها :
مَن هو السبب الحقيقي لعدم دفعها، والتي هي الحكومة العراقية بعد قطعها لموازنة الإقليم المالية منذ عام 2014 ؟؟
ولماذا توجيه التهم إلى الحزب الديمقراطى الكُردستاني مع العلم أنّ أحزاب أخرى مشاركة في الحكومة، منها الاتحاد الوطني الكُردستاني وحركة التغيير وآخرين.
نظّمت سلطات الإقليم المظاهرات وفق القانون رقم 11 لسنة 2010 و الدستور العراقي كفل هذا الحقْ وفق المادة(38).
ولكن عند إلقاء نظرة متأنّية إلى طبيعة مظاهرات إقليم كُردستان بصورةٍ عامة، فإننا نستطيع أن نستنبط من مجريات هذه التظاهرات التي تخرج بين حينٍ و آخر بمطالب متنوعةٍ مجموعة من النتائج التي تعكس الوجه السلبي لإقليم كُردستان باعتباره التجربة الديمقراطية الناجحة والوحيدة في المنطقة، وتؤثّر على سمعتها الدولية وثقتهم بها ومنها:
– التخريب: ما أن يخرج مجموعة من المواطنين وفي أكثر الحالات إلا وتبدأ أعمال التدمير والتخريب والحرق للمباني الحكومية ومكاتب الأحزاب السياسية وحتى الدور السكنية وكأنه إشارة واضحة على وجود أيادي خفية في الموضوع تدفعهم إلى الوجهة التي يريدها وهو يتفرج النار الملتهبة وأعمدة الدخان المتصاعدة مع عمليات نهب الأثاث و الأموال.
– شعارات وهتافات تشير بشكلٍ واضح إلى عمق ما يعانيه المواطن من معاناة ومآسي بحيث تقشعر منه الأبدان، عندما يقف الرجل أمام أفراد عائلته حائراَ وماء الحياء يجرى على وجهه، لا يستطيع أن يؤمّن لهم لقمة العيش، مهما يكن الأمر، لا يمكن للإنسان أن ينكر انتماءه إلى وطنه وقوميته، بل يطلب الإغاثة من دولة العراق التي كانت جميع حقوقه منتهكة على يدها بالتدخل والارتباط المباشر معها وضرب هيبة إقليم كُردستان ومكانته ودستورية مؤسساته عرض الحائط وهذا مؤشّر خطير و دليل على عمق معاناته وضعف الخدمات المقدّمة.
– غالباً ما تخرج هذه المظاهرات عند وجود أزمة خارجية لحكومة إقليم كُردستان مع العراق أو غيره وهذا يعني بأنّ المتظاهِر ينتظر الفرصة وهو يحمل أجندات سواءً كانت أزمة سياسية أم اقتصادية ومالية … الخ.
– هذه المظاهرات تشير إلى إشباع المواطن الكُردستاني من التحزّب والأحزاب السياسية، بل يرى أنّ هذه الأحزاب هي أسباب ما يعانيه من الفقر والجهل و الجوع و البطالة، لذا ما أن تأتيه الفرصة إلا ويبدأ بالهجوم على مقرّاتها بالرشق بالحجارة وحرقها وتدميرها دون اختلافٍ، لعلّه يشفي غليله الهائج.
– مظاهرات إقليم كُردستان في غالبها سياسية بغطاءٍ مدني، أي من أجل أهداف سياسية والهجوم على طرفٍ أو حزبٍ سياسي معين خاصةً عندما يشتدّ الصراع بينهم، ويكونون متنافسين، وهذا ما نلمسه من طبيعة الشعارات و الإشارات المرفوعة فيها، فقلّة الخدمات والفقر والبطالة والفساد يركب على أمواجها حزب معين للتقليل من وزن حزب آخر أو من أجل دعايةٍ انتخابية قادمة، وكسب أصوات المواطن الأعزل الذي بات ينتظر وينتظر.
– مظاهرات موجهة ضدْ البارتي وعلى الرغم من كون الحزب الديمقراطي الكُردستاني من أقدم الأحزاب الكُردية، وله تاريخ طويل من النضال والتضحية والمواقف و المنجزات، إلا أنّ نظرة البعض إليه كجسمٍ غريب في مناطقهم، لذا ما أن تُتاح لهم الفرصة إلا ويبدأون بالهجوم على مقراته والقيام بحرقها ورشقها بالحجارة وإطلاق الرصاص عليها وضرب كوادرها ومحاولة إهانتهم، وبات هذا سلوكاً وفكراً لديهم كأنهم يتعاملون مع منظمةٍ إرهابية مع كلّ الاحترام لمواقف هؤلاء الكوادر الذين يضربون أروع الأمثلة في التضحية والفداء والالتزام بنهج البارتي والبارزاني الخالد، وإنهم جزء من هؤلاء ومدافعين عن حقوقهم مع علم المتظاهر نفسه بأنّ البارتي في تلك المناطق لا يملك السلطة.
– حكومة إقليم كُردستان تعمل من أجل رفاهية المواطنين، ولكن الملفت للنظر أنه في كلّ مرةٍ تحاول الحكومة القيام بإصلاحات وضرب الفاسدين بيدٍ من حديد، أو أنها تقترب من تحقيق منجزاتٍ لإقليم كُردستان سواءً من الناحية السياسية أو الاقتصادية سواءً على المستوى المحلي أو العراقي أو الإقليمي والدولي إلا ويبدأ المواطنون بالخروج للمظاهرات وعرقلة مسيرة الحكومة في تقديم الخدمات ومحاربة الفساد واتخاذ خطوات إصلاحية، وهذا يبرهن على وجود أيادٍ خفية داخلية وبدرجةٍ أقل خارجية، تحرّك وتلعب على عواطف المواطن ومن أجل تحقيق أهدافه بإضعاف الحكومة وعرقلة سيرها نحو الأفضل.
– كردّة فعلٍ من الجهات الأمنية ، فإنّ تعاملها يكون قاسياً مع المتظاهرين بالاعتقال و الضرب.
هذه الحقائق مُرّة كطعم الحنظل ولكنها الحقيقة أتمنّى من الجهات المعنية اتخاذ الخطوات اللازمة من أجل استقامة هذه التظاهرات وعدم إفلاتها لتكون سلمية ديمقراطية معبْرة ومحقّقة لأهداف الشعب ومطالبهم.
وأخيراَ لا بدّ من القول إنّ من حقْ المواطن الكُردستاني أن يعيش بأمانٍ ورفاهية وأن تقدّم له الحكومة ما تستطيع وأن تفعل ما بوسعها من أجله.