من الخاسر ومن المستفيد من عودة العلاقات بين طهران والرياض؟
علي تمي / كاتب وسياسي
لا شكّ أنّ النظام الإيراني يمرّ اليوم بأزمة وجودية، سواءً كان انزلاقها في حرب اليمن، وخلط الأوراق في لبنان، أو دعم المليشيات في العراق وسوريا لتصفية الحسابات مع واشنطن وتل أبيب، أو الوقوع في الفخ الأوكراني من خلال إمداد موسكو بالطيران المسيّر، كلّ هذه الوقائع والمعطيات كانت لها ارتدادات سلبية على منظومتها الاقتصادية، ونتج عنها العديد من الأزمات الداخلية، دفعت طهران إلى إعادة ترتيب أوراقها من جديد، والبحث عن طوق النجاة، وكان لا بدّ من التوجه نحو الرياض وطي صفحة الماضي ؛ لأنّ وضعها الخارجي بات أشدّ تعقيداً، وفي مقدمتها أزمة الملف النووي، والضغوطات الأمريكية، وإسرائيل التي تلوّح مراراً وتكراراً بشنّ هجوم مفاجئ على مواقعها الحسّاسة، كلّ ذلك وضعت طهران في الزاوية الحادة، وقررت تغيير استراتيجيتها على مبدأ ( عدو عدوك صديقك).
تاريخ الخلافات السعودية- الإيرانية
في كانون الثاني/يناير من عام 2016، اتخذت السعودية قراراً بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع إيران، إثر تظاهرات انطلقت في إيران عقب قيام المملكة بتنفيذ حكم الإعدام بحق رجل الدين الشيعي المعارض، نمر النمر، أقدم خلالها المتظاهرون الإيرانيون على التظاهر أمام القنصلية السعودية في مدينة مشهد.
لم تكن تلك المرة الأولى التي تقطع فيها العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، إذ قُطعت مرتين من قبل، الأولى عام 1943، إثر قيام السلطات السعودية بإعدام أحد الحجاج الإيرانيين، لكنها عادت عام 1946، أي بعد 3 سنوات من القطيعة، والثانية عام 1987، إثر مواجهات بين الشرطة السعودية وحجاج إيرانيين قتل فيها أكثر من 400 شخص، معظمهم من الإيرانيين، لكنها عادت عام 1991، أي بعد نحو 4 سنوات من القطيعة لتعود المياه إلى مجاريها في بداية 2023 بعد استغلال بكين الفرصة ودخولها على الخط بشكل مباشر في محاولة منها لخلط الأوراق مع واشنطن في الشرق الأوسط وسحب البساط من تحت قدميها وعلى مراحل.
ما مصلحة بكين من إيجاد اتفاق بين السعودية وإيران ؟؟
هناك مََن يعتقد أنّ عودة العلاقات السعودية الإيرانية هي ضربة موجعة للسياسة الخارجية الأمريكية، وفشل ذريع للدبلوماسية الأميركية في الشرق الأوسط ، ولا شكّ هذا الحدث كان مفاجئاً للجميع ، وجاء أكبر وأسرع مما توقّعه الأمريكيون والإسرائيليون، ولتقطع الطريق أمام ما خططوا له وكانوا بصدد تنفيذه، وهو محاولة ضرب ايران أو الدخول في حرب معها، أو يفعلوا بها ما سبق أن فعلوه مع العراق.
هناك مَن يعتقد أنّ بكين وجّهت ضربة معلم لواشنطن وفي التوقيت المناسب ، بمعنى استغلّت انخراط الناتو في حرب أوكرانيا والصراع القائم مع موسكو على القوقاز ، وجنّدت كلّ قدراتها وطاقاتها لتحريك المياه الراكدة في العلاقات المتشابكة والمعقدة في المنطقة ، فيما وصفت الصحافة الغربية بأنّ ذلك إن دلّ على شيء، فإنما يدلّ على تعاظم الدور الصيني اقتصادياً وسياسياً في الشرق الأوسط ، على حساب ضعف النفوذ الأمريكي في المنطقة.
بكين ومن خلال هذا الاتفاق تحاول توجيه رسالة للقوى العظمى، ومن بينها الولايات المتحدة، “مفادها أنّ محور الشر في الشرق الأوسط تغيّر”، وإدارة الرئيس بايدن تعتبر دور الصين بأنه “أكبر تحدٍّ جيوسياسي للقرن الـ21”.
بين هذا وذاك، دخلت بكين الشرق الأوسط من أوسع أبوابها ، ولأنّ واشنطن فشلت في التعاطي العادل مع قضايا المنطقة من بينها الأزمة السورية، الوضع في اليمن وليبيا والعراق وأخيراً أوكرانيا ، وبدلاً من إيجاد الحلول لمشاكل المنطقة تحاول إدارة أزماتها وهذا ما دفعت بشعوب المنطقة إلى الاستياء من سياساتها غير العادلة في الشرق الأوسط بالتالي قرّرت البحث عن البديل.
الخلاصة .
دول المنطقة مع شعوبها وصلوا إلى قناعةٍ تامة بأنّ واشنطن تماطل عن قصد في عدم حل مشاكل المنطقة، وتحاول تدوير كلّ زوايا الصراعات حسب مصالحها الاستراتيجية في المنطقة ، الصين وروسيا وبسبب الدخول في صراع مفتوح مع واشنطن، وخاصة في شبة جزيرة تايوان وفي أوكرانيا تحاولان اليوم انتزاع أكثر قدر ممكن من أوراق التفاوض من واشنطن، بهدف الضغط عليها وإجبارها على التراجع والجلوس على الطاولة وبالتالي التنازل في جبهات أخرى.
دخول الروس والصين في الشرق الأوسط والتغلغل في مناطق النفوذ الأمريكية البريطانية ، يدلّ على تغيير قواعد اللعبة السياسية في المنطقة.
وبالمحصلة، واشنطن فشلت في إيجاد حلول عادلة لقضايا المنطقة، وتستخدم اليوم العديد من المنظمات ( الخارجة عن القانون) لفرض أجنداتها الإقليمية والدولية على حلفائها قبل أعدائها؛ ولهذا السبب فإن لم تراجع سياساتها الخارجية بشكل دقيق ومدروس، وتراعي مصالح شعوب المنطقة نحو الحرية والديمقراطية، وتجد حلاً لقضايا المصيرية في العالم، فإنها ستكون الخاسر الأكبر ،وستفقد سيطرتها على قيادة العالم، وما تعاظم قوة الصين والروس الدولية إلا بداية لتغيير قواعد اللعبة، وبالتالي واشنطن لوحدها ستتحمّل مسؤولية ما ستؤول إليه الأوضاع والتوازنات والخلل في النظام العالمي، وما حصل من اتفاق إيران – سعودية تحت مظلة صينية هو بداية انقلاب حلفائها عليها.
لا شكّ ستكون ارتدادات هذا الاتفاق كارثية على المنطقة برمتها ، كونها أعادت طموحات تل أبيب إلى المربع الأول، ودول الخليج ستدفع ثمن مغامراتها و هرولتها خلف الصين في الشرق الأوسط، و واشنطن لا يمكن أن تسمح لبكين وموسكو بالتوسع على حساب مصالحها الاستراتيجية في الشرق الأوسط مهما كلّف الأمر.
المقال منشور في جريدة يكيتي العدد 306