مَن المستهدف بقانون قيصر الأميركي؟
ليس من المستغرب أن يكون الصراع الداخلي بين أجنحة السلطة داخل النظام السوري، والذي ظهر بأسوأ صورةٍ في الرسالة التي وجّهها واحدٌ من أخطر حيتان المال في عائلة الأسد، رامي مخلوف، إلى ابن عمّته بشار الأسد، يستعطفه فكّ الحصار عن امبراطوريته المالية التي بناها من خلال شراكته المشبوهة مع الدولة، والتفافه على القوانين، وإدارته لمجموعاتٍ من المرتزقة المتنفّذين في العائلة الحاكمة، ليس مستغرباً أن يكون ذاك الصراع أول قطرات الغيث قبيل اقتراب تنفيذ قانون قيصر الأميركي.
يدخل قانون العقوبات الاقتصادية على النظام السوري الذي أطلق عليه اسم “قانون قيصر” حيّز التنفيذ الفعلي في شهر حزيران/ يونيو القادم، ليطبق القبضة على عنق زعامات الفساد المالي، وكلّ مَنْ تلطّخت يداه بدم الشعب السوري ودعمَ أو شاركَ في حملات العنف ضدّ المدنيين، دولاً كانت أم أفراداً.
فقد أقرّ مجلس النوّاب الأمريكي قانون قيصر بالإجماع في تاريخ 22/1/ 2020، وتبعه إقرار مجلس الشيوخ في نوفمبر من العام نفسه، وأصبح في حينها قانوناً نافذاً؛ هذا القانون سيكون الأشدّ إيلاماً لنظام الأسد المتمادي بارتكاب أبشع الجرائم والمجازر غير المسبوقة بحقّ السوريين المطالِبين بالحرية والخلاص من الاستبداد والعنف المتأصّل في أجهزته. خمس وخمسون ألف صورةٍ لضحايا الموت تحت التعذيب سرّبها المصور المنشقّ عن النظام الملقّب “قيصر” جابت العالم، وصدر القانون مستنداً إليها بعد أن تمٌ التحقّق من صحّتها؛ هذا علماً بأنّ تلك الصور تمّ جمعها من ثلاثة أماكن احتجازٍ فقط من أصل عشرات مراكز الاعتقال والموت التي يملكها النظام.
يهدف القانون إلى حماية المدنيين، ودعم الجهات التي تعمل على جمع الأدلة الجرمية وتسهيل عملها لمعاقبة مرتكبيها؛ كما وينصّ على فرض عقوباتٍ على أيّ شخصٍ أو جهةٍ تتعامل مع الحكومة السورية أو توفّر لها التمويل، بما في ذلك أجهزة الاستخبارات والأمن السورية أو المصرف المركزي السوري.
وفي محاولةٍ من النظام في الهروب إلى الأمام، لجأ إلى استغلال الظروف التي فرضتها جائحة كوفيد 19 كأقصر وأسرع الطرق لفكّ العزلة السياسية الدولية المفروضة على دمشق، في محاولةٍ منه للتخفيف من العقوبات الاقتصادية الأمريكية والأوروبية التي جاءت نتيجةً لتنكيل نظام الأسد بشعبه، وممارسته العنف والتهجير والترويع لمئات الآلاف من السوريين، مستعيناً بالآلة الروسية الحربية والميليشيات الطائفية الإيرانية.
إلا أنّ واشنطن المنتبِهة والمستعِّدّة لهكذا التفافاتٍ من الأسد وحلفائه أعلنت على الموقع الرسمي لوزارة الخزينة الأمريكية وضمن بيانٍ توضيحي لمكتب (أوفاك) التابع للوزارة، والمختصّ بمراقبة حركة الأصول الأجنبية المشتبه بها، وقد صدر في 16 نيسان/ أبريل الجاري ما يلي: “لقد صُمّمت عقوبات مكتب مراقبة الأصول الأجنبية على سوريا لردع بشار الأسد، والمتعاونين معه، والجهات الأجنبية الداعمة له، و الحكومة السورية، من الوصول إلى النظام المالي الدولي وسلسلة التوريد العالمية. الإضافة إلى ذلك، هناك العديد من الجهات الفاعلة غير المشروعة التي تعمل في سوريا، مثل تلك التي تنتمي إلى مجموعاتٍ إرهابية مسمّاة عالمياً، أو إيران، أو روسيا، ما قد يؤدّي إلى فرض عقوباتٍ إضافية على الحالية”.
وتابع البيان :”يلتزم مكتب مراقبة الأصول الأجنبية بضمان ألا تحدّ هذه العقوبات من قدرة المدنيين في سوريا على تلقّي الدعم الإنساني من المجتمع الدولي. قد يشمل هذا الدعم توفير معدّات الاختبار، وأجهزة التنفّس، ووسائل الحماية الشخصية، والأدوية المستخدَمة في الوقاية والتشخيص والعلاج والتعافي من كوفيد 19″.
أكّد المعلومات التي وردت في بيان وزارة الخزينة مؤخراً، المبعوث الرئاسي الأمريكي ومسؤول الملفّ السوري جميس جيفري. ففي تصريحٍ له لجريدة الشرق الأوسط شدّد جيفري على أنّ “العقوبات الاقتصادية لا يتمّ فرضها أبداً على المساعدات الإنسانية أو الإمدادات الطبية، إذ يمكن لتلك المواد التدفّق بحريةٍ” وأضاف: “إننا نتخيّر العقوبات الاقتصادية بعنايةٍ فائقة ونوجّهها لاستهداف رموز النظام الحاكم وليس المواطن السوري العادي”.
هكذا يفشل النظام السوري في استجدائه العطف الدولي مستعيناً بواقعة انتشار فيروس كورونا، ولن يفلح في تصيّد الفرص لمحاولات بعض الدول العربية تدويره وإعادته إلى مظلّة الجامعة العربية، ولن يكون أمامه في هذا المناخ من الضغط الدولي المتعاظم عليه سوى الرضوخ لعمليةٍ منظّمةٍ من الانتقال السياسي ضمن معطيات القرارات الأممية التي صادق عليها مجلس الأمن وفي مقدّمتها القرار 2254، وهذا أضعف الإيمان لينجو برقبته من مقصلة العدالة الإنسانية.
نورث برس